الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

جرائم الأسرة انعكاس لدموية المجتمع!

جرائم الأسرة انعكاس لدموية المجتمع!
جرائم الأسرة انعكاس لدموية المجتمع!


 
أم تذبح أولادها وتنتحر لضغوط نفسية.. ابن يقتل والدته بسبب المال .. زوج يقتل زوجته بسبب كوب شاى.. حوادث دموية لم نكن نسمع عنها أو حتى نتخيلها، حدثت خلال الشهور الماضية تمثل العنف بأبشع صوره وتعدى الأمر عنفا لفظيا وجسديا فى الشارع متمثلة فى خناقة أو شتائم لظواهر فجة كالتحرش والسرقة والقتل وأصبح البيت نموذجا مصغرا لمثل هذه الحوادث البشعة.. هل تغير الشعب المصرى لما يمر به من مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية صبغت شخصيته بالعنف والدموية؟
 
هل هى حالات شاذة أم أن ثقافة الشعب المصرى الزراعية التى تكونت على مدار آلاف السنين تغيرت؟ هل هو سفر العديد من الناس لدول أخرى مختلفة عنا واستيراد ثقافات مغايرة جعلتنا نهتم بالتدين الشكلى ونسينا روح الإيمان وما أمر به الله فى كل الأديان من تسامح وحب وكلمة طيبة وعزز ذلك الانحدار فى الخطاب الدينى وضعفه واهتمامه بالسطحيات، وكذلك حالة التعليم والتربية المترديين؟ أم هو الحالة الاقتصادية وغياب الإحساس بالكرامة والعدل والمساواة والعنف السياسى هو الذى ينعكس على العنف الاجتماعى؟
 
تغيير المنظومة كلها
 
طرحنا هذه التساؤلات على الدكتور أحمد زايد أستاذ علم الاجتماع السياسى بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية: العنف موجود فى بلدان كثيرة وقد يكون فى مصر أقل من بلدان أخرى، ولكن مشكلة مصر أنها فى المرحلة التى كانت تتحول فيها لمجتمع رأسمالى غطت فيها المادة بشكل كبير على كل المعانى الأخرى واختفت تقريبا كل القيم الروحية والإنسانية، والعنف الأسرى موجود منذ وقت طويل، ولكن ومع الارتفاع فى نسب الفقر والبطالة خاصة فى الفترة الأخيرة زاد هذا العنف بصورة كبيرة خاصة بعد الصدمة والإحساس بالإحباط بعد الثورة لأنها لم تستطع تحقيق أى من الأهداف والأحلام التى قامت من أجلها.. فبدلا من أن تقضى على الفقر أو الجهل أو الظلم زاد كل ذلك مما ولد نوعا من الكبت والإحساس بالظلم وعدم الرضا، مما جعل الإنسان البسيط يخرج كل ذلك فيمن حوله، وقد أثبتت النتائج التى توصلنا لها على المستوى الاجتماعى أن الإنسان يخرج طاقاته السلبية على مستوى الدوائر القريبة المتمثلة فى أسرته أكثر من الأبعد، وهى المجتمع الخارجى فقد يظهر أنه إنسان جيد فى عمله وأمام الناس الأغراب ويميل للظهور بذاته وما تحمله من أحاسيس سلبية وتصرفات سيئة وعنيفة لهذا الحد الشاذ فى محيطه الضيق.. وعن طريق الخروج من هذه الدائرة دائرة العنف والجرائم والبلطجة يضيف الدكتور أحمد زايد: أنا ضد فكرة الحل لأن الحل ليس بهذه السهولة، فالحل يتطلب إعادة بناء المجتمع كله كمنظومة قيم وما يستدعى تكاملا من التدخلات السياسية والأخلاقية وتطويرا فى العملية التعليمية لرؤية نهضة حقيقية وليس مجرد كلام أو ترقيع لأن المجتمعات والأمم تبنى بالإصلاح الشامل فى التعليم والصحة والنهضة الاقتصادية والقضاء على الظلم والفقر وأهم شىء أن يتمدد العدل فى جسد المجتمع كله ويترجم فى سلوك وقتها سينتج جيلا متوازنا نفسيا وتختفى تدريجيا مثل هذه الحوادث العنيفة.
 
الدراما والشارع أيضا تربى
 
الدكتورة فاطمة الشناوى خبيرة العلاقات الأسرية والعلاج النفسى والتنمية البشرية ترى أن العلاقة الموجودة الآن داخل الأسرة ليست بمعزل عما هو حادث فى المجتمع وأى عنف وضغوط تنعكس على أفراد الأسرة بصور متفاوتة فتقول: المشاكل الاقتصادية والحالة المتردية للناس وانتشار العشوائيات من أهم أسباب عدم ضبط النفس فى الشارع والتى تنعكس داخل البيت فيعود الإنسان مثقلاً بما يجده خارج البيت ولا يوجد دخل مناسب له فلا نتوقع منه أن يكون لطيفا فى البيت أو مهتما بالحوار مع أسرته، وهذا الحوار الغائب بين أفراد الأسرة أيضا سبب قوى فى التراجع الأخلاقى فأصبح من يربى الأولاد الإعلام والفضائيات الواسعة والتى تمتلئ بأشياء غير واقعية كالفيللات والقصور والتى تتسبب فى الحقد والسخط عند الكثير من الشباب فيتساءل: هم أحسن منى فى إيه؟ والشارع أيضا يربى بما يمتلىء به من خلل ومتغيرات خاصة بعد الثورة وأتمنى أن تكون هذه مرحلة من المراحل الطبيعية بعد الثورات ويعود الشارع المصرى الذى عهدناه.
 
