الخميس 27 نوفمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
السيسى يحقق حلم عبدالناصر

ماذا يعنى دخول مصر عصر النووى

السيسى يحقق حلم عبدالناصر

سنوات طويلة.. والنووى حلم وطنى. 



بدأه عبدالناصر.. واستمر الحلم يسرى حتى توالت عليه العهود والعقود، حتى ظن بعضهم أنه سيظل حلماً. 

توالت السنوات، وتداخلت الأحداث، وزادت العوائق والملمات واغتصبت الحوادث بعض بوادر الأحلام. 

فى فترات ما ظن البعض أن الحلم بعيد المنال، بعد أن أوقفته الظروف، وأجَّلته الملمات، وطغت عليه الأحداث. 

على مواقع التواصل، من فترة للثانية، كان بعضهم يتندر عند ذكر الضبعة، وبعضهم كان «يلوك» كلامًا فارغًا عن مشروع ظل مؤجلًا ومؤجلًا ومؤجلًا. 

كان النووى حلم دولة.. منذ أكثر من ستين سنة. 

وظل حلم دولة طوال تلك الفترة من السنوات حتى جاء الوقت، الذى تحقق فيه، لتدخل مصر عصرًا جديدًا على الأرض وفى الواقع، ليس فقط فى الأحلام، ولا على أوراق المهندسين الشفافة الرقيقة وحدها. 

جاء اليوم الذى حقق فيه عبدالفتاح السيسى حلم عبدالناصر. 

والأسبوع الماضى كانت الواقعة. 

وضع الأسبوع الماضى الخاتم النهائى على مفاعل الضبعة، وأنزله من السحاب، ليلامس الأرض. 

مشهد تركيب وعاء ضغط المفاعل ليس حدثًا سهلاً.. ولا هو حدث والسلام. 

هو أيضًا ليس حدثًا تكنولوجيًا، ولا هو فقط واقعة إجرائية.

إنما هو انطلاق حقيقى فعلى  لدخول مصر عصر تكنولوجيا من نوع خاص، تنقل البلد من حال لحال، ومن مكان لمكان. 

حدث طال انتظاره، وحدث ما كان كثيرون يتقولون عليه وعنه، وعن قدرة الدولة المصرية فى إتمام ما كان يجب أن يتم. 

-1- 

هل كان صخب السياسة فى الداخل أعلى؟

الحقيقة هو كذلك، ملاحظات رئيس الدولة على المرحلة الأولى من الانتخابات، وبيانه إلى الشارع والمؤسسات كانت سابقة أولى من نوعها. 

لأول مرة فى التاريخ المصرى يتدخل الرئيس برسائل للجميع، للناخبين، وللمرشحين.. ولمؤسسات الدولة ولكل الفاعلين فى الرقابة والمراقبة ومتابعة وإدارة العملية الانتخابية. 

حمل كلام الرئيس رسائل مختلفة. 

أوصى رئيس الدولة الناخب بأن يتخير تصويته، وأوصى لجان المراقبة والإدارة بضمان كل الإجراءات التى تصل بأصوات الناخبين الحقيقية. 

أوحى الرئيس إلى الجميع، بأن الانتخابات ليست مشروعًا وطنيًا فى حد ذاته؛ إنما وطنية استحقاقه تتأتى فى المقام الأول من هدفه. 

هدف الانتخابات الأول هو اعتماد تشكيل نيابى حقيقى، يعكس أصوات الشعب، ويدعم اختيارات المواطن، انطلاقًا من مبادئ ممارسة سياسية حقيقية. 

أوصى الرئيس الناخب صراحة بألا يقدم على مبادلة أصوات بما لا يرضى.. وألا يدفع بإرادته إلى دنيا التسليع أو التلاعب. 

لأول مرة يلوح رئيس الدولة المصرية بخيار إلغاء الانتخابات كلها.. إذا كان الغرض منها لم يتحقق، وإذا كان ما جرى على الأرض، خرج عن السياق وحاد عن الخطوط المفترضة. 

الأسبوع الماضى كان صخب السياسة  أعلى، لدى المواطن البسيط، بالتزامن مع تركيب وعاء ضغط المفاعل النووى، الحدث الاستراتيجى الأكبر فى التاريخ المصرى الحديث. 

لكن دلالة هذا، أن الدولة مستمرة فى العمل على مسارين. مسار الداخل ومسار الخارج. 

تعمل الدولة على مسار الاستراتيجيات ومسار التكتيك. 

تركيب وعاء مفاعل الضبعة خطوة كبيرة على مسار الاستراتيجيات. 

ماذا يعنى تركيب وعاء الضغط؟ 

يعنى بدء عد تنازلى للتشغيل على الأرض. 

يحوى وعاء الضغط قلب المفاعل النووى. 

وقلب المفاعل هو أساس العملية، حيث تجرى عملية الانشطار، وتتولد حرارة كبرى تتحول ضمن المعادلة إلى طاقة جبارة، تفوق أية طاقة معروفة للآن.

النووى طاقة أكبر، وتكنولوجيا أعلى، وبيئة أكثر نظافة، ثم هو فى النهاية أكثر أمانًا. 

