الإثنين 21 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
ملحمة العبور الثانى

ملحمة العبور الثانى

فى الاحتفالات بذكرى نصر العاشر من رمضان زار الرئيس عبدالفتاح السيسى شرق القناة. الزيارة ذات دلالة.. والمعنى فيه أكثر من رسالة. عادت الدولة إلى سيناء. أو قل إن الدولة استعادت سيناء.



هذا هو العبور الثانى.. فى ملحمة القضاء على الإرهاب.. أو هو العبور الثانى بعد ملحمة القضاء على الإرهاب. 

موعودة سيناء بالمعارك الكبرى. وموعودة تلك الأرض بالانتصارات أيضا. عادة ما تكون الانتصارات الكبرى مخضبة بالدماء. كتبت دماء شهدائنا على مر التاريخ ملاحم الفداء والبطولة على النواصى وعلى رؤوس الشوارع فى أرض الفيروز. 

 

قضاء الدولة على الإرهاب أكبر من نصر.. وأكثر من ملحمة. ومع ملاحم التضحية، سطرت الدولة المصرية ملاحم البناء والتنمية. 

التنمية معركة أكبر.. وأشمل. التنمية حياة ضخت فى شرايين تلك البقعة من الأرض المصرية التى تعرضت لمحاولات الاختطاف. بذلت الدولة جهودًا ضخمة كى نصل بالماضى إلى الآن. 

أنفقت الدولة الدماء قبل العرق، وبعد الدماء دخلت معاول البناء تفسح الطرق، وتقيم المدن، وتؤرخ لمرحلة جديدة من العمران. لولا الدماء ما كان البناء. ولولا رجال صدقوا الله ما عاهدوا.. لا كانت التنمية.. ولا كانت سيناء، كما هى الآن سيناء. 

عملت الدولة كثيرًا.. ومستمرة فى العمل. التحركات فى سيناء على قدم وساق. هذه الحقبة الأولى من تاريخ مصر التى تبدأ فيها تنمية حقيقية على البوابة الشرقية للبلاد. 

لن ننسى فى تلك اللحظات ما قدمه خيرة رجالنا من بطولات. لن ننسى ما بذله شبابنا من الأرواح على أرض سيناء. 

 

الرئيس فى شرق القناة
الرئيس فى شرق القناة

 

 

(1)

على مر عقود تراكمت مساعى تخريب تواجد الدولة المصرية فى سيناء. كانت المحاولات جادة، والميزانيات عالية.. والتكتيكات والمقاتلون الأجانب على الأرض.

لم تكن المعركة سهلة.. بالعكس.. عادة ما تكون تلك المعارك من ذلك النوع أكثر صعوبة، وأكثر ضراوة وأشد باسًا.

يتوغل الإرهاب فى غياب الوعى.. إن غاب الوعى.. يلعب الإرهاب. 

لعب الإرهاب على أرض سيناء ألعابه الأولى فى الفترة ما بين 2000 و2011. بعد 2011 خرج المارد من القمقم. 

بعد 2011 بدأ الإرهاب يسحب من بنية أساسية ضخمة فى شمال سيناء.. بدأ يسحب من مخازن الأسلحة ومكامن الذخيرة. بدأ يتحرك الإرهاب على الأرض ببنية بشرية كبيرة للسيطرة على شبه الجزيرة. 

سمع المصريون للمرة الأولى عما يسمى «ولاية سيناء»، فيما كان الوضع شديد السيولة فى الوادى. 

مليار جنيه فى الشهر كان حجم إنفاق الدولة لمدة زادت على الـ 90 شهرا. وفيما كانت حالة من أشد حالات السيولة خطورة تضرب الوادى والقاهرة.. والمدن الكبرى بالمحافظات، كان بعبع الإرهاب يعلو كأعمدة الدخان فى شمال سيناء.

أسهل الخيارات كان صعبًا. وكان أمام عبدالفتاح السيسى عدة خيارات.. اختار أصعبها. 

التنمية إلى جانب الحرب كان الخيار الصعب. الحرب مع البناء. أو البناء بالتزامن مع معركة ضخمة فى مواجهة غول الإرهاب الأسود الذى استفحل وتضخم وتنامى.. وكان ما كان. 

