الثلاثاء 17 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
بيان الفرصة الأخيرة

بيان الفرصة الأخيرة

لا حل إلا فى بيان الفرصة الأخيرة. 



البيان الثلاثى هو بالفعل الفرصة الأخيرة، إما أن يغتنم الجميع تلك الفرصة.. وإما أن تدحرج كرة الثلج.. مزيدًا من الدحرجة، فتكبر بالزمن، وتتضخم بالضرورة.. وتنفجر فى وجوه الجميع.

هل تنفجر كرات الثلج ؟ 

نعم تنفجر.. وتخلف فى الأجواء مزيدًا من الكوارث على أوضاع بات من الصعب احتمالها أو استمرارها على أى وجه من الوجوه. 

سبق وحذرت مصر، وقالت ما لديها. 

سبق أن أكدت القاهرة أن الأوضاع لا يمكن أن تستقيم على هذا المنوال، وأن كل لحظة من اللحظات بمزيد من الشد والجذب من كل الأطراف، سوف تؤدى إلى وضع يصبح فيه الإقليم كله فى مزيد من الخطر، وتزحزح المنطقة كلها من على الحافة.. إلى الهاوية. 

يعود العالم مرة أخرى إلى ما قالته القاهرة.. ونادت به وعملت عليه فى بيان ثلاثى يعمل على حلول حقيقية.. لأنه لا وقت ولا فرصة للتخاذل.

(1) 

حظى البيان الثلاثى بدعم إقليمى ودولى كبيرين.. أعلنت دول أخرى انضمامها إلى البيان.. والبقية فى الطريق. 

المهم الآن إرادة إسرائيل.. المهم العمل، لا الكلام المزوق، ولا الجمل التى تدغدغ المشاعر، ثم تعود يد الهدم والضرب والقنابل لتدخل من الشباك، وتحكم إغلاق الباب من الداخل.. منعًا لأى خريطة وصول.. أو أى طريقة للحلول. 

فرص النجاح فى مفاوضات الفرصة الأخيرة متاحة، لكن كل نجاح معتمد على شروط. 

الشروط لإنجاح مفاوضات الفرصة الأخيرة تتوقف على ما لدى مجلس الحرب فى إسرائيل من إرادة.

مجلس الحرب مشتت، وكما قالت بعض الصحافة الإسرائيلية فإن حكومة الحرب تتداعى.

للآن لا يدرك أعضاء مجلس الحرب ما الذى يمكن أن يجرى فى اليوم التالى لوقف الحرب. لا خطط لدى نتنياهو، ولا خطط لدى الآخرين. 

كل ما هنالك، أنه وبالفعل، لم يستطع هؤلاء للآن المرور أو اجتياز أجواء 7 أكتوبر، ولا دلالاتها ولا ما يمكن أن تسفر عنه تلك الدلالات بانعكاساتها على الشارع الإسرائيلى. 

على كل، ومهما كان، فإن البيان الثلاثى آخر ما يتبقى لدى كل الأطراف، لإيجاد وقفة لحرب تتسرسب فى الإقليم، وتشعل الأجواء على الخرائط وفى الممرات الهوائية وصولًا إلى الرئة. 

الإرادة الحقيقية لدى نتنياهو، تعنى تفويضًا كاملًا بصلاحيات لوفد التفاوض بالاتفاق على وقف فورى لإطلاق النار، ثم مراحل متدرجة وفق الرؤية المصرية. 

إسرائيل تغلى من الداخل.. وعزلتها تزيد فى الخارج.

لا انتصارات مدوية كما تعهد قادتها على حماس.. ما زالت الشوارع فى تل أبيب تكتظ بالتظاهرات يومًا بعد يوم من أجل الأسرى لدى حماس، وما زال رئيس الوزراء يواجه بالغاضبين والغاضبات يرمون التراب على وجهه عند جراج سيارات منزله. 

بغض النظر عن موقف الولايات المتحدة، فعزلة إسرائيل الدولية تتزايد. لأول مرة يتباحثون فى أمر إسرائيلى فى المحاكم الدولية.. وللمرة الأولى يهرب الوزراء وأعضاء مجلس الحرب من أهالى الأسرى كلما حدث ورتبت الصدف لمواجهة فى الشارع بين هؤلاء وهؤلاء.

(2) 

آخر استطلاعات رأى أجريت فى إسرائيل أكدت التالى:

أولًا: عدم ثقة تامة فى الحكومة الإسرائيلية. 

ثانيًا: ضبابية شديدة فى بيان الموقف من الحرب الجارية فى غزة، وانعكاساتها على حياة المحتجزين لدى حماس. 

وثالثًا: أقر أكثر من 58 % من عينة الاستطلاع عدم قدرتهم على التنبؤ بمزيد من ردود الأفعال الدولية على العلاقات مع إسرائيل وسط انقلاب تام فى المواقف، من دعمها الأيام الأولى من بعد يوم 7 أكتوبر مقارنة بالنظرة إلى تل أبيب الآن.

لا جدال أن إسرائيل فى مأزق. ولا شك أن حكومة الحرب تترنح. لا حلول حتى الآن للخروج من المأزق بعد الدخول فى صراعات وحروب عدة.. وفتح أكثر من جبهة فى وقت واحد. 