 تركيب الوعاء يعنى انتهاء المرحلة الأكبر، ويعنى إعلانًا فعليًا لاكتمال الإنشاءات، إيذانًا بالتقدم نحو مراحل التشغيل.

-2- 

فى الثمانينيات، كان انفجار تشيرنوبل الروسى، واحدًا من حلقات الأثقال التى كانت سببًا فى مزيد من تأجيل الاستمرار فى الطريق لحلم الضبعة. 

النغمة السائرة وقتها كان حديثًا عما يمكن أن تلحقه المفاعلات النووية بالمدن المحيطة، وبما يمكن أن ينعكس فى حالات الكوارث على البيئة وعلى الحياة. 

للإنصاف ظلت فكرة ما قد تخلفه كوارث المفاعلات من آثار سارية محلقة، حتى أنه بقدوم أواخر الثمانينيات، كان الرأى الأكثر رواجًا فى الشارع المصرى مضادًا للضبعة كمشروع من أوله لآخره. 

الأمور تغيرت، والتكنولوجيا هى الأخرى تغيرت. 

والكلام عن الأمان النووى بإجراءاته هو الآخر تغير. 

وظهرت مفاعلات الجيل الثالث المطور. مفاعل الضبعة من ذلك الجيل، الذى يجمع ما بين القدرة العالية فى الأداء وبين مستويات الأمان الأكثر تقدمًا. 

يعتمد الجيل الثالث المطور على الماء المضغوط فى التشغيل، فى واحدة من أكثر الطرق أمانًا وانتشارًا فى ذلك المجال من التكنولوجيا. 

تعتمد فعالية الأمان فى مفاعل الضبعة على طبقات متعددة من الحماية تمنع أى احتمالات للتسرب النووى وتقاوم أكثر الافتراضات خطورة وقت التشغيل. 

مقاومة الجيل الثالث من تلك المفاعلات عالية للصدمات بآلاف الأطنان، وهو مهيأ لمقاومة الزلازل وموجات المد البحرى والأعاصير. 

فى النهاية، تصميم مفاعل الضبعة يجعله واحدًا من أكثر المفاعلات أمانًا، وهو بدخوله الخدمة، يرفع لافتة دخول مصر أحدث عصور التكنولوجيا النووية السلمية.

المكاسب كبرى.. والأثر بالغ. 

-3- 

إتمام مفاعل الضبعة يعنى إتمام واحد من أكبر المشاريع القومية فى البلاد. 

تحقق الضبعة لمصر أمنًا طاقيًا مستدامًا، وفرصًا اقتصادية ضخمة، إضافة إلى ريادة إقليمية فى مجال الطاقة السلمية النظيفة. 

ربما أول الفوائد إنتاج 4800 ميجاوات كهرباء من خلال أربع وحدات للمفاعل، وبالتالى تغطية أكثر من 10% من الاحتياجات، بالتوازى مع تقليل الاعتماد على الوقود التقليدى. 

سوق الوقود التقليدى هي الأكثر تقلبًا من حيث السعر والتوفير فى السنوات الخمسين الأخيرة. 

مهددات السوق  التقليدية،  مرادف لتهديد دائم لمصادر الطاقة المطلوبة، وفى الوقت نفسه هى واحدة من أبرز التحديات الاقتصادية التى تصاحب الجهود لتوفير الموارد تحقيقًا للوفرة. 

النووى غير أنه أكثر جودة فهو أكثر استدامة.. وهو فى الوقت نفسه أكثر استقرارا وأقل تكلفة. 

العوائد الاقتصادية المباشرة بعد تشغيل الضبعة، تشير إلى إمكانية توفير ما يزيد على 3 مليارات دولار سنويًا تنفق على استيراد الوقود التقليدى. 

مبالغ طائلة  فى الموازنة، تتيح للدولة فرصة توجيهها نحو مشروعات تنموية أخرى، بمزيد من الفرص الاستثمارية، وبمزيد من القدرة التنافسية للاقتصاد. 

ثم أن دخول مصر عصر النووى، يخلق مزيدًا من فرص العمل، ويفتح مزيدًا من أسواق عمل فى مجالات الهندسة النووية والتشغيل والصيانة، ضف إلى ذلك سوقًا رائجة لبرامج التدريب والتأهيل لكوادر شابة على أحدث تقنيات الطاقة النووية. 

يضع مفاعل الضبعة مصر فى موقع الريادة فى الشرق الأوسط وأفريقيا فى مجال ذلك النوع من الطاقة النظيفة، إضافة إلى تعزيز فتح أبواب التعاون وتبادل الخبرات مع دول أخرى. 

وبما أن سوق الطاقة النووية هى الأكثر استقرارًا مقارنة بباقى أسواق الطاقة، فالمعنى ضمان استمرار مستدام دون تقلبات تنعكس على باقى المسارات. 

الضبعة انتصار.. يضاف إلى انتصارات حققتها الدولة المصرية.. وانتصارات أخرى فى الطريق. 

تبقى الانتخابات.. التى دخلت مرحلتها الثانية وقت كتابة هذه السطور. 

بعد رسائل الرئيس فإن المرحلة الثانية، بالضرورة، سوف تكون أكثر اختلافًا.