كان يقين عبدالفتاح السيسى كبيرًا فى النصر وفى قدرة الدولة.. وفى قدرة أبناء الدولة. صحيح.. لا يهزم الإرهاب بلدًا على قلب رجل واحد. 

لكن معركة الإرهاب مرة أخرى لم تكن سهلة. ظهرت فيها القوات المسلحة تكتيكات غير تقليدية لمواجهة تنظيمات إرهابية غير تقليدية أيضًا.

اعتمد الإرهاب فى سيناء على حروب العصابات.. بفكر قتالى تكلف الملايين من حيث الإدارة والتدريب والتصدير إلى سيناء.

امتلكت التنظيمات الإرهابية فى سيناء وسائل تقنية على أعلى المستويات.. تلقت تلك التنظيمات التدريبات.. وتدربت على وسائل الاتصال الحديثة.. ووسائل اتصالات إقليمية مع حيازة أسلحة حديثة.. ودعم آنى من دول إقليمية. 

حققت مصر النصر رغم كل هذا. وسطر أبناؤها البطولة على الأرض بالرغم من كل ذلك.

عملت مصر الدولة على القضاء على الإرهاب على أكثر من محور. عملت الدولة على مكافحة الإرهاب وفق استراتيجية مواجهة شاملة، فى إطار حزمة من العناصر والمرتكزات، إضافة إلى محور المواجهة بقوة غاشمة مبررة.. ومنطقية.. ومطلوبة.. ومشروعة.. وصلت بسيناء إلى بر الأمان.

(2)

جلب ما يسمى بالربيع العربى العديد من التحديات على مستويات الأمن القومى لدول المنطقة. لم ينجُ من دول المنطقة إلا مصر. 

أكبر ما جلبته موجة الربيع العربى كان انتشار الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة على بقاع مختلفة على خريطة المنطقة. 

فى مصر ومنذ 2011 كانت أرصدة الإرهاب تتعالى فى سيناء. بعد سقوط الإخوان بإرادة مصرية فى 30 يونيو 2013 كانت مرحلة جديدة من العواصف. 

تنامى غول الإرهاب فى عمليات أخذت مسارات وأشكال مختلفة عما كانت عليه قبل 25 يناير 2011. 

كانت المسارات أخطر.. والخسائر أكبر. 

وصلت الأمور فى سيناء حتى منتصف 2012 إلى حالة ضاغطة تزامنت مع حالة عدم الاستقرار السياسى والأمنى فى أغلب دول المنطقة.. والدول المحيطة بمصر. الحدود الاستراتيجية وأبعاد الأمن القومى المصرى غطته التهديدات.. ووصلت التفاصيل إلى ذروتها بانهيار كامل للدولة الليبية على الحدود الغربية. 

فى سوريا كانت حالة الغليان فى الشارع وصلت إلى مرحلة الاقتتال المسلح، فيما كانت الجماعات المسلحة والميليشيات فى العراق تعيد رسم الخرائط، وتعيد تقسم المناطق.. وتستعد إما لتشكيل الحكومات، أو إجهاض تشكيل الحكومات.

ساعد هذا الوضع وأسباب أخرى فى 2012 على إحياء الإرهاب فى مصر.. خصوصًا فى سيناء. لم يكن المستوى معهودًا فى العدد.. ولا فى التخطيط.. ولا فى العتاد. 

بدأ الإرهاب فى تنفيذ عملياته على مستويين: الأول عمليات منفردة، والثانى محاولة للم شمل عناصر متفرقة تابعة لتنظيمات مختلفة تحت مسمى واحد. ظهر وقتها ما سمى بتنظيم «التوحيد والجهاد»، الذى تغير وتطور إلى اللبنة الأولى لما يسمى بتنظيم «أنصار بيت المقدس» فى سيناء.

بعد 30 يونيو 2013 تنامت معدلات العمليات الإرهابية، واتخذت أشكالاً وأنماطًا أخرى، جانب اتساع رقعتها لتخرج من حيز سيناء انتقالاً للعمق المصرى فى الوادى والدلتا.

