الأربعاء 21 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

حالة سينمائية

حالة سينمائية
حالة سينمائية


يجب الوقوف بقوة عند الظاهرة التى صاحبت عرض فيلم «خيال مآتة» فى عيد الأضحى الماضى؛ حيث امتلأت فقرات الـ«يوتيوب» بـرؤية وتحليلات العباقرة الجُدد الذين يقدمون فقرات نقدية شفاهية وهم يُعبرون عن صدمتهم الشديدة فى ما آلت إليه نجومية أحمد حلمى، الذى لم يعد يقدم ما يُضحك الناس مثلما كان يفعل فى سنوات ماضية. وكان السؤال الذى طرحه بشكل مُلح: هل هوَت مكانة النجم فى عالم الكوميديا أو الإضحاك؟

إنها ظاهرة مثيرة للحيرة، بعد أن صارت المفاهيم متغيرة تمامًا فى حياتنا،  بدأت الظاهرة منذ الستينيات، وصارت كلمة «مسرح» تعنى لدى الناس الإضحاك بكل أشكاله التى صنفها الباحثون،  وأن المسرحية التى تخلو من الإضحاك هى بالضرورة نوع مختلف من الفنون، وصار المشاهدون لا يذهبون إلّا نادرًا للمسرحيات غير الكوميدية،  وتطوَّر الأمرُ إلى أن ظهر لدينا ما يسمى بالمسرح السياحى الذى يعتمد على موسم الصيف لتقديم النصوص إلى من جاءوا للفسحة فى بلادنا، وقد ازدهر هذا المسرح بقوة مع بدايات ظهور المضحكين الجُدد فى السينما المصرية،  ومع مرور الوقت صارت لدينا السينما السياحية الصيفية،  وأغلقت دور العرض المسرحى أبوابها، وكان الممثلون الأكثر قبولًا من ملوك الضحك،  وكان على غير المضحكين إمّا أن يغيروا اتجاههم. أو أن يتركوا الساحة، وكان لدينا نجوم يُنبئون بمواهب ممتازة بعيدًا عن الكوميديا صار عليهم أن يسبحوا فى التيار السائد ومن ثم ابتلعت الكوميديا السطحية موهوبين كانوا متميزين فى جميع أدوارهم وأحسسنا أن الإضحاك هو وسيلة العيش المضمونة مثل حالة النجم حسن الرداد.
يعتمد الإضحاك فى السينما المصرية طوال تاريخها على ثلاثة محاور قد تكون فى أحسن حالاتها حين تجتمع معًا، وهم: المؤلف،  والممثل،  والمخرج،  ولعل هذا يفسر الثنائيات التى ظلت مترابطة لأوقات طويلة جدّا بين كل من نجيب الريحانى وبديع خيرى،   يختاران النصوص معًا  ويترجمان،  ويقوم الريحانى بالتمثيل والإخراج، وقد تكرر الأمرُ بين إسماعيل يس وأبو السعود الإبيارى من ناحية، وبين المخرج فطين عبدالوهاب وكاتب السيناريو على الزرقانى من جانب آخر، وكان هذا الألق فى فترة انحسار المَجد عن الثنائى الثانى فصنع الثالث أغرب ظاهرة فى الكوميديا المصرية؛  حيث بدأ فطين عبدالوهاب فى المراهنة على نجوم الصف الأول الذين لم يألفهم الناس فى الأدوار الضاحكة من الرجال والنساء معًا،  وعلى رأسهم رشدى أباظة، وشادية،  وفريد شوقى، ولبنى عبدالعزيز، وهند رستم،  وعمر الشريف،  وقد استمرت هذه الظاهرة طوال الستينيات،  وفى السبعينيات وُلد لدينا خليفة لفطين عبدالوهاب هو محمد عبدالعزيز، واستطاع عمل أفلام كوميدية لها القوة نفسها مع كُتّاب تلك المرحلة،  مثل أحمد عبدالوهاب، وفاروق صبرى، ومن هذه الأفلام «المحفظة معايا» و«انتبهوا أيها السادة»، و«البعض يذهب إلى المأذون مرّتين»،  ومع عقد الثمانينيات مالت المصطلحات مع البزوغ الكبير لنجومية عادل إمام،  فتنافس على العمل معه المخرجون من كل الأجيال،  على رأسهم هنرى بركات،  وأحمد فؤاد،  ومحمد عبدالعزيز،  وأحيانًا المتنوع سمير سيف،  وكانت براعته فى الانتقال السريع بين أفلام الحركة وسينما الإضحاك، نجحت أفلام  يخرجها له مخرجون يمثلون المرحلة مثل أحمد السبعاوى، ونادر جلال.
