الخميس 14 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

حفيدة الجزار رئيسة لـ «MI6»

فجّرت صحيفة «ديلى ميل» البريطانية مفاجأة هزت الشارع فى بريطانيا بعدما كشفت أن جد رئيسة جهاز الاستخبارات الخارجية البريطانى (MI6) المعينة حديثًا، كان جاسوسًا نازيًا من أصل أوكرانى فر من الجيش الروسى.



وفى منتصف يونيو الماضى، عينت بلايز متريويلى (47 سنة) كأول امرأة ترأس هذا الجهاز. وقتها لم يكشف كثير عن خلفيتها أو حياتها الشخصية، لأنها قضت معظم مسيرتها المهنية بسرية تامة فى أجهزة الاستخبارات.

ووفق تحقيق نشرته الصحيفة، وتتبع أصول «بلايز مترويويلى» من خلال وثائق مؤرشفة فى المملكة المتحدة وألمانيا ظهر أن جدها قسطنطين دوبروفولسكى كان جاسوسًا نازيًا خلال الحرب العالمية الثانية وكان يعمل فى أوكرانيا.

وبعدما انضم إلى الجيش الروسى، أرسل إلى الجبهة ومن هناك انضم إلى معسكر ألمانيا النازية.

وأطلق عليه قادة جيش الرايخ الثالث (الفيرماخت)، لقب «الجزار» أو «العميل رقم 30»، وقد أسهم بصورة ملحوظة «شخصيًا» فى «إبادة اليهود»، بحسب ما ذكر بنفسه فى رسائل متبادلة مع رؤسائه حصلت عليها الصحيفة.

وحسب الوثائق فرت زوجة دوبروفولسكى إلى المملكة المتحدة خلال الحرب مع ابنها الذى كان يبلغ من العمر شهرين وبات لاحقًا والد بلايز متريويلى.

وفى بريطانيا، تزوجت زوجته مجددًا عام 1947، واتخذت اسم زوجها الجديد ديفيد ميتريويلى.

من جانبها، قالت هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى»، إن دوبروفولسكى ظهر أيضًا على قائمة المطلوبين لدى جهاز الاستخبارات السوفياتى (كى جى بى) فى الستينيات من القرن الماضى باعتباره عميلًا للاستخبارات الأجنبية و«خائنًا للوطن الأم».

 

 

 

وردت وزارة الخارجية البريطانية التى تشرف على جهاز الاستخبارات الخارجية، بأن بلايز ميتريويلى «لم تعرف أو تقابل جدها من جهة والدها على الإطلاق».

وأضافت الوزارة أن «هناك تضاربًا وخلافات فى شأن أصول بلايز، ومثل كثير ممن ينحدرون من أوروبا الشرقية، لا يعرف سوى القليل عنها».

وأشارت الوزارة إلى أن «هذه الأصول المعقدة على وجه التحديد هى التى أسهمت فى التزامها فى منع الصراعات وحماية الشعب البريطانى من التهديدات الحديثة من دول معادية بصفتها الرئيسة المقبلة للجهاز».

ولم يولّ جهاز الاستخبارات الخارجية البريطانى «أم آى 6» MI6 امرأة على رأسه إلا مؤخرًا، مع اختيار بلايز لهذا المنصب.

صحيح أن بعض الوجوه النسائية ظهرت هنا وهناك، لكنها كانت فى الغالب كانت وجوه السكرتيرات أو الزوجات.

لذلك «الحياة السرية للنساء الجاسوسات» الذى هو عبارة عن مجموعة من القصص التى تنفض الغبار عن العالم السرى المشوق للجاسوسات، من القرن الـ19 وحتى يومنا هذا، كتاب على قدر كبير من الأهمية، بعد صدوره مؤخرًا.

