الأربعاء 26 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

ونيس.. وأبو البخارى.. والعلمانية!

ونيس.. وأبو البخارى.. والعلمانية!
ونيس.. وأبو البخارى.. والعلمانية!


 
بتاريخ 22 / 4 / 2013 كتب د. حسام أبو البخارى على صفحته على الفيس بوك: مسلسل يوميات ونيس.. مسلسل علمانى بامتياز.. وصلت فيه العلمانية للذروة.. واختلطت فيه العلمنة بالعاطفة والأخلاق والعقلنة لدرجة يصعب فيها إدراك السم الخفى الذى ينفث فى كل حلقة وكل مشهد بل وفى كل لحظة.. فقد علم ونيس أبناءه كل شىء.. علمهم العلم والاخلاق وتحمل المسئولية إلخ.
 
علمهم كل ذلك بلا أى مرجعية دينية .. بل لم يعلمهم الدين أصلا ، وأعتقد أن كل ذلك متعمد من صانعى العمل .. فلم يربهم على الصلاة.. ولم يعودهم على الصوم.. ولم يذكرهم بالحج.. وكل ذلك لكى يصل إلى نتيجة مفادها أن الحياة تستقيم بلا دين وبلا مرجعية.. فقط نحتاج إلى الأخلاق المجردة.. وذلك صلب العلمانية.. ومن الممكن أن تطلق على ذلك مصطلح «العلمانية الشعبية».
 
متأكد أن كل من شاهد المسلسل ضحك وقهقه ولكنالسؤال :كم من المضامين العلمانية والرؤى غير الإسلامية مرت واستقرت فى وعيك ولا وعيك.
 
 
وهنا ينتهى كلام السيد حسام أبو البخارى.. ولا ينتهى العجب من هذا الخلط العجيب للأفكار والمفاهيم.. وإليكم بعض من ملاحظاتى:
 
أولا: يخلط السيد أبو البخارى بعنف بين رسالة المسلسل الدرامى.. وبين دور البرنامج الدينى فى الإذاعة والتليفزيون.. وبين حصة الدين فى المدرسة.. وبين خطبة الجمعة فى الجامع.
 
لكل مما ذكرت دوره ومهمته .. ولا يعيب هذا المسلسل ولا غيره أنه لم يعلم الناس رياضة الكاراتيه.. ولا كيفية صعود جبال الهيمالايا.. فكل عمل فنى محكوم بإطار ولا يمكن أن يناقش فيه كل شىء.. وهناك أعمال درامية أخرى للكبار وللصغار على السواء هدفها تعليم الناس أمور دينهم.. أو تاريخ الدعوة المحمدية.. إلى غير ذلك.. والفنانون الذين شاركوا فى مسلسل ونيس يشاركون أيضا فى هذه الأعمال.
 
ثانيا: الدخول فى نواياهؤلاء الفنانين.. حين يقول «أعتقد أن كل ذلك متعمد من صانعى العمل».. وذلك بعد أن قرر مسبقا أن هذا العمل فيه «سم خفى ينفث فى كل حلقة وكل مشهد بل وفى كل لحظة»!!
 
وفى مسألة الدخول فى النوايا أحيله إلى الآية القرآنية «إن الله هو أعلم بمن ضل عن سبيله .. وهو أعلم بالمهتدين».
 
أما حكاية السم الخفى.. فهو كلام أهبل لايستحق الرد عليه.
 
ثالثا: افترض الدكتور حسام أبوالبخارى مبدئيا أنهم نجحوا فى تشويه مصطلح العلمانية.. وربطوا عبر سنين طويلة بينه وبين الكفر والإلحاد.. وهكذا فقد تجاوز هذه النقطة إلى ما بعدها.. فأى إنسان أو عمل أو فكر أو اجتهاد يخالف معتقداتهم ووجهات نظرهم «الفارغة والتافهة» يستطيعون رميه بالعلمانية التى هى المرادف للكفر والإلحاد.
 
وأنا هنا أعيد المسألة إلى المربع الأول.. وأسأل أبوالبخارى ماهى العلمانية من وجهة نظرك وما الذى ترفضه فيها.. حتى نقتنع أولا أنها هذاالشىء الفج الذى لو وصفت به عملا فنيا .. صار هذا العمل مليئا بالسم الخفى فى كل حلقة ومشهد ولحظة؟!
 
