سمير مرقص رئيس جهاز التنسيق الحضاري الجديد لصباح الخير: لست فرعونا ولن أبدأ من الصفر

زين إبراهيم وريشة هبة المعداوي
سمير مرقص باحث سياسى له إسهامات مهمة فى قضية المواطنة، ومساعد رئيس الجمهورية السابق، ونائب محافظ القاهرة سابقا، فى تجربة لافتة استمرت عاما كاملا، كلها مناصب ومهام أداها مرقص عن قناعة فكرية وشخصية.. والآن يخوض تجربة جديدة بقبوله عرض د.جابر عصفور وزير الثقافة برئاسة جهاز التنسيق الحضارى، وهى تجربة يراها مرقص مهمة وملحة فى ظروف استثنائية يمر بها البلد، وتحتاج من كل العقول أن تقف وتساهم .. ذهبنا إلى سمير مرقص فى مكتبه نحاوره فى قضايا كثيرة أغلبها يرتبط بمهمته الجديدة وأخرى ترتبط بالوطن وقضاياه وإلى نص الحوار.
∎ بداية دعنا نتعرف منك على قبولك لتولى رئاسة الجهاز؟
- حدثنى د. جابر عصفور وزير الثقافة فى الأمر، وطلبت مهلة حتى أقرأ عن الجهاز وأتعرف عليه من قرب وقبلت المهمة لاعتبارات كثيرة منها قناعتى بفكر الدكتور جابر عصفور فى الدفع بوجوه ثقافية مقبولة فى هيئات الوزارة المختلفة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لدىّ قناعة بأنى أستطيع المساعدة كوجه ثقافى فى إطار مرحلة تحول وانتقال ديمقراطى تنتهى بإنجاز الانتخابات التشريعية، أى أن مهمتى بالجهاز تستغرق 6 أشهر تقريبا أسعى بكل جهد لإنجاز أشياء خلال تلك الفترة.
∎ أنت بالأساس مفكر وباحث سياسى.. كيف ترى ملامح التجربة الجديدة على عالمك؟
- أولا نحن جهاز ثقافى، وطبيعى أن يدير مناصب الوزارة وجوه ثقافية، كما أن المناصب العامة تتجاوز فكرة التخصص، وأقول لك أيضا إننى لدى خبرات متعددة ومتنوعة فى مجالات التنمية فى فترة من حياتى، حيث عملت فى تقييم وتخطيط المشروعات التنموية فى هيئات دولية، يضاف إلى كل ذلك أن جهاز التنسيق الحضارى يرتبط بالأساس بالذوق العام والحفاظ على التراث المعمارى وهى قضايا ليست هندسية محضة، بل لها أبعاد ثقافية وتاريخية ووطنية.
∎ وماذا تقصد بهذه الأبعاد وكيف يمكن تحقيقها على أرض الواقع؟
- المعنى الأكثر تركيبا الذى أريد توصيله هو علاقة الإنسان بالمكان، ففى العالم المتقدم نجد أن المكان هناك لابد أن يعبر عن الإنسان، ونحن نحاول أن نعيد العلاقة الإبداعية بين الإنسان والمكان، بحيث إن الإنسان لا يشوه المكان الموجود فيه، والمكان لا يعبر عن حالة مزرية للحياة الإنسانية، وبهذا فجهاز التنسيق الحضارى يلعب دورا ثقافيا وحضاريا مهما فى تنمية الذوق العام، وشغل الفراغات وتوزيع المساحات وصياغتها بشكل مقبول، ومداخل المدن، المبانى القديمة والحفاظ عليها من خلال تقديم دعم فنى للمكان عن طريق الكفاءات والخبرات التى نملكها داخل الجهاز ونقدم خبراتنا فى مجال التشكيلات العمرانية والحفاظ على الذوق العام، وكل التفاصيل المعنية بالتنسيق من لافتة الشارع كيف توضع إلى تقديم شكل للمكان مقبول حضاريا وتنسيقيا.
∎ وهل تستطيع تفعيل تلك الرؤية المهمة وأنت جهة استشارية وليست تنفيذية؟
- نحن بالفعل جهة استشارية نقدم الدعم الفنى عند الطلب والمشاركة فى المسابقات والتحكيم فى المشروعات المختلفة بالتعاون مع المحافظات والمحليات، وإذا طلب رأينا قدمنا بإخلاص ونلفت الانتباه ونقدم الآراء السديدة لتجميل وتنسيق المكان فى علاقته بالبشر، وربما فيما بعد نعدل قانون الجهاز، ولكن هذا يحتاج إلى تشريعات ونحن نجهز الآن بعض النصوص القانونية والتشريعية لتقوية دور الجهاز فى المجالات التى يهتم بها ويعمل من أجلها.
