الأربعاء 18 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
من ظلال الحرب إلى نور الإنسانية

من ظلال الحرب إلى نور الإنسانية

فى زمن كانت فيه الطفولة مرادفًا للبراءة، عاشت فتاة صغيرة فى حالة اشتياق لرائحة الخبز الدافئ تحت أصوات الطائرات التى تخترق سماء هولندا المحتلة، فلم تكن تعرف أن اسمها سيصبح يومًا رمزًا للأناقة والرحمة، إنها أودرى هيبورن، الطفلة التى عرفت الألم، فاختارت أن تهب حياتها للآخرين.



فى 1929 فى بلجيكا، وُلدت «أودرى كاثلين هيبورن-رستون»، لأب بريطانى وأم هولندية، وبعد انفصال والديها، انتقلت مع أمها إلى مدينة «آرنهم» فى هولندا، حيث توقعت أن البلاد ستكون آمنة من ويلات الحرب. ولكن فى 1940، اجتاحت القوات النازية هولندا، وبدأت معاناة أودرى وأسرتها تحت الاحتلال.

خلال سنوات الحرب، وبالتحديد فى 1942، أُعدم عمها على يد النازيين، وتم ترحيل أحد إخوتها غير الأشقاء إلى معسكر عمل فى برلين، ما دفع الأخ الآخر إلى الاختباء، فانتقلت العائلة - مرة أخرى - للعيش مع جدها فى بلدة «فيلب» بمقاطعة «خيلدريلاند»، حيث أصبحت والدتها نشطة فى دعم المقاومة الهولندية.

فى تلك الفترة، شاركت أودرى فى عروض رقص سرية لجمع التبرعات للمقاومة، وكانت تحمل رسائل سرية، مخاطرةً بحياتها من أجل الحرية.

تلك التجارب القاسية تركت أثرًا عميقًا فى نفس أودري، فلم تكن الحرب بالنسبة لها مجرد فصل من الماضي، بل كانت جذورًا شكلت رؤيتها للعالم.

وبعد انتهاء الحرب، سعت أودرى لتحقيق حلمها الأول فى أن تصبح راقصة باليه، ولكن ضعف بنيتها الجسدية حال دون تحقيق ذلك الحلم.

لكن المسرح لم يخذلها، فبدأت تظهر فى العروض المسرحية، ثم فى أدوار صغيرة بالسينما البريطانية، حتى جاء التحول الكبير فى حياتها عندما تم اختيارها لبطولة فيلم «Roman Holiday» عام 1953. أداؤها الصادق والبريء جعلها تحصد جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة، لتحلق فى سماء النجومية.

ومع توالى الأفلام، أصبحت أودرى أيقونة عالمية - ليست فقط فى عالم السينما، بل فى الموضة والثقافة العامة. كان حضورها فريدًا وجمالها هادئا وأناقتها بسيطة، ونظرة عينيها تقول أكثر مما تبوح به الكلمات. فلم تسحرها الشهرة، بل استخدمتها كمنصة للدفاع عن الضعفاء.

ففى أواخر الثمانينيات، بدأت رحلة جديدة مع منظمة اليونيسف، التى كانت قد ساعدتها شخصيًا فى طفولتها، حيث قالت أثناء تعيينها سفيرة للنوايا الحسنة فى 1989 حسب موقع المنظمة «أستطيع أن أشهد على ما تعنيه اليونيسف للأطفال، لأننى كنت من بين أولئك الذين تلقوا المساعدة الغذائية والطبية بعد الحرب العالمية الثانية. لدىَّ امتنان وثقة دائمين فيما تفعله اليونيسف».

زارت أودرى مناطق منكوبة وأكثر من 20 دولة حول العالم، منها «تركيا» و«الإكوادور» و«هندوراس» و«السودان» و«إثيوبيا» و«بنجلاديش» و«الصومال»، كانت تسير فى القرى، تحتضن الأطفال، تجلس على الأرض معهم، وتستمع إليهم. لم تكن مجرد زيارة تمثيلية، بل كانت تمضى الأيام هناك، تتنقل وسط الألم وتُحاول أن تبقى روح الأمل حية. فحين كانت تمسك بيد طفل فى إثيوبيا أو تصغى لفتاة فى بنجلاديش، كانت تصغى لطفولتها القديمة التى لم تنسَها أبدًا.

من خلال تجربتها، تعلمنا أن الألم يمكن أن يكون دافعًا للرحمة، وأن الشهرة يمكن أن تُستخدم لخدمة قضايا أسمى من الذات. كانت أودرى رمزًا للحنان والتواضع، وسفيرة لقيم لا تموت.

فى عالمنا اليوم، حيث يعانى الملايين من ويلات الحروب، والتهميش، والجوع، دعونا نتذكر رسالة أودري، بأن «تجاربنا مهما كانت مؤلمة، يمكن أن تكون مصدر أمل ودعم للآخرين».

فلنبدأ من حيث نحن، بالكلمة، بالابتسامة، بالاستماع، بالفعل. فلا أحد صغيرًا على إحداث فرق.. وقد تكون اليد التى تمدها اليوم، هى التى تنقذ روحًا من السقوط.