الكتاب يحكى قصصًا كثيرة وتناول الكثير من أول قصة هارييت توبمان، عضوة الكشافة فى جيش الاتحاد أو الجيش الذى مثل الولايات الشمالية خلال الحرب الأهلية الأمريكية 1861–1865، إلى زاندرا فليميستر، أول امرأة سوداء تنضم إلى جهاز الخدمة السرية البريطانية، مرورًا بـ نور عنايت خان، التى عملت لحساب جهاز العمليات الخاصة البريطانى خلال الحرب العالمية الاستثنائية، وجوزفين بيكر التى تحولت إلى نجمة فى صفوف المقاومة الفرنسية.

هؤلاء النسوة انخرطن فى مختلف زوايا عالم التجسس، وخضن مغامرات محفوفة بالأخطار دفاعًا عن قناعاتهن، مما جعلهن فى نظر بعضهم بطلات، وفى نظر آخرين خائنات.

إلى جانب سرد القصص الشخصية المذهلة لهؤلاء النساء، يغوص الكتاب فى السياقات التاريخية التى أحاطت بحياتهن، فى محاولة لفهم دوافعهن وخياراتهن.

جاءت بعض القصص واضحة المعالم، مثل قصة «ساراسواتى راجامانى»، الضابطة فى جهاز الاستخبارات الوطنى الهندى، التى أعلنت بعفوية حاسمة وهى فى الـ10 من عمرها أمام المهاتما غاندي: «حين أكبر، سأطلق النار على إنجليزى».

هناك قصص أخرى، كحكاية «ماتا هارى»، التى تعتبر تفاصيلها أكثر تعقيدًا وغموضًا، إذ ارتبطت حكايتها الأسطورية بصورة الجاسوسة الألمانية التى استخدمت سحرها وجاذبيتها كسلاح، غير أن هذه الرواية بدأت تتداعى مع ظهور سردية جديدة تصورها كامرأة مسلوبة القوة، فعلت كل ما فى وسعها لتعود لابنتها التى انتزعها منها زوج عنيف.

فى السنوات الأخيرة، بدأت الاستخبارات البريطانية تخطو خطوات واضحة نحو مزيد من الشفافية والتنوع.

ففى عهد دام ستيلا ريمينجتون - التى عينت عام 1992 كأول امرأة تتولى قيادة جهاز الاستخبارات الداخلية MI5، وتبعتها إليزا مانينجهام بولر فى 2002 - صدر توجيه بأن تفرج المخابرات الداخلية عن ملفاتها إلى الأرشيف الوطنى بعد فترة زمنية محددة.

وبفضل الكشف عن حزمة من الوثائق بموجب هذا البروتوكول عام 2015، تبين أن امرأة نمساوية تدعى إديث تيودور، وكانت مصورة بارعة وأمًا عزباء كرست حياتها لرعاية ابنها المصاب بمرض عقلى - هى من قامت بتجنيد جدى لصالح السوفيات فى ثلاثينيات القرن الماضى.

 

 

 

لقد كانت بالغة الأهمية لدرجة أن الجاسوس الشهير فى خلية كامبريدج، أنتونى بلينت، وصفها تحت الاستجواب بأنها «الجدة الكبرى لنا جميعًا».

أما جين سيسمور، فهى أول ضابطة فى جهاز الاستخبارات الداخلية البريطانى، فبعد خلاف مع المدير العام بالإنابة، فصلت من الجهاز بتهمة العصيان قبل أن تتمكن من جمع ما يكفى من معلومات لإثبات شكوكها.

لم تجند النساء بانتظام كضابطات استخبارات فى جهاز الأمن الداخلى البريطانى أو جهاز الاستخبارات الخارجية حتى أواخر سبعينيات القرن الماضى.

وفى مقابلة حديثة مع مجلة «هاربرز بازار»، قالت ستيلا ريمينجتون: «عندما انضممت إلى جهاز الأمن الداخلى فى عام 1969، كانت النساء يقمن بالأعمال المساندة، بينما الرجال يتولون مهمات «استخلاص المعلومات».