كانت سيناء بؤرة الإرهاب ومرجعية العناصر فى توسيع عملياتهم ومدها للوادى. وصل الرقم إلى 1003 عمليات إرهابية فى الفترة ما بين يوليو 2014 وحتى يناير 2017. 

اتسمت تلك الفترة بخصائص وأشكال مختلفة من العمليات الإرهابية.. صحيح استمرت محافظة شمال سيناء أعلى محافظات الجمهورية تعرضًا للعمليات الإرهابية، إلا أن هذا لا ينفى أن سيناء كانت أيضًا بؤرة الإعداد والتجهيز للمستهدفات فى عمق الوادى. 

أخذ الاستهداف وقتها يشمل شبكات الكهرباء والبنية التحتية ووسائل النقل والمؤسسات الاقتصادية ورجال القضاء. 

كان الوضع على درجة عالية من التعقيد، ما استوجب قرار العملية الشاملة لتطهير شبه جزيرة سيناء.

 

الدولة أستعادت أرض الفيروز
الدولة أستعادت أرض الفيروز

 

(3)

التاريخ عِبر ودروس.. والدروس مما مر بمصر بعد 2011 كثيرة والعبر أكثر. أيقنت الدولة المصرية ضرورة العمل على مواجهة كاملة للإرهاب فى سيناء. المواجهة الكاملة الشاملة، تعمل على إصلاح ما أفسده الزمن من عوامل أدت إلى إرهاب الفكر، والتعرض للدولة بالسلاح. 

تبلورت رؤية جديدة لمعركة التنمية فى سيناء. كانت الرؤية أكثر عمقًا لاستعادة الأوضاع إلى ما يجب أن تكون عليه فى سيناء، بما تمثله تلك المنطقة من أهمية استراتيجية ومحورية للأمن القومى. 

إضافة إلى تحديات أخرى.. كانت هناك المشكلة الكبرى التى مثلها الفراغ الديموجرافى فى تلك المساحة الشاسعة من الأرض. 

تلك المساحة الشاسعة شبه الخالية من أى مسار من مسارات التنمية، جعلها مطمعاً طوال الوقت لحلول إقليمية متوهمة على حساب الأراضى المصرية.

القضاء على الإرهاب فى سيناء كان قطعًا سريعًا لكل أوهام البعض فى الإقليم. بالتزامن مع حرب الإرهاب، كانت تدور عجلة التنمية.

كثفت الدولة الموارد لتعمير نقاط مركزية على خريطة سيناء ضمن استراتيجية تنمية بلغ إجماليها 3 مليارات دولار. شملت الخطة مدنًا جديدة وتجمعات سكانية بدوية.. بالتوازى مع تطوير كامل للبنية التحتية والمستشفيات والمعاهد والمدارس والجامعات.

واستهدفت استراتيجية تنمية سيناء توفير أكثر من 2 مليون فرصة عمل.. مع رفع نصيب شبة الجزيرة إلى 4.5 % من الدخل القومى.

حفرت الدولة الأنفاق أسفل قناة السويس. كان العنصر الأهم لربط سيناء بالوادى بانعكاسات شديدة الإيجابية على الاقتصاد وعلى الاجتماع. 

ظهرت لأول مرة مدن مليونية جديدة شرق القناة، من بورسعيد الجديدة مرورًا بالسويس الجديدة انتهاء بالإسماعيلية الجديدة. 

هذا فضلاً عن رفح الجديدة، مع استمرار أعمال تحسين الحياة الزراعية فى شبه الجزيرة وفق خطة النصف مليون فدان. 

جهود الدولة لتنمية سيناء كان عبورًا جديدًا. تنمية حقيقية كانت مفتقدة على مر مراحل تاريخية واسعة. 

أكثر من 700 مليار جنيه حجم الاستثمارات فى مشروعات سيناء. شبكة طرق هائلة تم تنميتها تتجاوز 3 آلاف كم. مشروعات استزراع سمكى كبرى على آلاف الأفدنة، وتطهير البحيرات بكراكات عملاقة، إضافة إلى عدد من الموانئ.. والمطارات.

حرب التنمية مستمرة.. بعدما انتصرت الدولة فى حروب الإرهاب.