الجمعة 6 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

‎ترامب على خطى «كلينتون»

فى 19 ديسمبر الجارى عزل مجلس النواب الأمريكى، الرئيس دونالد ترامب بعد التصويت بالموافقة على فقرتين هما «إساءة استخدام النفوذ» و«عرقلة عمل الكونجرس» وهى المرحلة الأولى من إجراءات عزله. صوت 230 عضواً ورفض 197 آخرين على البند الأول «إساءة استخدام السلطة» وهى نفس النتيجة للتصويت على البند الثانى من التهم «إعاقة عمل الكونجرس»، حيث صوت 229 بنعم مقابل 198 صوتوًا بلا.



وفى المقابل، قلل ترامب -الذى كان يلقى كلمة فى ميتشجان آنذاك- من صنيع الكونجرس لافتاً إلى أن جميع أعضاء حزبه «الجمهوريين» صوتوا ضد اتهامه علاوة على 3 من الديمقراطيين معتبراً أنه أمر غير مسبوق. وفعلياً لم يحاكم ترامب -حتى كتابة هذه السطور- وإنما تم توجيه اتهامين له من «الكونجرس» الذى سيمثل الادعاء فى المحاكمات الجنائية المدنية عندما تبدأ المحاكمة فى مجلس الشيوخ. ويتكون مجلس الشيوخ من 100 عضو، ويحظى فيه الجمهوريون بأغلبية 53 مقعداً مقابل 47 للديمقراطيين، وهؤلاء الأعضاء يمثلون هيئة المحلفين، بينما يترأس المحاكمة رئيس المحكمة الدستورية العليا ودوره يقتصر على ضمان سير إجراءات المحاكمة دون خروج عن النص، وهيئة المحلفين (أعضاء مجلس الشيوخ غير مسموح لهم بالحديث من الأساس داخل قاعة مجلس الشيوخ التى ستكون مقر المحكمة). أما أعضاء مجلس النواب (من الديمقراطيين) فسيمثلون جهة الادعاء، وستكون هناك جهة الدفاع عن ترامب وتتشكل أيضًا من مجلس النواب (من الجمهوريين) ويمكن للطرفين استدعاء الشهود وتقديم الأدلة أمام هيئة المحكمة كما يتراءى لهم. وفى أعقاب ذلك يتم التصويت كما حدث فى مجلس النواب، لكن الاختلاف هنا هو أنه بينما تصويت مجلس النواب يحتاج لأغلبية بسيطة (50 % + واحد)، فإن تصويت مجلس الشيوخ (هيئة المحلفين) يحتاج أغلبية الثلثين، وهذا يعنى أنه تتم إدانة ترامب ومن ثم عزله من منصبه لابد أن يصوّت 67 عضواً بالموافقة على الإدانة، وفى ظل تركيبة المجلس الحالية يعد ذلك أمرًا مستبعدًا إلى حد كبير نظرًا لسيطرة حزب ترامب (الجمهوريين) على تركيبة المجلس، وقد تبدأ المحاكمة التاريخية فى يناير المقبل بحسب السيناتور ميتش ماكونيل، زعيم الأغلبية فى مجلس الشيوخ. وينص الدستور الأمريكى أن «لمجلس الشيوخ وحده سلطة إجراء محاكمة فى جميع تهم المسؤولين، وعندما ينعقد مجلس الشيوخ لذلك الغرض، يقسم جميع أعضائه باليمين أو بالإقرار، وعندما تتم محاكمة رئيس الولايات المتحدة، يرأس رئيس القضاة الجلسات، ولا يجوز إدانة أى شخص بدون موافقة ثلثى الأعضاء الحاضرين». وإجراءات عزل ترامب ستمضى قدمًا بصرف النظر عما إذا كان سيُعزل أم لا، وهناك عدة إجراءات رسمية يجب تطبيقها تدريجيا بحسب القانون ويمكن تغييرها بأغلبية 51 عضوًا فى مجلس الشيوخ. وقد تم كتابة تلك القواعد أول مرة من أجل محاكمة مجلس الشيوخ للرئيس أندرو جونسون (الرئيس 17) عام 1868 وحدثها مجلس الشيوخ عقب فضيحة ووترجيت، ولكن الرئيس ريتشارد نيكسون استقال عام 1974 بدلاً من انتظار عزله، وتم تحديثها مرة أخرى عام 1986، واستخدمت فى محاكمة عزل الرئيس بيل كلينتون عام 1999.  