الأحد 30 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
القاهرة.. الرياض.. بكين

القاهرة.. الرياض.. بكين

لا يصح أن يكون السؤال: ماذا يريد الصينيون من العرب؟ ولا: ما الذي يريده العرب من الصين؟ 



السؤال ينبغى أن يكون: ما الذي يمكن أن يتعاون فيه الصينيون والعرب وسط أحداث سياسية شديدة الخصوصية وشديدة التقلبات فى كوكب بدأ يغلى بالنزاعات الجيوسياسية تحكمها المصلحة وتسيطر عليها – أحيانًا – ضمائر ميتة. 

الصينيون حريصون على توضيح الدور الذي يريدون لعبه فى الشرق الأوسط..قبل زيارة الرئيس الصينى «شى جين بينج» للسعودية أصدرت بكين تقريرًا من 19 ألف كلمة عنوانه «التعاون الصينى العربى فى عصر جديد».   

 

(1)

ماذا قالت الصين فى التقرير؟

قالت إنها تقدم نفسها «شريك استراتيجى مخلص للعرب.. لم يسع يومًا إلا إلى التعاون والمصالح المتبادلة، ولم يجر يومًا وراء أى مصلحة جيوسياسية». 

المعنى أن الصين ليست كما الولايات المتحدة، وأن الصين يمكن أن تكون شريكًا حقيقيًا مخالفًا فى السلوك والأولويات.. والمفاهيم عن الولايات المتحدة.

لن تحول مجريات القمة العربية الصينية طريق العرب بعيدًا عن الولايات المتحدة كما قال بيان القمة الختامى.. لكن ليس هناك ما يمنع من التعاون المتوازن بين العرب والصين كما بين الولايات المتحدة والعرب. 

حظيت القمة الصينية العربية بمتابعة دولية وترقب. حضر رئيس مصر بعدة رسائل تحمل هموم العالم العربى والدول الناهضة. جدد الرئيس المصري شواغل الدولة فى الفترة المقبلة وسط التقلبات الدولية وتغيراتها السريعة والخطيرة. 

وضع رئيس الدولة أزمتى الغذاء والطاقة على رأس الشواغل التي لابد أن يعمل العالم عليها وفق أسس ناجعة، ولفت الرئيس السيسي إلى مسألة الديون مطالبًا المجتمع الدولى بتخفيف عبئها على الدول النامية. 

تسعى مصر طوال الوقت لنظام عالمى أكثر عدالة، يضع نصب عينه الإنصاف، وحلولًا للقضايا وفق ثوابت عدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول. تصر مصر على أن القضية الفلسطينية هى أساس الصراع فى الشرق الأوسط ولابد لها من حلول عادلة وفق الشرعية الدولية والمرجعيات القانونية الدولية.

لفت رئيس الدولة المصرية إلى ضرورة أن يضطلع المجتمع الدولى بتعهداته، فيما يتعلق بقضية المناخ. 

تنطلق مصر فى سياساتها الإقليمية والدولية من مصالحها، لم تعد السياسة ترسم فى الشرق الأوسط على نهج التبعية والإملاءات، لذلك أكد رئيس الدولة المصرية على أن مصر تبحث عن مزيد من سبل التعاون مع الصين، مجددًا التأكيد على قضية الأمن المائى العربى، وإصرار مصر على التفاوض لاتفاق ملزم فيما يتعلق بمسألة سد النهضة الإثيوبى. 

 

لقاء الرئيس السيسي مع الرئيس شي جين بينج رئيس جمهورية الصين الشعبية
لقاء الرئيس السيسي مع الرئيس شي جين بينج رئيس جمهورية الصين الشعبية

 

(2)

الثقة بين الجانبين الصينى والعربى وفى القلب منه مصر قوية. الفرص مواتية وهناك قواعد تاريخية وسياسية راسخة يمكن البناء عليها. تطوير العلاقات بين مصر والصين يلوح فى الأفق، وفق مصالح الدولتين، ووفق رؤى الدولتين ووفق ثوابت الدولتين. 

ومن مصر للعرب، فإنه ليس هناك ما يمنع من أن تصبح العلاقات العربية الصينية نموذجًا للعلاقات الدولية والنظام العالمى الجديد، بمواصفات فريدة قائمة على الشراكة فى المصالح والشراكة فى الثوابت تجاه القضايا المحيطة فى المنطقة والإقليم.

حققت الصين ما ينظر إليه بأنه نموذج فى التنمية. مصر حققت أيضًا تجارب تحتذى فى مجال التنمية وحقوق المواطن واستعادة البنية التحتية وتأهيل المناخ للإنتاج والاستثمار. 

جهود مصر مستمرة، تسابق الزمن نحو الانفتاح والإصلاح، وتمهيد الطريق نحو مزيد من الإنتاج فى الطريق للمستقبل. 

تتوافق الرؤى المصرية الصينية فيما يتعلق بمجالات التنمية المستدامة وحلولها والسعى نحو مزيد من الإنتاج فيها باعتبارها خيارًا للمستقبل. 

