الخميس 19 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
شخصيات بلا رتوش بقلم عقرب الصحافة!

حكايات صحفية

شخصيات بلا رتوش بقلم عقرب الصحافة!

ذات يوم فوجئ الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ «محمد التابعى» بواحد من تلاميذه وهو الصحفى الشاب وقتها «صلاح عبدالجيد» يطلب منه كتابة مقدمة لكتاب ينوى إصداره بعنوان «شخصيات بلا رتوش»!!



 

 

 

واستجاب الأستاذ التابعى بالفعل وكتب مقدمة بعنوان «هذا الكتاب وهذا المؤلف»، وشغلت ثلاث صفحات من الكتاب.

الكتاب باختصار هو كتابة مختصرة ومركزة ومدهشة عن نجوم السياسة والصحافة والأدب والفن فى فترة الأربعينيات وما قبلها من القرن الماضى، وكما عرفهم واقترب منهم الصحفى «صلاح عبدالجيد».

 

 

 

كل شخصية استغرقت صفحة واحدة من الكتاب يقابلها رسم كاريكاتيرى لها بريشة الرسام الفنان «فوزى»، كأن الكاتب من أنصار مدرسة «ما قل ودل» و«الإعجاز فى الإيجاز» فى الكتابة.

صدر الكتاب فى واحدة من أشهر وأجمل سلاسل الكتب الشهرية وهى سلسلة «كتب للجميع» وتصدر شهرية بسعر خمسة قروش للنسخة، وعن هذه السلسلة «أصدر إحسان عبدالقدوس» أول مجموعة قصصية له وهى «صانع الحب» سنة 1948 و«بائع الحب» عام1949 وصدر للأستاذ فكرى أباظة أهم كتبه وهو «الضاحك الباكى» وجنة الحيوان للدكتور «طه حسين» و«خبايا سياسية» وهو مذكرات د.محمود عزمى السياسية وهو أول رئيس تحرير لجريدة روزاليوسف عندما صدرت عام 1935.

وكان شعار هذه السلسلة «كتب قيمة بقروش زهيدة» وتصدر عن شركة التوزيع المصرية وكان الأستاذ «السيد أبوالنجا» هو عضو مجلس الإدارة المنتدب و«محمد فائق الجوهرى المحامى» رئيس التحرير المسئول و«أمين عدلى» مدير الإدارة.

لفت نظرى وأدهشنى بضعة سطور كتبتها الشركة تحت عنوان «كلمة لا بد منها» عن الكتاب ومؤلفه جاء فيها:

الأستاذ صلاح عبدالجيد كاتب ساخر، وهو يحب تحليل الشخصيات فى حرية تقربها من قلوب الملايين ولاتبقيها فى برجها العاجى طلاسم لا يفهمها الناس فيقدسونها أو يكفرون بها.

إنه نوع جديد من الأدب الجرىء على كل حال، لم تشأ شركة التوزيع المصرية أن تحجبه عن القراء، كما أنها لم تشأ أن تقيد من حرية الكاتب فى كتابته!

 

 

 

إن عظماء الأمة ملكها وليسوا ملك أنفسهم فعليهم بهذه «المثابة» أن يتحملوا رأى بعض الناس فيهم بالمديح أو المذمة، فهذا أيسر أعباء العظمة، ولا حاجة بالشركة حين تنشر هذا الكتاب إلى أن تذكر أنه يعبر عن رأى كاتبه وحده لا عن رأيها هى».

••

مقدمة الأستاذ «محمد التابعى» درس فى الكتابة والمهنية فيقول:

«طلب منى المؤلف- بحق ما له على من دالة أو دلال- أن أكتب كلمة أو مقدمة لهذا الكتاب أو هذه المجموعة من الصور. والذى أعرفه أن هناك صحفيين أمضوا فى مهنة الصحافة عشرين أو ثلاثين عامًا، ومع ذلك فإن أحدًا منهم لم يقدم على ما أقدم عليه الأستاذ «صلاح عبدالجيد» أى التبرع أو التطوع بالجلوس فى كرسى القضاء وإصدار الحكم على طائفة من الساسة والكُتاب والأدباء!

هو يسميها- فى مقدمة الكتاب- شجاعة، وآخرون سوف يجدون لفظًا آخر أو صفة أخرى.. أما أنا فأسميها ثقة أو اعتدادًا بالنفس!

والاعتداد بالنفس ليس دائما بالأمر المحمود العاقبة، وها هو الأستاذ المؤلف- ولما تمض عليه فى مهنة الصحافة سوى سنوات لا تزيد، وقد تقل عن عدد أصابع اليدين- ها هو يقدم على إصدار سلسلة من الأحكام التى يتهيب إصدارها شيوخ الصحافة الذين خبروا السياسة ورجال السياسة قبل أن يولد مؤلف الكتاب، ولكنه «صلاح عبدالجيد».

