الأربعاء 26 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

إنفراد من مــدينــــــة الأشباح : أهالي حرداسة يطالبون بتحريرهم من قبضة الإرهاب

إنفراد من مــدينــــــة الأشباح : أهالي حرداسة يطالبون بتحريرهم من قبضة الإرهاب
إنفراد من مــدينــــــة الأشباح : أهالي حرداسة يطالبون بتحريرهم من قبضة الإرهاب


ممنوع الاقتراب أو التصوير .. فأنت فى مستعمرة «كرداسة» الإخوانية .. بمجرد أن تطأ قدماك أرضها لن تخطئ عينيك جذوع النخل وأكوام مخلفات البناء الترابية والسواتر الرملية وأبراج المراقبة التى تكشف عن إحساس لا يتركك بأنك إما فى منشأة عسكرية أو منطقة حدودية.
 
التجربة تؤكد أن المكان يشوبه الترقب فيما يملأ الحذر عيون المارة من قاطنى مدينة «كرداسة»، ولا مكان للغريب بينهم، ولا يمكنك الدخول بسهولة إلى هناك إلا بعد استجوابك «حضرتك مين؟! .. رايح فين؟! .. أى خدمة»، ولو نجحت فى اختراق كل ذلك تأكد أن هناك عيوناً تترقبك فى كل خطوة تخطوها وكأنها تخشى عدواً يتربص بها، لكن «صباح الخير» اخترقت الحظر المفروض على وكر الجماعات الإسلامية المسلحة فى المدينة، وعاشت التجربة رغم الفراغ الأمنى الكامل.
 
∎سطوة المتشددين
 
نقطة البداية كانت أسفل كوبرى صفط اللبن، أحد التباعين ينادى أمام إحدى سيارات السرفيس، سألته عن الطريق إلى «كرداسة» فقال لى إن كثيرا من سائقى سيارات الأجرة امتنعوا عن نقل الركاب من وإلى كرداسة لأن الطريق إلى هناك لم يعد آمنا، فضلا عن الأوضاع الأمنية المتردية بداخلها، لكنه أشار علىّ بركوب إحدى السيارات المتجهة إلى «ناهيا» ومنها يمكن الوصول إلى «كرداسة» الأقرب مكانا لها.
 
وبالفعل استقليت إحدى السيارات المتجهة إلى «ناهيا»، قادتنى الصدفة للتعرف على شاب يدعى «عاصم» داخل السيارة، دار بيننا حوار مقتضب علمت من خلاله أنه سيتوجه أيضا إلى كرداسة، فأخبرته صراحةً عن هويتى فى آخر الحوار، ثم طلبت منه مساعدتى فى دخول المكان فأكد لى أن الوضع هذه الأيام غير آمن «للغرباء» خاصة بعد مجزرة قسم «كرداسة» الأخيرة، فضلا عن تأهب بعض الأهالى لمواجهة أى هجوم من رجال الشرطة أو غيرهم، ثم سكت قليلا وعاد ليستكمل حديثه بعد أن وعدنى بالمساعدة على قدر استطاعته، مشترطا ألا أجيب عن أسئلة أحد لأنه سيقوم عنى بهذه المهمة كما اشترط ألا يستغرق الأمر كثيرا، فوافقت على الفور.
 
لاتزال مدينة «كرداسة» - التى تقع بين «أبورواش» و«ناهيا» المسلحتين - خارج سيطرة الأجهزة الأمنية، رغم استغاثة الأهالى الدائمة من البلطجية والخارجين عن القانون والمسلحين الذين يمشطون - ليلا ونهارا - طول المدينة وعرضها حاملين الأسلحة الخفيفة والثقيلة علنا دون استيقافهم أو مساءلتهم .
 
هكذا بدأ (س. ع) أحد سكان «كرداسة» حديثه معى، قائلا: «المنطقة يعيش بها خليط من الأهالى البسطاء غير المنتمين لأى تيارات سياسية، وآخرون ينتمون للتيارات الإسلامية منذ سنين طويلة، لذلك تجد أن «زوار الليل» لم تنقطع زياراتهم عن المكان قبل ثورة 25 يناير وانهيار الشرطة عام 2011 أما الآن فيمكنك أن ترى أشخاصا يحملون السلاح الآلى دون أى مساءلة قانونية.
 