واجتمعت ستيلا مع مجموعة من الموظفات المستاءات، وكتبن رسالة يطالبن فيها بمهمات أفضل وأكثر تحديًا، وكان أول اختبار لها أن تدخل إلى حانة وتحصل على أكبر قدر ممكن من المعلومات عن شخص ما من دون أن تثير الشبهات، وقالت مازحة: «لقد كدت أطرد من المكان، للاشتباه فى أننى أتحرش بالزبائن!».

ومن المثير للاهتمام أن فيرنون كيل، الذى شارك فى تأسيس جهاز الاستخبارات الخارجية فى عام 1909، وصف الأشخاص الذين يرغب فى تجنيدهم بأنهم رجال «يستطيعون تدوين ملاحظاتهم على أطراف أكمام قمصانهم وهم على ظهور الخيل».

ولم تتول امرأة قط قيادة جهاز الاستخبارات الخارجية البريطانى، لكن هذا الواقع تغير الآن، فمع تنحى ريتشارد مور هذا العام عن منصب الرئيس، أعلنت الحكومة تعيين بلايز فى سابقة أولى من نوعها.

وتبلغ متريويلى 47 سنة، وكانت تشغل منصب رئيسة قسم التكنولوجيا فى (أم آى 6) والمعروف بـ«كيو»، وانضمت إلى الجهاز فى عام 1999، وأمضت معظم مسيرتها المهنية فى أدوار عملياتية فى الشرق الأوسط وأوروبا.

وثلاث نساء يشغلن بالفعل ثلاثة من أصل أعلى أربعة مناصب فى الجهاز، وقد أجرين مقابلة جماعية موسعة مع صحيفة «فايننشال تايمز» قالت فيها مديرة العمليات، التى نشأت فى شمال غربى إنجلترا وتعلمت فى مدرسة حكومية: «هذه بيئة يهيمن عليها الذكور بصورة خاصة، هناك ميل إلى الاستهانة بالنساء، وبالتالى النظر إليهن على أنهن أقل تهديدًا، لذا، ليس من المستغرب إطلاقًا أن يجرى تعيين امرأة الآن على رأس جهاز الاستخبارات الخارجية البريطانى».

من الصعب تحديد السبب وراء بقاء قصص الجاسوسات فى الظل إلى هذا الحد، ربما لأن معظم الكتب التى تناولت عالم التجسس كتبها رجال، أو لأن الجاسوسات نادرًا ما جرى القبض عليهن.

يقال إن جزءًا من سحر الجاسوسات يكمن فى قدرة الزوجة أو الأم أو السكرتيرة على الاختفاء وسط المشهد العام من دون أن تلفت الانتباه.

وأول جاسوسة شهيرة كانت أورسولا كوشينسكى، المعروفة باسم «العميلة سونيا»، وهى قائدة شبكة تجسس سوفياتية نالت وسامى الشارة الحمراء لخدماتها للاتحاد السوفياتى، لكن البريطانيين اعتبروها مجرد ربة منزل.

فى عام 2014، وفى إطار حملة تهدف إلى استقطاب مزيد من النساء إلى أجهزة الاستخبارات السرية، كشفت ضابطة فى جهاز MI6  كيف أن كونها أمًا وجاسوسة فى آن معًا منحها ميزة مهنية فريدة، قالت: «هذا الدور يتيح لى التواصل مع طيف واسع من الأشخاص، من إرهابيين إلى زعماء سياسيين، فأنا أقل إثارة للريبة من امرأة عازبة».

وقالت مؤلفة كتاب: «الحياة السرية للنساء الجاسوسات»: خلال عملى على تأليف هذا الكتاب، وجدت أجوبة لعدد من الأسئلة التى كانت تؤرقنى، بينما ظلت أسئلة أخرى – كما هو متوقع – بلا إجابة. ما بات مؤكدًا لدى هو أن تغييب النساء عن الروايات المتداولة فى عالم الجاسوسية يفضح الطريقة التى صغنا بها التاريخ وتحدثنا عنه عبر السنين، لأن من يملك سلطة التوثيق هو من يقرر من يظهر فى القصة.

ترجمة من ديلى ميل وإندبندنت