∎ وكيف يتم التنسيق مع الجهات الأخرى التى تتشابه مع عمل الجهاز؟
- نقوم حاليا بالتنسيق مع الجهات المماثلة فى دورها معنا مثل هيئة التخطيط العمرانى، وأقسام العمران بكليات الهندسة، وعقدنا لقاء مؤخرا مع وزير التطوير والعشوائيات د. ليلى إسكندر، وهناك لجنة مشتركة لعمل بروتوكول للتعاون فيما بيننا، وبالذات فى قطاع الأحياء العشوائية الموجودة بالمناطق التراثية ونحاول إيجاد طريقة لتطوير تلك الأحياء بإضفاء لمسة جمالية وفنية بحيث يكون الحى العشوائى امتدادا للمكان التراثى، كما أن هناك تعاونا مع وزارة الآثار وجميع الجهات التى يتشابه دورها معنا.
∎ تحدثت من قبل عن دور الجهاز فى تسجيل الذاكرة الوطنية، ماذا تقصد بذلك؟
- لاحظ أن المجتمعات المتقدمة تحرص على أن يكون مواطنوها على درجة عالية من الوعى بذاكرتها الوطنية وماذا يحدث فيها، كيف يتم المزج بين الماضى والمستقبل مثلما شهدنا الاحتفالية المئوية بالحرب العالمية الأولى وتوثيق الأماكن الخاصة بها حتى تبقى الذاكرة حية، ونحن نحاول فى الجهاز تفعيل تلك الفكرة بالحفاظ على الأماكن التاريخية، وقد افتتحنا مؤخرا معرضا للمدن ذات الطابع المعمارى الخاص والتى يقترب عمرها من مائتى عام ووثقنا الطرز المعمارية الخاصة بها، وهى قضية ترتبط بالأمة والوطن، وأن المسألة ليست مجرد تاريخ، بل تمثل ذاكرة وطنية تحافظ على التراث المعمارى وعلاقته بالمكان والبشر.
∎ ولماذا يبدو الجهاز غامضا فى دوره محبوسا فى قلعة صلاح الدين ولا يعرف عنه أحد شيئا؟
- صدر القرار الجمهورى للجهاز فى عام 1002 وتم تفعيله وافتتاحه عام 4002، وأهدافه هى العمل على جميع الأعمال التى تحقق القيم الجمالية والحضارية للشكل الخارجى للأبنية والفراغات العمرانية والأثرية مع الحفاظ على مواقع وعناصر البيئة الطبيعية، ومهامه هى رسم السياسة العامة للتنسيق الحضارى، وإجراء البحوث والدراسات ووضع المخططات والبرامج التفصيلية بالتنسيق مع الجهات المختصة وإبداء الرأى فى مشروعات القوانين واللوائح والقرارات ذات الصلة بالتنسيق الحضارى، وأسعى خلال الفترات القادمة لتقديم الجهاز إعلاميا للرأى العام بأن المصريين لديهم كيان يستطيع أن يدافع عن التراث المعمارى لهم ويحافظ على الذاكرة الوطنية وتعكف على إخراج إصدارات فى مجالنا، وعقد لقاءات تشاورية مع الإعلاميين والفنانين التشكيليين لنشر الوعى بفكر الجهاز والارتقاء والاهتمام بالمكان.
∎ وما أهم القرارات التى اتخذتها منذ توليك المنصب؟
- أنا لست فرعونا بمعنى لا أبدأ من الصفر وألغى كل ما سبقنى، والأمور المفيدة التى أنجزت من قبل سنحافظ عليها ونستكملها، والعاملون فى الجهاز على سبيل المثال أنجزوا كراسات خاصة باشتراطات البناء فى أحياء مهمة كالزمالك وجاردن سيتى والقاهرة القديمة لأنها مبان ذات طابع خاص، وهذه الكراسات أرسلناها للمحليات للاستفادة بها، كما أننا بصدد تشكيل لجنة علمية عليا للجهاز تكون موسعة وتشمل تخصصات مختلفة: مثقفين، أدباء، فنانين، تشكيليين، أساتذة عمارة، بحيث تكون هناك رؤى متعددة تعطى ثراء للجهاز، وخلال الأيام القليلة القادمة نعلن أول مجلس إدارة للجهاز وأنا مصر عليه حتى يكون العمل مؤسسيا وتنفيذا للقرار الجمهورى ونعيد هيكلة الجهاز الآن بمعنى توسيع صلاحيات المكتب الفنى «رمانة الميزان فى الجهاز»، وكل هذه الأمور تسعى لتحقيق رؤية الجهاز بحضوره فى مواجهة القبح، وعدم تقدير الذات «الحجر، البشر» وتفعيل دور الجهاز فى واقع المصريين.