وأعرب عن أسفه قائلا: ''للأسف الشديد هذه المشاهد وغيرها أصبحت من المشاهد المعتادة فى المكان بعد الثورة وحتى الآن، ولا أخفى عليك سرا أن حالة من الرعب والخوف والقلق سكنت شوارعنا وبيوتنا بسبب هؤلاء الملثمين الذين يظهرون ليلا بدرجاتهم البخارية، ويشهرون السلاح فى وجه المارة، دون أن يعرف أحد هويتهم الحقيقية إن كانوا من أبناء ''كرداسة'' أو من خارجها''.
 
وأشار إلى نقطة مهمة بقوله: «جذوع النخل وأكوام مخلفات البناء الترابية والسواتر الرملية التى تراها على مدخل المدينة وضعها البلطجية الذين استعان بهم المتشددون من المنتمين للتيارات الإسلامية خصيصا لمواجهة رجال الشرطة فى حال اقتحامهم المكان للقبض عليهم أو ملاحقتهم أمنيا».
 
∎عبث البلطجية والمسلحين
 
توجهت بعدها إلى مركز شرطة «كرداسة» الذى يكسو السواد كل شىء فى محيط المكان القابعة أمامه عربات لتشكيلات الأمن المركزى، ومدرعتان للشرطة أتت النيران على جميع محتوياتها، لترقد هياكلها متفحمة أمام مبنى الأمن المكون من 4 طوابق، فيما لاتزال أسوار القسم الخارجية المنهارة وجدرانه المحترقة من الداخل وأبوابه التى تم الاستيلاء عليها شاهدا أيضا على تلك المجزرة التى راح ضحيتها 11 شرطيا من قوة تأمين المركز.
 
استوقفت أحد المارة هناك، وبمجرد أن سألته عن أحوال المكان، حدق فىّ جيدا ثم انصرف دون أن يجيبنى، فهممت إليه لأوضح أننى جئت لأظهر الوجه الآخر للمكان وأعرض الحقيقة دون تشويه، فتوقف مفكرا لبرهة من الوقت وكأنه يعيد حساباته.
 
ثم قال الرجل الأربعينى الذى رفض ذكر اسمه وبدا متحفظا فى حديثه: «لست من المنتمين إلى التيارات الإسلامية أو غيرها، لكن الحق يقال أن بعض وسائل الإعلام لم تنقل الحقيقة التى نعيشها فى قريتنا كما يجب، صحيح أن أنصار الرئيس المعزول محمد مرسى نظموا مسيرات للمطالبة بالشرعية إلا أن البعض استغل ذلك للاعتداء على مركز شرطة كرداسة انتقاما لذويهم الذين قتلوا فى فض اعتصامى رابعة وميدان النهضة، أما الآن فأبناء المدينة يحاولون إعادة الهدوء والاستقرار إلى قريتنا التى يريد أن يعبث بها البلطجية والمسلحون».
 
وأضاف: «نعانى يوميا من هؤلاء الخارجين عن القانون الذين يصرّون على القيام بأعمال السرقة وإشاعة الفوضى فى قريتنا مع حلول موعد حظر التجوال إضافة إلى استغلالهم حالة انعدام الأمن التى أصبحت عليها المدينة بعد احتراق مركز شرطة «كرداسة».
 
∎عودة السيطرة الأمنية
 
اقتربت من أحد رواد مقهى شعبى بذات المدينة، وسألته عن مسألة تهجير المسيحيين القصرى عن كرداسة، فرد مستغربا: «مين اللى قال الكلام ده، على فكرة محصلش، واللى يقول لك عكس كده يبقى عاوز يولعها حريقة، ويعملها فتنة طائفية»، مدللا على كلامه بقوله: «للأسف، بعض القنوات الفضائية تبث هذه الشائعات المغرضة إما لزيادة حصيلة إعلاناتها أو لعدم تحريها دقة المعلومات على أرض الواقع''.
 
