الأربعاء 14 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

نقد الذات والانفتاح على الآخر

نقد الذات والانفتاح على الآخر
نقد الذات والانفتاح على الآخر


مؤتمرات عديدة عقدت فى الأزهر،  ووزارة الأوقاف، ودار الإفتاء المصرية من أجل الدعوة إلى تجديد الخطاب الدينى، وتيسير الفتوى ومنها مؤتمران عقدا فى الأقصر وأسوان، الأول عقد فى الأقصر تحت عنوان: «رؤية الأئمة والدعاة لتجديد الخطاب الدينى وتفكيك الفكر المتطرف»، والثانى بعنوان: «دور المؤسسات الدينية فى العالمين العربى والإسلامى فى مواجهة التحديات - الواقع والمأمول، نقد ذاتى ورؤية موضوعية».

وبدأ المؤتمر الأول بكلمة لشيخ الأزهر د.أحمد الطيب يدعو فيها إلى التعامل مع المشكلات والقضايا محل الخلاف أو محل الصمت والتهيب تحسبا لمواقف بعض الفقهاء المتشددين الذين يرون كل تجديد خروجا عن الشريعة، وتفريطا فى الدين وتمهيدا للانسحاق فى الذوبان فى الحضارة المادية الجارفة، وقد أكد د.أحمد الطيب على: «إن أئمة المذاهب الفقهية وأئمة الفقه والأصول والتفسير والحديث منذ عهد الصحابة وحتى عصر التقليد والعزوف عن الاجتهاد والجمود على أقوال السابقين  مارسوا الاجتهاد فى تجديد أحكام الشريعة كلما مست الحاجة إلى ذلك؟ أم قالوا إن النصوص الشرعية محدودة، وأن الحادثات كثيرة ومتجددة، إنه يستحيل أن نجد لكل حادثة نصا من القرآن أو السنة الصحيحة، وإذن لامفر من الاجتهاد والتجديد، ألم يقرروا القاعدة الذهبية التى تقول: إن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والأشخاص؟، ألم يجمعوا على صحة قول النبى صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها».«1»
فى نقد الذات
وقد صدرت أبحاث المؤتمرين فى كتابين قدم لهما وزير الأوقاف ورئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية  د.محمد مختار جمعة، وما يلاحظه القارىء لأبحاث المؤتمرين هو الروح الإيجابية التى اتسمت بها العديد من الرؤى والتى قامت بنقد الذات بمعنى نقد أداء دور المؤسسات الدينية  ففى الورقة البحثية التى أسهم بها د.عبدالحى عزب عبدالعال رئيس جامعة الأزهر السابق وهى بعنوان  «الأسباب الفكرية الداعمة لإنبات التطرف وعلاجها» قال: إن من هذه الأسباب: غياب الوعى الدينى، وانفصال الخطاب الدينى عن قضايا الأمة، وعدم الانشغال بقضايا الشباب وغياب التواصل الدينى والإعلامى معهم، كما أشار إلى أن الفهم الخاطىء للنصوص الشرعية أو الميل بها نحو الغلو والتطرف هو الحضانة الأولى لصناعة الإرهاب والإفساد فى الأرض، وأكد على ضرورة التركيز على قضايا الوطن والمواطنة والتعايش السلمى لجميع أبناء الوطن.«2»
 الانفتاح المعرفي
 ومن الأوراق البحثية المهمة ماقدمه د. أحمد اسماعيل أحمد رئيس قسم الدعوة والثقافة الإسلامية بكلية الدراسات العليا بجامعة الأزهر لمؤتمر «دور المؤسسات الدينية فى العالم العربى والإسلامى فى مواجهة التحديات»، ومن أهم ما طرحه ضرورة الانفتاح على المغايرين فى المذهب أو الاتجاه، ومراعاة قيم الحوار الدينية والفكرية ويراهما أمرين ضروريين لإعادة تشكيل الخطاب الدينى فى هذه الآونة لمحاربة الغلو المذهبى والتطرف الفكرى ومعالجة مشكلات المجتمع، وتحقيق وحدة الأمة ومعالجة إشكاليات الانقسام المذهبى والطائفى والسياسى، وأكد على أن النقد الذاتى للمؤسسة التعليمية هو صمام أمان لضمان جودة العملية التعليمية هذه المؤسسة أو تلك لأنه يمثل مراجعات ذاتية للإطار الشامل للمؤسسة بكل عناصرها المكونة والفاعلة، وأخطر محاورها: محور المناهج والمقررات واستيعابها للمستجدات العلمية والمشكلات الطارئة على الساحة واستيعابها لقدرات الطلاب ومدى انفعال الطلاب بها، كما رصد أسباب قصور المناهج وعدم مواكبتها للتطور العلمى وهو ما يؤدى إلى الجمود الفكرى، وعدم مسايرة القضايا العلمية التى توصل إليها العلم فى رحلة جهاد شاقة، وانتقد تجاهل الأحداث أو الظواهر الطارئة على الساحة كظاهرة العنف أو الغلو الدينى، كما أشار إلى الرؤية الفوقية للمؤسسة التعليمية والتى تقوم بصياغة البرامج التعليمية بصورة قسرية استعلائية دون استشارة هيئتها الأكاديمية، ودعا إلى التخلص من هذا المنا خ القسرى وتحرير الخطاب الدينى منها حتى لايؤدى إلى المزيد من الكوارث، وإهدار طاقات علمية جديرة بالاعتبار. «3»