رابعا: من حيث لا يريد انصف أبوالبخارى المسلسل حين قال عن ونيس الذى قام بدوره المبدع الكبير محمد صبحى .. «علمهم العلم والاخلاق وتحمل المسئولية .. إلخ».
 
فهذا بالفعل ما فعله المسلسل.
 
إن هذا المسلسل الراقى العبقرى كان كل جزء فيه وكل حلقة وكل مشهد يسعى إلى تثبيت قيمة فكرية افتقدناها أو قيمة اجتماعية توارت فى زحمة اللهاث المادى الذى سيطر على الحياة فى السنوات الأخيرة.. ولقد استحق هذا المسلسل الاحتفاء من الجمهور بجميع طبقاته ومشاربه.. ومن النقاد بجميع توجهاتهم.. ولكن كل هذا لا يعجب أبوالبخارى .. ولا يرضيه فهو أذكى من الجميع .. ولن يضحك عليه أحد بتمرير مسلسل لايعلم الناس الصيام والصلاة والحج !!
 
إنه مسلسل- ويا للهول - لم يعلم الأبناء فى المجتمع سوى بعض الأخلاق والعلم وتحملالمسئولية والإيثار والترابط الاجتماعى.. ورفض الفساد وبكل أنواعه وأشكاله.. والوقوف بجوار اليتيم والمحتاج .. وإعلاء قيمة الضمير والوضوح والاتساق مع الذات والصدق مع الآخرين !!
 
وفى رأيى المتواضع أن كل هذه المعانى والقيم تشكل جوهر الدين الحقيقى .. وأنها الجائزة الحقيقية لأى إنسان ملتزم بتعاليم دينه .. وهى رسالة الدين الحقيقية التى يريد لها الله أن تشيع فى أى مجتمع، هذه القيم هى ما تدعونا إليه الأديان لتكون السلوك السائد بين الناس وبعضهم البعض.. أما الصلاة والصيام والحج فهى واجبات الإنسان تجاه ربه، ولا يعلم بصدق الإنسان ولا صدق نيته وهو يؤديها إلا الله سبحانه وتعالى.. وهناك من كانوا يتوضأون ويصلون خلف الرسول عليه الصلاة والسلام.. وكانوا يصومون مع الرسول.. وكانوا يحجون ويعتمرون.. بينما هم من المنافقين الذين حجز لهم الله سبحانه وتعالى مكانهم فى الدرك الأسفل من النار.
 
وإن كان هذا النوع من البشر كان موجوداً فى وجود الرسول .. فما بالك بهذا العصر الذى انتشر فيه الكذب والنفاق باسم الدين .. حتى تحول الأمر إلى تجارة.. يزايد بها البعض على الآخرين فى دينهم .. ويحاول التفتيش فى ضمائرهم والطعن فى نواياهم.
 
لقد نشأت مجتمعات ودول وممالك ادعت أنها تحكم بالمرجعية الدينية وقتلت من البشر ملايين بلا ذنب ولا جريرة.
 
أحد الخلفاء العثمانيين كان يحمل لقب أمير المؤمنين وخليفة المسلمين وخادم الحرمين الشريفين وظل الله على الأرض ولكنه قتل أخاه وأولاد أخيه حتى لاينازعه أحد فى السلطة.. أو يسعى للعرش الذى يجلس عليه.
 
الكثيرون فى التاريخ الإسلامى كانوا يصلون ويصومون.. ولكنهم كانوا أيضا يقتلون بغير الحق.. حتى أنهم قتلوا سيدنا الحسين.. ولو كانوا يملكون العلم والأخلاق والقيم الإنسانية الرفيعة ما فعلوا ذلك.
 
وأخيراً..
 
فإننا نشكر السيد أبوالبخارى الذى أنصفالعلمانية أيضا من حيث لايدرى ولا يريد.. حين أثبت أن الفن الذى يصفه بالعلمانى .. من الممكن أن يكون فنا يدعو إلى العلم والأخلاق .. وبالتالى فقد أخبرنا أن العلمانية ليست كما قال أحد الأدعياء الجهلاء الذى يلقبونه زوراً بـ«الشيخ».. حين سئل ما هى العلمانية ؟!
 
فقال: يعنى أمك تقلع الحجاب!!