كنت فى أوروبا يوم كتب إليّ- وكان هذا منذ نحو ثلاثة أعوام- يقول إنه أصدر مجلة جديدة اسمها «كلمة ونص» ورددت عليه بخطاب هنأته فيه ودعوت له بالنجاح ثم حذرته من أمر واحد هو: نشاط الأعمى!!

ذلك لأن «صلاح عبدالجيد» دائب الحركة والنشاط ومن كان هذا أمره لا يمكن أن يأمن العثرة أو زلة القلم!

هو حركة دائمة لا يكل ولا يمل.. يجرى هنا ويجرى هناك.. والأفكار والخواطر تجرى فى رأسه وهو يريد دائمًا أن يجرى معها إلى نهاية الشوط.

ذكى مسرف فى ذكائه إن جاز التعبير ولذكائه هذا لمحات أو لمعات تبرق وتلمع فى صور هذا الكتاب، ولكن اعتداده بنفسه أوقعه فى أخطاء كثيرة، وكنت أنا من بين ضحاياه! ومع ذلك فإنه قد عمل معى سنوات فكيف إذن بالذين لم يعرفهم عن قرب كما عرفنى.. وبالذين أوقفهم أمامه وأصدر عليهم أحكامه وقد لا يكون قابل الواحد منهم أكثر من مرة واحدة أو مرتين.

أو الذين كل عملهم قد جاء عن طريق السماع.

يقول المؤلف فى مقدمة الكتاب ما معناه أنه سوف يرضى الحقيقة حتى ولو لم يدع له قول الحق صديقًا، وحسبه إنه كان شجاعًا لا يعنيه ما يقول الناس طالما كان مؤمنًا بما يقول!

ولكن إن هى إلا سطور قليلة حتى ناقض نفسه فى أكثر من معنى واحد إذ يقول: «وقد ذكرت الحسنات والعيوب دون أن أتصدى للحكم فما كان لبشر أن يتصدى لأمر هو من صميم أعمال التاريخ!

ويتساءل الأستاذ «التابعى» بعد ذلك فى المقدمة التى كتبها فيقول:

«أين هى الشجاعة إذن ما دام لم يقصد الحكم؟! أم تراه قد قنع بأن ينقل للناس ما يقوله الناس عن بعض الناس؟! وأسمى هذه شجاعة؟ إن كان هذا مراده فقد أفلح، وما كانت به حاجة إذن إلى هذه المقدمة التى يتحدث فيها عن الشجاعة وعن كيف أن قول الحق لم يدع له صديقا!

ولكنه ظلم نفسه فقد تصدى للحكم كما سيرى القراء، والواقع أن مجرد ذكر الحسنات والعيوب هو فى ذاته نوع من الحكم والقضاء، لأن وصف «خلة» أو «صفة» بأنها حسنة أو نقيصة أو عيب لا يتأتى إلا بعد التفكير والوزن والتقدير خصوصًا إذا تعلق الأمر بالشخصيات العامة.. ونحن قد نختلف تقديرًا وحكمًا على الصفتين المتناقضتين فى شخصين مختلفين وهل هى حسنة أو عيب؟!

مثلا.. صراحة «النحاس» أو «أحمد ماهر» أو «حسين سرى»- من أهم الشخصيات السياسية والحزبية- هل هى من الحسنات أو من العيوب؟

وتكتم أو قلة الكلام أو شدة حذر المرحوم «النقراشى» هل هى من الحسنات أو من العيوب؟

فإذا جاء كاتب وعد هذه الصراحة أو هذا الحذر وقلة الكلام فى باب الحسنات أو باب العيوب فإنما يفعل ذلك بعد تقدير وتفكير ومراعاة لظروف عديدة وملابسات مختلفة وتقديره فى آخر الأمر هو نوع من أنواع الحكم أو القضاء.

ويحكى التابعى هذه الواقعة الطريفة فيقول:

ذهب صلاح عبدالجيد ذات يوم لما كان سكرتيرًا لتحرير «آخر ساعة» يطلب حديثًا من الأستاذ «عباس العقاد» فاستقبله الأديب الكبير بهذه التحية:

- مرحبًا بعقرب آخر ساعة!!

هل رمى العقاد إلى عقرب الساعة الدائب الحركة والنشاط؟ أم تراه رمى العقرب التى تلدغ وتلسع؟ فى بعض صور الكتاب ما يحمل المعنيين!

وبعد، هل كلمتى هذه تصلح لأن تكون مقدمة لكتاب؟ لا أعرف ولكنها تصلح على كل حال لأن تكون صورة تكمل صور الكتاب لأن هناك صورًا ناقصة وهى صورة المؤلف أو عزيزنا صلاح..».

وللحكاية بقية