كذلك يجب ألا ننسى أثر العنوسة على المجتمع فوجود أكثر من عشرة ملايين شاب وفتاة تعدوا الخامسة والثلاثين متضايقين ومضغوطين ولم يتزوجوا، شىء ليس بالهين وهو ما يجعل شاب يدمن للهروب من الواقع وكبته يقتل أباه أو أمه.
 
مين السبب؟
 
«الناس أبناء البيئة» هكذا بدأت معى الدكتورة نادية رضوان أستاذ علم الاجتماع تحليلها لما نشهده من تردٍ فى أسلوب التعامل بين الناس وتكمل: من السلوكيات المتردية أيضا مبدأ أخذ حقى بيدى الذى لم نعرفه على مدار تاريخنا كله كما حدث فى حوادث عديدة أليمة فى المحافظات، وهى مستجدات طرأت علينا نتيجة الانفلات الأمنى وعدم تطبيق قانون رادع على الجميع، فالقانون لا يسرى على كل من بالدولة عندما يصدر رئيس الجمهورية قرارات غير دستورية أو يطعن فى القضاء وكما قال الفيلسوف مونتيسكيو: القانون يجب أن يكون كالموت لا يستثنى منه أحدا.
 
والحل كما تراه الدكتورة نادية: إذا بدأ كل واحد بنفسه وفهم الدين بطريقة صحيحة وهو ما يضع المسئولية على رجال الدين إذا فهم الناس دينهم الصحيح من إماطة الأذى عن الطريق ومكارم الأخلاق التى تظهر فى المعاملات والكلمة الطيبة والتمسك بالقيم وليس المظاهر السطحية، ونضغط نحن على أنفسنا الشريحة التى مازالت تتمسك بهذه المعانى ومع أولادنا فإذا ربيناهم بمستوى 100% عند اختلاطهم بالمجتمع قد تقل هذه النسبة قليلا، ولكن لن تصل لمرحلة الانهيار الكامل وإذا توقفنا عن التنازل عن حقوقنا بالقانون فلا نتهاون فيمن يشوه منظر الشارع من قطع شجرة أو القيام بتصرف سي وهذا فى رأيى ليس أقل من الجرائم فهى صورة تكمل بعضها.
 
ثقافة ياللا نفسى
 
الدكتور نبيل القط استشارى الطب النفسى يرى أن ما يحدث داخل الأسرة ليس بمعزل عما يحدث فى المجتمع: التراجع الأخلاقى فى المجتمع واضح ويتمثل فى العديد من الظواهر ليس فقط فى العنف الظاهر من ضرب وقتل وإنما فى ظواهر أخرى لا تقل عنفا كالتحرش وتأثيره النفسى المؤلم على نفسية العديد من البنات إلا أنه موجود ومع أنه لا وجود لمعلومات وإحصائيات كافية تؤكد ظواهر أخرى تعكس الانفلات الأخلاقى والتراجع فى السلوكيات والمعاملات إلا أنها موجودة وحالة الترهل والضعف الشديد بين المواطن والدولة تربيه على التراجع الأخلاقى عامة، فقد تربى ثلاثين عاما على قيم ضد الأخلاق كالغش فى الامتحانات والسواقة فى الممنوع والركنة 02 صفاً وأنه يجب أن يكون لك ظهر متمثلا فى قريب مهم، وهنا بادرته بالسؤال عن الثمانية عشر يوما التى قضيناها كمصريين فى الميدان وكيف استطعنا كسر هذه الصورة ولماذا عدنا كمجتمع أسوأ مما كنا بعد ذلك، فأجاب: خلال هذه الأيام كان الأمر أشبه بناس تعيش داخل جامع بروحانياتهم ثم ما لبثنا أن خرجنا وتعرض الناس للإحباط كإحساس عام وعدم الإحساس بالمساواة والحقوق لتزكية روح المواطنة وكل فرد يقول: «ياللا نفسى» ولا يهمه الطرف الآخر وكل واحد يقوم بالمثل وفى رأيى فإن أخطر ما يكون هو غياب مبادئ المساواة.
 
نظام سياسى صادق
 
والحل كما يراه الدكتور يعتمد على عدة عوامل أولا: وجود نظام سياسى صادق لتحريك المجتمع على مستويات مختلفة ويعتمد على قيم حديثة فى التعامل من حيث الصدق والمساواة والشفافية، فمجموعة المبادئ هذه هى التى تلغى فكرة وجود رئيس جمهورية ومواطن عادى أو مواطن درجة أولى ومواطن درجة ثانية فالكل سواء.
 
ثانيا: الدور التربوى فعندما أطلب من التلميذ أن يحترم المدرس يجب أن أحترمه هو لأنه مهما كان صغيرا يجب أن يفهم أنه كيان كامل الأهلية، وهذا الاحترام هو ما يحمله المسئولية.
 
ثالثا: الإعلام وهنا يجب تبنى فكرتين أولا فكرة التصنيف وهى موجودة أن تكون هناك مادة إعلامية مصنفة لمن هم تحت 81 عاما بمعرفة والديهم لنختار ما يقدم لهذه الفئة السنية بما يتناسب معهم والباقى لمن هم فوق هذه السن.
 
أما الفكرة الثانية فهى خاصة بالقضاء بإعطاء الحق للأفراد أن يتم تحريك قضايا ضد المعلومات والمناظر والمادة التى تنتهك الأخلاق العامة.
 
رابعا: المجتمع المدنى فالجمعيات الأهلية وجدت لإعلاء القيم المجتمعية وغرسها فى المجتمع.
 
خامسا: رجال الدين فالخطاب الدينى بدلا من أن يكون عن عذاب القبر يمكن أن يعلى قيما دنيوية سامية ويمكن أن نعمل على هذا بأن تكون هناك دراسات على موضوع القيم تتكلم نفسيا عنا كمجتمع متدين ؟