وينص الدستور على أن رئيس المحكمة العليا، (جون روبرتس) حاليًا يترأس المحاكمة وتمنحه قواعد العزل فى مجلس الشيوخ سلطة الحكم على الأدلة وغيرها من الأمور. ولكن يمكن إبطال أحكامه إذا عارضه أحد أعضاء مجلس الشيوخ وطلب تصويت المجلس بالكامل، ومن الممكن استدعاء آخرين للشهادة مثل هنتر بايدن ( نجل جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكى السابق والسياسى الأوفر حظًا لنيل ترشيح الديمقراطيين فى انتخابات الرئاسة) وآدم شيف (رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب الأمريكي)، ومن أبلغ بالواقعة، إلا أن ذلك يحتاج إلى أغلبية أصوات مجلس الشيوخ. وتنص القواعد على أن المجلس وحده هو المسؤول عن استدعاء الشهود، وهذا يعنى أيضًا حاجة الديمقراطيين إلى استقطاب بعض أصوات الجمهوريين لاستدعاء وزير الخارجية مايك بومبيو أو نائب الرئيس مايك بنس أو غيرهما للشهادة. ومن الأمور المثيرة فى المحاكمة أن المحكمة العليا لا تسمح بالكاميرات التليفزيونية، ووفقًا لقواعد 1986، بإمكان الكاميرا أن تركز على أى شخص يتحدث فقط، وهذا يعنى عدم وجود لقطات خاطفة لأشخاص لا يتحدثون، وبكلمة أخرى لن يكون هناك «تصوير مخصص للعرض التليفزيونى». ويمثّل الرئيس محاموه، ولا توجد أى حدود على عددهم، ولكن شخصًا واحدًا فقط يمكنه طرح الأسئلة على الشاهد، وواحدًا فقط يمكنه تقديم الخطبة الافتتاحية، وشخصين فقط يمكنهما تقديم خطبة ختامية، وفقاً للوائح. وبكلمة أخرى هناك 54 عضوًا ينتمون للحزب الديمقراطى، مما يعنى أنهم يحتاجون إلى انحياز 20 عضوًا من الجمهوريين إلى جانب العضوين المستقلين لإدانة ترامب وعزله من منصبه، وعليه فإن احتمالات البراءة أعلى كثيرًا بحسب الكثير من الخبراء. ويمكن القول أن قضية العزل محكوم عليها بالفشل إلى مجلس الشيوخ، وتكرارًا لما فعله الجمهوريون بالرئيس كلينتون، حيث صوت 45 عضوًا (أقل من الأغلبية) لإدانته بشهادة الزور، والنصف تمامًا (50 عضوًا) لإدانته بعرقلة العدالة، وبُرّئ كلينتون، كما سوف يُبرّأ ترامب بنفس الصورة -مع اختلاف العدد-فالرئيس ينجو من العزل إذ لم يتوفر أغلبية الثلين لهذا القرار، أى أنه إذ رفض 34 عضواً بمجلس الشيوخ عزله فسيتم تبرئته. ناهيك أنه بإمكان العضو «الامتناع عن التصويت» وبالتالى ينقذ ترامب، فالبراءة تحتاج إلى 34 صوتاً بينما الإدانة تحتاج إلى 67 صوتاً، ولكن ذلك ينطبق فقط فى حالة مشاركة جميع أعضاء مجلس الشيوخ الـ100 فى التصويت. وإذا غاب عدد من أعضاء مجلس الشيوخ عن التصويت، سوف يتغير العدد المطلوب للإدانة أو التبرئة، ولكن بإمكان عضو مجلس الشيوخ أن يحضر الجلسة و«يمتنع عن التصويت» بدلاً من التصويت بالإدانة أو التبرئة، وبذلك يمكنه حماية الرئيس من العزل دون أن يُقر فعليًا بأنه «غير مذنب»، والتصويت وقوفًا من المقاعد. بقى أن نقول أن ترامب رابع رئيس أمريكى يتعرض لإجراءات عزل، وقد سبقه بيل كلينتون (ديمقراطي) قبل 20 عامًا، لأنه واجه اتهامات الحنث باليمين وتعطيل العدالة فى خضم قضية مونيكا لوينسكى (متدربة فى البيت الأبيض قالت إن الرئيس مارس معها أفعالاً غير أخلاقية فى مكتبه بالبيت الأبيض)، وفى مجلس الشيوخ (نفس الموقف الذى وصل إليه ترامب)، تم رفض اتهام الحنث باليمين بـ 55 مقابل 45 صوتًا واتهام تعطيل العدالة بـ 50 مقابل 50 صوتًا. وفى عام 1974 تم إدراج إجراءات العزل ضد الرئيس ريتشارد نيكسون (جمهوري) بسبب فضيحة ووترجيت، وهى قضية اقتحام مكاتب للحزب الديمقراطى فى منطقة ووترجيت فى يونيو 1972، وخلال هذا الاقتحام اعتقلت الشرطة 5 رجال حاولوا تثبيت عدسات تنصت وتصوير وثائق، واتضح أن المتهمين تابعين للجنة الانتخابية التابعة لنيكسون. وفى مجلس الشيوخ كان يُتوقع حصول غالبية الثلثين الضرورية للعزل عن المنصب، لكن نيكسون استبق قرار الإدانة والعزل بأن قدم استقالته رغم أنه كان فى بداية فترة حكمه الثانية. أما الحالة الأولى فكانت عام 1868، حين اتهم الكونجرس الرئيس أندرى جونسون بخرق قانون اتحادى ينظم إعفاء الوزراء من مهامهم فى الحكومة، وصوّت مجلس النواب بغالبية ساحقة للبدء فى إجراءات العزل ضد الرئيس، لكن العزل لم يحصل، لأن عدد الأصوات الضرورية لتحقيق غالبية الثلثين لم يتحقق.. وهو ما لن يتحقق فى حالة ترامب أيضًا.