الشارع الإسرائيلى يرى أن نتنياهو انتهى.. لكن نتنياهو يرى أن الشارع لا يعرف ولا يفطن، أو هو يرى أن الشارع سوف يعود ويرتد عليه، وعلى الجيش الإسرائيلى، وعلى حكومة الحرب، بعد أن يفوت الوقت، وتضيع الفرص، ويبقى رئيس الوزراء، وبعض الوزراء فى مواجهة لا فرار منها مع الشارع. 

يقول استطلاع الرأى الذى نشرته معاريف، أن بينما يستمر نتنياهو فى التصعيد العسكرى فى غزة، وخارجها فى لبنان، وبالتالى انعكاسات ذلك على اليمن وسوريا وإيران، فإن شعبيته تواجه انخفاضًا شديدًا. 

حسب معاريف، فقد نتنياهو مركزه فى قائمة الشخصيات الأكثر ملاءمة لتشكيل الحكومة. أو قل هو فقد مكانه فى أن يصبح اسمًا من الأسماء التى يمكن أن تطرح لحكومة قادمة. 

القادم قادم، لن يستطيع أن يوقفه أحد. والشخصية التى قد تكون من الملائم لها تشكيل حكومة جديدة فى إسرائيل هى بينى جانتس، غريم نتنياهو وأحد أكبر زعماء المعارضة. 

فى جيروزاليم بوست، كتبوا الكثير أيضًا.. وأكد كثيرون أن البيان الثلاثى الصادر مؤخرًا عن الولايات المتحدة ومصر وقطر هو الفرصة الأخيرة. 

استعادت الصحافة الإسرائيلية منظر نتنياهو يخاطب الكونجرس الأمريكى قبل ثلاثة أسابيع، وعادوا ووصفوا الموقف بأنه «لقاء بانورامى» ألقى فيه نتنياهو الألعاب النارية، لكن سرعان ما انطفأت تلك الألعاب.. وبات رئيس الوزراء يواجه ما يسميه المجتمع الإسرائيلى «تفكك النسيج الاجتماعى للمجتمع» بين عدة كتل، يقف مجلس الحرب على باب أقلها تأثيرًا.. وأقلها قدرة على إيجاد الحلول للمواقف المتأزمة.

(3) 

دخلت الحرب والمنطقة والإقليم مرحلة شديدة الأهمية من مراحل حرب امتدت فأكلت الأخضر واليابس.

على هذا الجانب، هناك من ظن أنها يمكن أن تكون نزهة.. تذهب الجيوش وتجىء بالنصر.. لكن هذا لم يحدث. 

على الجانب الآخر، كان هناك من ظن أن الأمر لن يعدوا أيامًا تتراجع فيها الجيوش، وتعود الأحوال على الأرض كما كانت.. لكن هذا أيضًا لم يحدث.

سقط الآلاف المؤلفة من الشهداء، صحيح دخلت الجيوش، ولم تستطع أن تجد طريقة كى تخرج، لكن سواء بالنسبة لهذا أو ذاك، فالكلفة كانت عالية، والنتائج لم تعد فى صالح الجميع.

البيان الثلاثى شديد الأهمية. هو يضع الجميع أمام مسئولياتهم، فى مرحلة من أعقد مراحل الحرب فى غزة. 

والباب مفتوح الآن.. فإما أن تنجح المفاوضات المنتظرة وصولًا إلى البر، وإما أن تذهب الأزمة إلى مزيدٍ من التعقيدات، مع استمرار العمليات العسكرية فى غزة، ومن غزة كما هو حاصل إلى الأجواء المحيطة، فى منطقة أصبحت مهيأة تدريجيًا إلى اتساع دوائر الصراع.. بكل ما للصراع من تداعيات شديدة السلبية على الجميع.. وعلى إسرائيل.. وعلى حماس.. وعلى دول المنطقة.. وعلى دول العالم كله.

تظل الولايات المتحدة مطالبة، والآن أكثر من أى وقت مضى، بأن تكون لها صياغاتها المؤثرة، وإرادتها النافذة، ولو لمرة واحدة وحيدة، ضغطًا على إسرائيل لقبول هدنة.

فى الواقع، وحسب الشواهد لدى أصحاب الذوق السليم، لم يعد أمام إسرائيل فرصة للمراوغة، ولا فرصة لإرسال الوفود ببزات ذات كرافتات أنيقة للتفاوض، ثم تعمل تل أبيب على إلقاء قنابل الدخان والنيران من خلف الشبابيك.. ومن وراء الأبواب. 

مرة أخرى، حذرت القاهرة أكثر من مرة. حذر عبدالفتاح السيسى من انجرار المنطقة لحرب شاملة لن يقوى على أن يتحمل نتيجتها أحد. 

البيان الثلاثى محطة أخيرة.. لفرصة أخيرة.. قبل أن تزيد كرة الثلج ضخامة.. وقبل أن تصل كرة الثلج إلى حيث تتجمد كل الأوضاع.. قبل اشتعال.. لا يمكن لأحد أن يدرك أبعاده.. ولا تداعياته.. ولا آثاره فيما بعد.