سياسيًا، تتوافق الرؤى المصرية الصينية فيما يتعلق باستمرار جهود انتشال بعض الدول العربية التي واجهت صراعات داخلية للعودة لطريق الإصلاح والتنمية، وحل القضية الفلسطينية، والقضاء على الإرهاب والتطرف، والحفاظ على الاستقرار الإقليمى والسلام.

لذلك شهدت العلاقات المصرية الصينية نقلات نوعية، ووصل رقم الميزان التجاري بين البلدين لـ 12 مليار دولار سنويًا.. والمزيد فى الطريق. 

 

 

 

 

(3)

بالورقة والقلم.. وحسب معادلات السياسة، فإن خطوات الصين نحو العرب أسرع. ونحو مصر أكثر سرعة.

منذ سنوات، أدركت بكين أنه لابد لها من أن تضع خطوطًا عريضة لإعادة صياغة تواجدها فى المنطقة العربية.

ليست المسألة ملء فراغ تركته واشنطن، فالمنطقة ليست منطقة فراغات، ولا العرب محل تجاذبات. 

المصالح غالبة، ولدى العرب، ولدى مصر بالذات مزيد من الفرص الواعدة فى مجالات الاستثمار، كما أن القاهرة رقمٌ مهمٌ على مقياس السياسة فى المنطقة والإقليم. 

لذلك فإن علاقات الشراكة الاستراتيجية مع الصين تحقق تقدمًا مستمرًا. ومن القاهرة للعلاقات مع باقى الدول العربية التقدم مستمر. سقف التعاون على مستوى مبادرة الحزام والطريق متصاعد، للآن هناك أكثر من 12 شراكة ذات طابع استراتيجى، ووقعت الصين مع 20 دولة عربية أكثر من 200 مشروع للتعاون فى مجالات كثيرة مثل الطاقة والبنية التحتية.

مصر على قائمة أولويات التعاون الصينى فى عدة مجالات أهمها الطاقة المتجددة.. ومشروعات الذكاء الاصطناعى، أضف إليها مجالات البنية التحتية وتسهيل التجارة والاستثمار كجناحين.. إضافة إلى ما يتعلق بالفضاء والأقمار الصناعية. 

أصدرت الصين قبل أكثر من عام وثيقة لخصت فيها شواغلها فى المنطقة العربية وعكست فى تلك الوثيقة حرص بكين على رسم خطوط للتعاون العربى. 

الأساس فى تلك الوثيقة مبادئ تتناغم تمامًا مع ثوابت مصر فيما يتعلق بالسياسة فى الإقليم وإدارة المعادلات والعلاقات الدولية. 

أسست الصين وثيقتها على التعاون على أساس المنفعة المتبادلة بعيدًا عن أى تدخلات فى الشؤون الداخلية أو السياسية، وتضمنت أسسًا جديدة للتعاون فى مجالات السياسة والاقتصاد والأمن والتجارة. 

تتجه الصين نحو الشرق بقوة. وفى الشرق، بدأت بافتتاح أول قاعدة عسكرية خارج حدودها فى جيبوتى. مكان القاعدة فى جيبوتى له دلالاته، فالموقع استراتيجى، يشرف على المدخل الجنوبى للبحر الأحمر المؤدى إلى قناة السويس.

نمت تجارة الصين مع الدول العربية لنحو 330 مليار دولار حسب «جلوبال تايمز» الصينية. 

المفاجأة هنا.. أن هذا الرقم كان أقل من ربع حجم تجارة الصين مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبى!

وصل حجم تجارة بكين مع أوروبا 709 مليارات دولار العام الماضى. و615 مليار دولار مع الولايات المتحدة ! 

 ومع ذلك يترقب الغرب بقدر من الريبة تطور العلاقات الصينية - العربية، وخلال الفترة المقبلة، سوف تزيد النظرة الغربية ريبة قد تتحول إلى ما يشبه الحنق من التقارب العربى الصينى. 

تعمل الصين على إنجاح مبادرتها الحزام والطريق (تتوافق مع رؤية مصر 2030 تمامًا) بما يعود بالنفع على بكين وعلى الدول المشاركة، لكن الولايات المتحدة فى المقابل تسعى بكل الطرق لعرقلة المشروع الصينى. 

ترى واشنطن أن المبادرة الصينية فيها من عوامل التصاعد لنفوذ الصين فى العالم العربى الكثير. 

ربما لذلك، أطلقت مجموعة الدول الصناعية خطة بـ 600 مليار دولار أمريكى لمنافسة بكين فى «الحزام والطريق».

حملت الصحافة الأمريكية إدارة بايدن ما أسمته «الفتور» الذي اعترى العلاقات الأمريكية بالمنطقة ودولها. 

لكن..  من الذي قال إن التقارب العربى الصينى  موجه إلى الولايات المتحدة أو ضدها؟