الأربعاء 26 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

هوبا

ـ هل وصل يا هوبا؟



ـ لا يا أمى!!

كانت هوبا تطل من شرفتها،  عندما مـر ثلاثـة من الفتيان من تحتها فسمعوها تنادى…

ـ ياعمرو؟

كانـوا جميعهم يحملـون اسم عمـرو،  عندمـا نظـروا إلى صاحبة الصوت أبهرهم حُسنها وجمالهـا ورقـة صوتها،  فسقطـوا تحت شرفتهـا مغشيًـــا عليهم!

عندمـا أفاق أحدهـم حمـل رفاقـه على كتفيـه، وذهب بهـم بعيـدًا، ثم عاد بمفرده ووقف تحت شرفة هوبا، وقفـة المنتصـر!!

ابتسم لها... وأخـذ يلوّح لهــا بيـده،  لم تعـره اهتمامًـا، كانت تحـدق فى المدى بعينين ثابتتين، وتنظر إلى لا شىء!

عندمـا ظهـرت أمهـا ووقفت بجوارهــا فى الشرفـة،  وأخذت تمسـح على شعرها المتهدل على كتفيها،  قالت هوبا…

ـ تأخر عمرو ياأمى؟

فهتف الفتى الواقف تحت الشرفة... 

ـ أنا هنا... أنا عمرو!

فضحكت الأم وقالت للفتى…

ـ لست أنت المعنى!

فسأل الفتى بأسى…

ـ هل هناك عمرو غيرى؟

فقالت الأم…

ـ عمرو ابنى البكرى، وهبة الله هى الابنة الصغرى، ننتظر مجيئه بالنور!

تنفس عمرو الصعداء وانشرح صـدره،  عندما اطمأن بأنه ليس هناك من ينافسه.

ذهب عمـرو محمـلاً بأحلام وآمال رسمها على جـدار قلبـه،  وفى اليـوم التالى أحضر شجـرة ورد، وغرسهـا تحت شرفــة هوبا،  وكان كل يـــوم يرويها، حتى كبرت وأزهرت،  وعندما مر ذات يوم ووجد تحتها مخلفات ملقاة من شرفة هوبا،  أصابه الحزن،  وخشى أن تكــون هذه رسالـة من هوبا، تطالبه فيها بأن يأخذ شجرته من تحت شرفتها، وأن يرحــل بهــا بعيدًا، وينزاح من طريقها كما أزاح رفاقه.

كانت هوبــا تطل هى وأمهــا من الشرفة،  فطلب عمرو من الأم أن تروى عطشه وتبل ريقه... نزلت الأم تتوكأ على عصاها، وفى يدها كوب الماء فسأل عمرو الأم…

ـ لمـاذا أتعبتِ نفسك... كان يجب أن تنـزل الشابـة هوبـا،  وترتاحين أنت من عناء نزول السلالم؟

فقالت الأم…

ـ هوبا لا تغادر غرفتها.

فقال... 

ـ هكذا الجواهر،  بقاؤها فى الخزانة أأمن وأضمن.

فقالت الأم…

ـ جوهرتى تحتاج إلى جواهرجى يحافظ عليها.

فهتف عمرو بعد أن شرب شربـة مـاء روت ظمـأه بقلب يملأه الشوق... 

ـ أنا الجواهرجى الذى يقدّر جوهرتك.

جاء صوت هوبــا من أعلى،  وهى تنادى على أمها…

ـ لماذا تأخـرتِ علىّ يا أمى، ألا يكفى تأخيـر عمـرو، أين مائدتك... أنــا جائعـة..

اخترق صوت هوبا قلب عمرو، فأصابته رعشة، فطلب من الأم أن تسمح له بأن يسلم عليها..

تحاملت الأم على نفسهـا وصعدت السـلالم لتجىء بهوبــا،  أقبلت يسبقهـا نـور ثغرها البسّام،  وتشع من جسدها الأنوثة والحياء،  تتحسَّس طريقها متخذة من كتف أمها عكازًا لها!

تسمَّر عمرو عندما واجه هوبا... كان عمرو الابن البكرى قد حضر، قال لأمـه بفــرح... 

ـ وجدت النور ياأمى.

ثم نظر إلى أخته وقال…

ـ وجدت القطرة ياهوبـا.

عندما نظـر عمرو إلى عينى هوبـا، التى كانت تمد له يدها فى اتجاه غير الاتجاه الذى يقف فيـه،  هاله انطفاؤهما،  فانطفأت فى داخله أشياء، لكن أشياء أخرى قد أضاءت.