الشارع السياحى بمدينة «كرداسة» كانت وجهتنا الأخيرة، ورغم تزين البازارات السياحية فى هذا الشارع بأبهى الملابس الفرعونية والعباءات المصرية المطرزة فإن أصحاب هذه البازارات افترشوا كراسيهم أمامها «لا شغلة ولا مشغلة» على حد قولهم بعدما ضاق بهم الحال وقلت حركة البيع والشراء، فى ظل حالة الانفلات الأمنى التى تعانيها البلاد بشكل عام والمدينة بشكل خاص.
 
وكشف (أ. ج) - صاحب بازار سياحى عن مأساة حقيقية، قائلا: ''رغم أن مدينة «كرداسة» تشتهر بالصناعات اليدوية وورش صناعة الملابس والتطريز فإن الجميع يعانى الآن من حالة ركود شديدة، مع العلم بأن إيجارات المحلات بالشارع الرئيسى تتراوح ما بين 3 آلاف و4آلاف جنيه وقد تدفعنا هذه الظروف السيئة إلى تغيير نشاطنا أو إغلاق محلاتنا لتقليل الخسائر الباهظة التى تكبدناها نتيجة إغلاق أبواب محلاتنا قبيل غروب الشمس التزاما بمواعيد حظر التجوال، فضلا عن الأحداث المشتعلة فى البلاد، والتى لا تكاد تنتهى حتى تبدأ من جديد منذ عام 2011 وحتى الآن''.
 
وطالب صاحب البازار: ''لابد من إعادة ترميم وإصلاح قسم الشرطة وعودة رجال الأمن لممارسة عملهم فى حمايتنا وتوفير الأمن والأمان لنا من ناحية، والقضاء على أعمال السرقة والبلطجة التى أضرت بسمعة قريتنا وأثرت بالسلب على أرزاقنا وقوت أولادنا من ناحية أخرى''.   
 
وبشأن الخطط والإجراءات الأمنية للتعامل مع المناطق التى تشهد توترا أمنيا بما فى ذلك مدينة «كرداسة»، أكد وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم أن جهود الأمن المكثفة ستتواصل فى الإجهاض المبكر للبؤر المتطرفة ولمحاولات إحياء فاعليات تنظيمية لعناصر تتبنى الأفكار التكفيرية ورصد وكشف أية محاولات من شأنها زعزعة أمن واستقرار البلاد.
 
وأعلن اللواء إبراهيم: «هناك عملية قادمة لتحرير كرداسة لا محالة، ولكن نحن نعلم جيدا أن هناك من يريد جر القوات الشرطية والمسلحة إلى مواجهات، ولكننا لن نقع فى مثل هذه الأفعال الخسيسة من قبل الجماعات المتطرفة».. ونبه إلى أن وزارة الداخلية لن تترك دماء أبنائها فى قسم كرداسة، منوها بأن الوزارة حريصة كل الحرص على تعقب كل من ارتكب مخالفة للقانون وضبطه وتقديمه لجهات العدالة لينال عقاب ما اقترفت يداه.
 
ولفت الانتباه إلى أن أمان أبناء الشعب جميعهم هو الهدف والغاية لعمل رجال الشرطة، مبينا أن وزارة الداخلية تعمل من أجل الوطن والمواطنين وتستمر فى نهج التواصل مع الشعب من أجل الحفاظ على استمرار روح المواطنة بين الشرطة والشعب.
 
وفى السياق ذاته، عقد مدير أمن الجيزة اللواء كمال الدالى اجتماعا موسعا مع قيادات المديرية، لبحث آخر التطورات الأمنية، وعمليات الرصد والتحرى حول مدينة «كرداسة» لوضع خطة أمنية لمداهمتها، وتطهيرها من العناصر المسلحة التى تتحصن فيها.
 
وتم خلال الاجتماع عرض الصور الخاصة بعدد من العناصر المسلحة التى تم رصدها وتحديدها، وتم أيضا استعراض خريطة للمدينة، توضح أماكن تمركز هذه العناصر.
 
وكشفت مصادر أمنية النقاب عن أن عملية اقتحام كرداسة ستكون جاهزة قريبا، وذلك بعد الانتهاء من إعداد الخطة النهائية، وعرضها على وزير الداخلية اللواء محمد إبراهيم، ومجلس الدفاع القومى، وقطاع الأمن الوطنى.