ظل عادل إمام هو نجم تلك العقود بلا منازع حتى كاد القرن العشرون أن ينتهى،   وهى الفترة التى ظهر فيها محمد هنيدى،   ومن بعده أسماء أخرى نجحوا فى صبغ المرحلة بالكوميديا الخفيفة، وقد يمكن تغليفها بموضوعات وطنية، مثل حرق العَلم الإسرائيلى فى ساحة الجامعة الأمريكية،  وفى تلك الفترة تغيرت مواعيد مواسم الإقبال على الأفلام بسبب النظام التعليمى الجديد،  فصار الموسم الصيفى كسوق بالغة الربحية لعروض الكوميديا.
نعم، أرادت الدولة أن ينشغل التلاميذ طوال الدراسة بالمذاكرة، فكان نظام الفصلين الدراسيين،  والثانوية العامة طوال عامَين،  وانشغل أولياء الأمور أكثر بمتابعة الأبناء،  ولم يعد أمام الشباب وأسرهم سوى موسم الصيف، وكانت الكوميديا هى السبيل الوحيد للترفيه بعد عدة أشهُر من المعاناة مع الدراسة، وتسيدت السينما الكوميدية التى تصنعها أجيال جديدة  أذواق الناس.
بدأت الظاهرة فى منتصف التسعينيات فى فيلم «ياتحب ياتقب» للمخرج عبداللطيف زكى،  ومن خلال ممثل لم تُكتب له الشهرة الكبيرة هو مجدى فكرى، الذى كان يقوم بدور طالب جامعى وشاهدنا من خلاله آلية جديدة تمامًا  للإضحاك؛ حيث يتوقف الحدث الفيلمى تمامًا كى يقوم بإلقاء الطالب مجموعة من النكات والإفيهات وسط زملائه الذين يضحكون مثلما ينفجر الجمهور من الضحك فى الصالة، ومن هنا صارت الأفلام الكوميدية بمثابة إفيهات ضاحكة فى الغالب،  تتخللها قصة  بسيطة،  وكانت هذه هى السمة الغالبة للسينما الصيفية فى العقد الأول من القرن الجديد التى اعتمد عليها النجوم الشباب الجدد، وعلى رأسهم أحمد حلمى ومحمد سعد.
