الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الصمت رابعنا

وددتُ التأكد أن صديقتى ستنقذنى من خيوطه الحريرية الملونة، ألححت عليها مرارًا للبوح باسمه، من رفضها المستميت للإفصاح عنه، عرفت أنها أحبته.



 

لا يمكنك حماية شخص تكرهه، وتريد الانتقام منه، تخفيه فى طيات الكتمان، إلا إذا كنت تحبه، بحجم كل ذلك الغضب الكامن بداخلك، وكل هذا البغض.. المؤقت، تحبه وتخاف عليه أكثر من خوفها عليّ الوقوع بين براثنه، بصمتها تقدمنى إليه كقربان شهى لتنال رضاه. 

 

من وصفها، استطعت بيسر معرفته، فصرتُ أروى لها تفاصيل عملى معه، ولقاءاتنا المتكررة، دون الإفصاح عن ما كنت أراه بعينيه من مشاعر تنمو يومًا بعد يوم، وتمنعى يزيده اقترابًا ويلهب بتحدى رجولته. لو أخبرتها، ستحركها الغيرة، تستعر بداخلها وتمتد إليّ لتحرقنى ببرود، ستحاول إبعادى فقط لهذا السبب، وليس خوفًا من ملاقاة مصير قلبها المعذب فى حبه. لم يساورنى الخوف يومًا الوقوع فى شبكته، فقد كانت واضحة، يمكن رؤيتها بلا جهد، يُظهرها بفجاجة ما فعله معها. لا أنكر تسليتى بهذه اللعبة، أحب الألعاب مع هذا النوع المغرور، ففى الغالب، ينقلب رفضه رغبة وتعلقًا أكثر، ثم حبًا مشتعلًا، وما أطيب رائحة هذا القلب وهو يحترق ببطء.

 

حزينة من أجل صديقتى.. من أجل صداقتنا.. من أجل احتراق قلبى معها

 

نقلت أخباره لها بكل أمانة، أدق التفاصيل التى لا تطلبها لكن أعرف أنها تهمها ككل من تحب فى صمت، لعبتُ دورى بمهارة، ولم أظهر معرفتى بكامل القصة والأبطال، سمحت لها أحيانًا التلاعب بى، إلا حينما طلبت منى التقرب أكثر لتعرف مدى استجابته للدلال الأنثوى. تراجعت واعتذرت، اعتذارها لم يمح تألمى، ألهذا الحد هان الود بيننا عليها!! ألهذا الحد لم أعد أعنى لها شيئًا!! بينما هو كل شىء. يبدو طريقنا للعودة مسدودًا، فحينما يؤنبها ضميرها كما يبدو فى صوتها وعينيها لاستغلالها إياى، تتراجع على الفور أمام رغبتها، فتعود الغشاوة التى استبدلت الصديقة، بكونها مجرد طعم.

 

لا أتظاهر بالبراءة مستمتعة بلعب دور الضحية، بل غريق تتعلق عيناه ببر أمان، بيد أقرب صديق، إننى أراهن بسنوات صداقة هنا يا من تبحثون عن الصداقة. هى من اختارتنى فى بداية معرفتنا، اختصتنى بالائتمان على أسرارها وكل تفاصيل حياتها، وهى من ستتركنى أغرق، ما زلتُ آمل أن يخيب ظنى رغم دفعها المستمر لى نحو الأعماق، لم يعد تحت قدمى أرض، لا يوجد هواء كاف للتنفس.. 

 

ستضحى بى.. بتُ على يقين من هذه الحقيقة رغم إنكارى الواهى الواهم، ستتغلب حاجتها إليك على ما بيننا، أنت لا تفهم حاجة مثل هذا النوع من النساء. لا لا تقارنها بحاجة الرجال إليهن، الأمر بالنسبة لكم لا يتعدى فوران القهوة على النار، هادئة كانت أو مرتفعة، ما إن تنتهى، ينتهى معها كل شيء، يذهب الرجل ليبحث عن نوع آخر من القهوة، ويمكنه استبدالها بنسكافيه لا فرق كبير بالنسبة لكم. أتحدث هنا عن حاجة المرأة إلى رجل، ليست الحاجة الأنثوية فحسب، بل حاجة كاملة، هادئة وثورية فى ذات الوقت، لا تنتهى، تجعلها توافق أن تتخذ حيزًا ضيقًا فى ركن بحياتك، بينما تمتلك كل حياتها، تقدمها لك عن طيب خاطر وبسعادة، مكتفية بالقليل منك، على أن يكون هذا القليل مخلصًا وصادقًا. 

 

وأحيانًا تتنازل عن هاتين الصفتين، كما فعلت صديقتى.. لا أٌخفى عليك ألمى وهى تدفعنى إليك دفعًا، تتظاهر بنسيان اسمك، بينما تسرد بإسهاب صفاتك، متغزلة فى فكرك المتجدد المستنير، وفى الوقت ذاته تحكى عن معذبها باسم مستعار فكاهى. تجاهد كثيرًا لإخفائك وظهورك فى الوقت ذاته، لدرجة ساورنى الشك أنك ذلك الشخص الذى أعرفه. لكن إصرارها على ذكرك باستمرار، دون أى مناسبة، من صفات الذى يحب بلا أمل، بمنتهى القوة واليأس.

 

نعم أنت من تحب.. وأنا من تقتلنى بداخلها بدمٍ بارد.

 

تقرأ هذه السطور ولا تعرف أنها عنك، وعندما تقرأها هى ستعرف أنها عنها، ستعرف ما فعلته بى لأجلك، ستتألم.. احتمال، لكنها ستتوارى خلف غضب زائف منى، ستتهمنى بخداعها، ستجد كثيرًا من المبررات لقطع صلتها بى، لكن بداخلها، ستكون على يقين بخيانتها وتمزيق ما بيننا بقصد ووحشية. ستسامحك على كل ما فعلته بها، لكن لن تغفر لى غرقى بعد تخليها عنى، ستمزق صورنا وذكرياتنا، ستتركنى أموت بداخلها، لتحيا أنت.

 

لا تغضب، تذكر أنك انتصرت على سنوات صداقة.. هزمتنا بقليل من الصمت.