الإثنين 17 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

فوزية مهران: شهدت مولد «صباح الخير» والكتابة حياتى ومصيرى

فوزية مهران: شهدت مولد «صباح الخير» والكتابة حياتى ومصيرى
فوزية مهران: شهدت مولد «صباح الخير» والكتابة حياتى ومصيرى


وأنا فى طريقى إلى بيتنا الخشبى القائم على حافة المدينة أحتضن «فكرة دافئة»: «أنت إذ تبنى المجتمع تبنى نفسك».
بهذه الفكرة الدافئة تشكل عالم الكاتبة فوزية مهران، عالمها الأدبى والصحفى والإنسانى فمزجت فى أدبها بين الخاص والعام، وتوالت كتابتها وخطواتها الرشيقة بين عالمين: عالم الصحافة، وعالم الأدب، فأثرت المكتبة العربية بأعمال قصصية وروائية منها: «بيت الطالبات»، «وأغنية للبحر»، و«فنار الأخوين» مجموعات قصصية، و«جياد البحر»، و«حاجز أمواج»، و«السفينة» ثلاث روايات تبدت من خلالها فوزية مهران وهى تمزج العام بالخاص مزجًا فريدًا تعبر عنه بطلتها فى قصتها: «حلم البحر» فتقول: «أنا لا أفرق أبدًا بين العام والخاص بل لا أعرف لى تاريخًا منفصلاً، كل أحداث حياتى وأحلامى متصلة بما يجرى على أرض الوطن».
 
ومن هنا كانت روايتها «جياد البحر» التى تدور أحداثها ومشاعر أبطالها فى تلك الأيام والساعات والدقائق من شهر مايو 1967- وهى الأيام التى تسبق الذكريات الأليمة لهزيمة يونيو 1967»، ويكمن جوهر الرواية فى معانقة الوجود الذى لابد أن تستمر رحلته مهما حدث وإلا نعرض كينونة وجودنا للعطب، فنقع فى الوجود الساقط حتى ولو لم تتحقق ذواتنا المفتونة بما تراه، يخدعها ظاهر العالم الحسى عن إدراك حقيقته ومصيره المحترم، كما يقول الناقد والكاتب عبدالغنى داود فى دراسة له عن عالم فوزية مهران الروائى، وتأتى رواية: «حاجز أمواج» للكاتبة لتجسد روح المقاومة أثناء حرب الاستنزاف حيث يكتشف أبطال الرواية أن الصبر حاجز أمواج أو كما يقول بطلها الريان «زياد»: «جدار من الحجارة والصخر حتى تتكسر لديه الأمواج وتصل إلى الشط خفيفة لطيفة»، وكما يقول الربان للبحارة: «عندما يكبر البحر ويشتد نكون أشد على أنفسنا من البحر علينا.. معنى ذلك أننا نستدعى القوة والصلابة والعزم، طبيعة الحدة والعنف كل ذلك للمواجهة وبعدها نعود إلى طبيعتنا السماحة والمرح، اللين والحنان، المهم هو القدرة على المواجهة واكتشاف الذات»، وتتوج مهران روايتها بـ«السفينة»، الرواية الثالثة التى تحكى قصة العبور فتقول الكاتبة: «ويوما ما انشق الأفق عن سفينة بيضاء وفارس فلاح وبحار حملتنى إلى الموانى والفنارات وألهمتنى رحلة حياتى وكتبى».
نشرت فوزية مهران قصتها الأولى «الامتحان» على صفحات مجلة «صباح الخير» عام 1956، فقد التحقت للعمل بدار روزاليوسف الصحفية قبل ثمانية شهور من إصدار مجلة «صباح الخير» التى ساهمت فى تأسيسها والإعداد لها، وصدور العدد الأول فى 5 يناير 1956.
وفى حوار لى مع فوزية مهران قالت: «إنها بمجرد أن علمت أن دار روزاليوسف ستصدر مجلة اسمها «صباح الخير»، وكانت طالبة بكلية الآداب- قسم فوزية مهران- اللغة الإنجليزية- جامعة القاهرة حتى انتشت بالفرحة، وقررت لنفسها بداية طريق رحلة الصحافة قائلة: «هذه مجلتى».. وعندما ذهبت لمقابلة أحمد بهاء الدين معلنة عن رغبتها فى العمل فى «صباح الخير» طلب منها نماذج من إنتاجها، وكان منها ما كتبته فى جريدة المصرى عام 1948- وهى طالبة فى المرحلة الثانوية- ومنها مقالة عن السعادة.
ويبدو أن أبواب السعادة قد فتحت أمام فوزية مهران إلى عالم الكتابة والأدب من هذه المقالة.. فتصفها قائلة: «كانت فرحتى الأولى، وعلامة الطريق، ونجمة الميناء لى، وكانت خطوتى الأولى فى التمرد وعدم السماح للآخرين بالتفكير نيابة عنى.. وعرفت أن الكتابة حياتى ومصيرى».
وتقول لي: «شهدت مولد «صباح الخير» بين يدى قبل ولادة ابنتى الأولى، كنا نعد لعشرين عددا تجريبيا قبل إصدارها، أسهمت بقصصى فى باب «حكاية»، وكان مفتتحًا للمجلة، كما كتبت عن أهم الأعمال الأدبية والروايات ومنها رواية «دكتور زيفاجو» لباسترناك، كما كتبت عن مسرح اللامعقول عند بيكيت ويونسكو، بدأت رحلتى الصحفية من صباح الخير من عام (1956- 1961) ثم انتقلت للعمل بمجلة روزاليوسف وظلت «صباح الخير» جزءًا من تكوينى وروحى.
تألقت كتابات مهران فى مجالات عدة فكتبت المسرحيات ومنها: «البيوت»، و«التماثيل تنتحر»، و«الحق المصلوب».
ولها إسهامات فى مجال الكتابة النقدية فصدر لها من الكتب «أوراق لطيفة الزيات الشرسة والجميلة»، و«مواقف معاصرة».
تم تكريمها وإصدار الكتب عن رحلتها الإبداعية فكرمتها هيئة قصور الثقافة، وطبع كتاب عن إبداعها بعنوان «سيدة البحر»، وضم أهم ما كتب عن أدبها من دراسات ومنها «رسائل علمية» فكتبت د.مها الحلوانى عن «المرأة والبحث عن الذات» فى مجموعة «بيت الطالبات»، وكتبت د.فدوى كمال عبدالرحمن عن «نساء تحت المراقبة فى قصص: «بيت الطالبات».
وقد جسدت مهران فى هذه المجموعة كما تقول مها الحلواني: «قصة المرأة المصرية فى الستينيات من القرن الماضى فهى قصة الحقوق التى تم اكتسابها والكفاح للحصول على مزيد من هذه الحقوق، حيث أكدت رفض التعريف الضيق للأنثى، وما يمكن أن تفعله أو أن تكونه».
وأجمل ما تصف به مهران حياتها وكتاباتها عندما قالت لي: «عندما قرأت مقولة الأديبة الفرنسية مارجريت دوراز «لا أتصور حياتى بدون الكتابة.. ماذا كنت أصنع بحياتي؟» وعندها قلت: هذه أنا». •