∎ فى تصورك متى يكون فى مصر تنسيق حضارى فعلى؟
- هذه العملية معقدة جدا، لأنها تحتاج إلى تربية ومناهج تعليم وإعلام، وليست مسئولية جهة واحدة وكلها تتعلق بسياسات الدولة وأن تتشارك جميع الجهات معا، مصر فى مرحلة النهوض فى الأدب والثقافة والعمران كانت لديها تنسيق حضارى فعلى، وبسبب عثرات كثيرة حلت لقمة العيش محل الثقافة والمسرح، فى حين أن جزءا من تكويننا يميل لتذوق الفن والرقى، نحتاج أن نستعيدها فقط، وهنا فى الجهاز لدينا أفكار لرفع التذوق الجمالى عند الأطفال من خلال عقد ورش لتنمية الذوق، وهناك أفكار لعمل كتيبات توزع فى المدارس كمنهج للتذوق الجمالى، وأن تكون هناك حصة للتذوق الفنى والجمالى.
∎ لك تجربة سابقة عملية كنائب لمحافظ القاهرة هل تبتعد تلك التجربة عن التجربة الحالية؟
- كلها تجارب مهمة فى العمل العام، وأنا أعتبر تجربة المحافظة تجربة عمرى لأنه جرى العرف أن يبتعد الباحثون والمثقفون عن هذه الأماكن، وأعتبرها تجربة ثرية جدا لأننى شاهدت نصف مصر ودخلت إلى دولاب العمل اليومى، والتقيت بشرائح بشرية متنوعة، وأظن أن نجاح التجربة ارتبط بقدرتى على فك شفرة هذا الجهاز الإدارى العنيد والتركيز على أولويات المواطنين الغلابة وتلبية مطالبهم الحياتية، وبالذات الأنابيب والخبز وأتمنى أن تكون تجربتى فى الجهاز مفيدة للوطن والناس.
∎ وهل يعوقك العمل العام عن شغلك البحثى؟
- أحيانا يعطلنى، لكنى حريص على الكتابة باستمرار لأنها ما يبقى لى، ولكنى أنظر للموضوع من زاوية مختلفة بحيث يستفيد العمل البحثى من الخبرة العملية، وذلك يتم فى شكل كتابة مختلفة ومقاربة للكثير من القضايا وتوسيع الرؤية بالممارسة الواقعية.
∎ أعود معك مرة أخرى إلى تخصصك فى قضايا المواطنة، هل ترى أن المواطنة أصبحت مواتية الآن للتحقق بعد أن واجهت صعابا كثيرة فى فترة حكم الإخوان؟
- المواطنة فى رأيى عملية نضالية تُكتسب ولا تُمنح، وبالتالى مهما حصل من انحسار لها فعلى المواطنين أن يناضلوا من أجل أن تتحقق بشكلها الكامل، كما أن قضية المواطنة ترتبط بفكرة المدينة وأن المواطن على علاقة وثيقة ومتطورة مع فكرة المواطنة والمدينة معا بمعنى رصد تحولات المدينة وأنها ملك لكل المصريين دون أن يستأثر أحد بها، وهذا أيضا يدخل فى صميم عمل جهاز التنسيق الحضارى.
∎ أخيرا كيف ترى مصر ومستقبل الوطن فى الفترة القادمة بعين المثقف والسياسى؟
- أؤكد لك أن هناك تحولات كبيرة حدثت بعد 52 يناير، و03 يونيو، ففى الأول أسقطنا الاستبداد السياسى والفساد، وفى الثانية أسقطنا الاستبداد الدينى، وأرى أن بعد تحقيق تلك التحولات المهمة فى مسيرة الوطن علينا أن نبدأ بحل المشكلة الاجتماعية والاقتصادية من خلال العمل على إيجاد نموذج تنموى عادل، أو ما أسميه بالجمهورية العادلة وهى تتمثل فى رؤية متكاملة لمستقبل مصر تنطلق من هذا النموذج بعد أن شهدنا استحقاقات سياسية تنتهى بانتخابات البرلمان.∎