فقه الواقع
ومن الأوراق البحثية التى قدمت فى نفس المؤتمر ما قدمه د.عبدالمنعم صبحى أبوشعيشع أستاذ الدعوة الإسلامية ووكيل كلية أصول الدين بطنطا والذى دعا إلى حسن التعامل مع المستجدات، وتجديد الخطاب الدينى بمراعاة الواقع واستنباط الأحكام والحلول التى تضبط التعامل مع هذه المستجدات ويرى أن تجديد الخطاب الدينى يقتضى الاستيعاب الصحيح لمصادر الإسلام وأدلته وأحكامه ومناهجه ومقاصده وأهدافه، والاستيعاب الصحيح لفقه الواقع، وما فيه من مستجدات وقضايا معاصرة، وأشار إلى دراستين تناولتا هذه القضايا وهما: دراسة د.عبدالله النجار وهى بعنوان: «مستجدات قضايا الأسرة - دراسة مقارنة فى الفقه الإسلامى، ودراسة د.فتحى رمضان حسن وهى بعنوان «تجديد الفكر الدينى بين النظرية والتطبيق» وصدرتا فى كتابين عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
 الانفتاح على الفنون والثقافة
ومن اللافت مشاركة د.جابر نصار رئيس جامعة القاهرة بورقة بحثية مهمة بعنوان «دور المؤسسات التعليمية فى تفكيك الفكر المتطرف» وهى مقدمة إلى المؤتمر الخامس والعشرين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية «نحو تفكيك الفكر المتطرف» ويقول فيها: «إذا كان الإرهاب وما يرتبط به من أعمال عنف وتدمير لاسبيل إلى مواجهته إلا بالقوة فإن الأمر يختلف عند مواجهة الفكر المتطرف»، ويرى ضرورة الانفتاح على الفنون والثقافة كمكون أساسى تفتقده كثير من المؤسسات وخاصة الجامعات فى خطابها مع طلابها حيث يمثل هذا الانفتاح إطارا طاردا للتطرف ويوفر إشباعا ثقافيا مميزا لعقول الشباب، ففى العام الجامعى 2013 - 2014 قدمت الجامعة موسما ثقافيا كبيرا بالاشتراك مع أوركسترا سليم سحاب، ومشروع كورال أطفال مصر.
كما قدمت ما يزيد على خمسين مسرحية على مسارحها الجامعية لمسرحيات هادفة من إنتاج مسرح الدولة، وفى 2014 - 2015 قدمت الجامعة موسما ثقافيا مع دار الأوبرا المصرية تقدم من خلاله كل شهر حفلتين مميزتين على مسرح الجامعة، كما تحدث عن مسارح مفتوحة فى أفنية الجامعة فى المناسبات الدينية والوطنية، كما تم تقديم بعض الفنون الشعبية مثل السيرة الهلالية وهو ما اجتذب عددا كبيرا من الطلاب.
..... الحوار وتبادل الرؤى بين جميع الأطراف الفاعلة فى المجتمع، والانفتاح على الآخر، واحترام الرأى والرأى الآخر، والانفتاح على الفنون والثقافات، كلها قيم مهمة لابد أن يسهم فيها الجميع ليكون هناك تجديد حقيقى فى الخطاب الدينى، والمؤتمران هما بداية طيبة للحوار حول قضايانا المجتمعية الحيوية، ولكن من الضرورى أيضا أن نقول إن ما تم تناوله لم يمس بعد جوهر التجديد وهو ضرورة تنقية كتب التراث من شوائب التضليل، والدعوة إلى إعمال العقل فى هذا التراث الفكرى والدينى ولذلك حديث آخر. •

هوامش
(1) أحمد الطيب: 2016، كلمته فى المؤتمر الخامس والعشرين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية فى كتاب  تحت عنوان: «نحو تفكيك الفكر المتطرف»، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ص 18 .
(2) عبدالحى عزب عبدالعال : 2016 «الأسباب الفكرية الداعمة لإنبات التطرف وعلاجها»، كتاب المؤتمر الخامس والعشرين المجلس الأعلى للشئون الإسلامية تحت عنوان: «نحو تفكيك الفكر المتطرف، ص25، ص 27، ص 35.
(3) أحمد إسماعيل أحمد: 2016،  «إشكاليات مناهج الدعوة والخطاب الدينى المؤسسى - تحليل ومعالجة، كتاب المؤتمر السادس والعشرين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية تحت عنوان: «دور المؤسسات الدينية فى العالمين العربى والإسلامى فى مواجهة التحديات، الواقع والمأمول - نقد ذاتى ورؤية موضوعية»، ص7، ص11، ص12، ص 14.