كان عادل إمام قد بدا كأنه استهلك نفسه،  وكررها كثيرًا،  فجاء جيل هنيدى طازجًا جديدًا، مليئًا بالحيوية، ملأ حياة الناس فى الصيف من خلال المسرح والسينما،  وأيضًا برامج المحطات الفضائية،  وكانت الموضوعات الشبابية مفتقدة فى القصص السينمائية، وتصدرت صور هنيدى الأفيشات والإيرادات؛ خصوصًا فى أفلام منها: «صعيدى فى الجامعة الأمريكية» و«همام فى أمستردام»، وجاء ورفاقه معه بمخرجين ومؤلفين جُدد، وفشلت تجارب مع المخرجين القدامَى منهم نادر جلال، الذين انسحبوا إلى  الدراما التليفزيونية، وبدأ القرن الجديد كأنه مزرعة بالغة الخصوبة لإفراز أسماء جديدة من المضحكين الجُدد، الذين جَلبوا للمنتجين مبالغ كبيرة من الإيرادات،  ومن هذه الأسماء كان محمد سعد الشهير باللمبى، الذى بدا حساسًا لنجاحاته،  فلم يغامر أبدًا بالخروج عن نمط اللمبى المضمون النجاح مَهما تغير اسمه، وظهر أحمد حلمى الذى سرعان ما قفز إلى أدوار البطولة،  وبرز أيضًا جيل المطربين الشباب ومنهم مصطفى قمر، ومحمد فؤاد،  وتغيرت طبيعة الأفلام التى يقدمها المنتجون وعلى رأسهم السبكى، وتضمنت الأفلام المزيد من الإفيهات، وانتقل التصوير إلى الأماكن السياحية الجديدة؛ خصوصًا فى جنوب سيناء والبحر الأحمر،  وشكلت هذه الأفلام ظاهرة ملحوظة، وبدأ عادل إمام يراجع مسيرته،  واختاره كاتبه يوسف معاطى الذى ألّف له أغلب أعماله، وكان موفقًا إلى حد كبير، وتم بصم الطابع الكوميدى على كل من يعمل فى التمثيل، ومنهم كريم عبدالعزيز، وأحمد السقا، وأحمد عز، وكانت الكوميديا فى أغلب الأحيان صناعة رجال،  ولم يتم اكتشاف موهبة نسائية لديها قدرات شويكار مثلًا، وانسحبت نجمات الجيل الأسبق،  وتركن الساحة للجيل الجديد،  بعد أن خابت تجربة «بونو بونو»،  ومع يناير 2011،  بدأت الشاشة تلتقى بأسماء ووجوه أخرى،   وتفوّق أحمد حلمى فى بعض أفلامه منها «عسل أسود» و«إكس لارج»، ثم عاد إلى اختياراته المتذبذبة لسنوات غير قليلة،  فلكل فيلم ذائقة،  لكنه ليس مضمون النجاح،  ووصل الأمر إلى الحال الذى  أصبحت عليه سينما الصيف للعام 2019،  أفلامًا متباينة الموضوعات،  أغلبها من الأكشن الذى تمت صناعته بمهارة فى «كازابلانكا» ، و«ولاد رزق2»،  والفيلم الوطنى «الممر»،  وفى فيلم « الفيل الأزرق 2» شاهد الناس قصة غرائبية طويلة معقدة.
وهكذا فإن جمهور هذا الصيف لم يضحك مثلما كان يفعل من قبل، وهو الذى توقع أن ينفجر من القهقهات، لكن هذا لم يحدث،  وبدا أن علينا أن ننتظر المضحكاتى الجديد القادم ومعه كاتبه  الشاب، ومخرجه كى يفجر ضحكات الناس، مع بداية العقد الثالث من القرن الحالى.
يأتى ذلك ونحن نضع فى الاعتبار أن الممثل الكوميدى؛ خصوصًا النساء، حالة خاصة فى الاستمرار، والحضور، وأن تاريخ هذا الممثل فى جميع الوسائل التى يتواجد فيها يعمل فى ظروف صعبة، وأن عمر القدرة على الإضحاك مرتبط فى أغلب الأحيان بالعمر وسِن الشباب،  وأن ما كان يفعله تشارلى شابلن من حركات مضحكة وهو فى مقتبل عمره لم يعد قادرًا على فعله عندما وصل إلى منتصف الأربعينيات من عمره، وانطبق هذا على جيرى لويس،  وجاك ليمون، وجيم كارى، وأيضًا على الكسار،  ومحمد صبحى، وعبدالمنعم إبراهيم،  وفؤاد المهندس، وكانت هناك حالات استثناء ملحوظة بالنسبة للفرنسى لوى دى فينيس،  والإيطالى توتو ، ونجيب الريحانى،   وعادل إمام.