الأربعاء 29 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

جمال عامر: «حسن فتحى» فكرة صالحة لكل زمان

جمال عامر: «حسن فتحى» فكرة صالحة لكل زمان
جمال عامر: «حسن فتحى» فكرة صالحة لكل زمان


ريشة الفنانة: مها أبوعمارة
رجل واحد لا يستطيع أن يبنى منزلًا لكن عشرة رجال يستطيعون بناء عشرة منازل إنها فلسفة شيخ المعماريين «حسن فتحى» صاحب نظرية التكافل الاجتماعى لبناء المجتمعات فـ«حسن فتحى» ليس أسلوبا أو طريقة معمار فقط لكنه فكرة صالحة للإيمان بها على مر الزمان وفى كل العصور.
تميز معمار «حسن فتحى» بالأصالة والمصرية، فقد كان يحلم دوما بتصميم بيت مصرى يحفظ للعائلة الشرقية خصوصيتها ويعبر عن الشخصية المصرية بتقاليدها فقد ربط العمارة بالتقاليد والموروثات وشخصية المجتمع.
تميز معمار «حسن فتحى» بالأصالة والمصرية، فقد كان يحلم دوما بتصميم بيت مصرى يحفظ للعائلة الشرقية خصوصيتها ويعبر عن الشخصية المصرية بتقاليدها فقد ربط العمارة بالتقاليد والموروثات وشخصية المجتمع.
ومع المهندس المعمارى جمال عامر تلميذ المعمارى «حسن فتحى» تحدثت معه عن فلسفة «حسن فتحى» ومدى ملاءمتها لهذا العصر وندوة الخامسة عصرا التى كانت تجمع «حسن فتحى» بتلاميذه وما كان يدور فيها.
• كيف أثرت نشأة «حسن فتحى» فى فنه؟
- «حسن فتحى» نشأ فى أسرة أرستقراطية والدته كانت من أصول تركية وكانت نظرته للريف نظرة محدودة حتى عمر العشرين.
لم يكن يعلم عن القرية الريفية شيئا حتى بدأ يزورها ويشعر بها وعندما بدأ العمل كمهندس معمارى بدأ يبحث عن الهوية المصرية فى مجال العمارة وبدأ يعمل على بعض المبانى التى لها طراز تركى بعد الشيء كقصر المانسترلى,حتى تم تكليفه بمشروع القرنة من قبل وزارة الإرشاد وهى وزارة الثقافة حاليا.
• مرحلة القرنة هى مرحلة مهمة فى حياة «حسن فتحى» حدثنا عنها؟
- بعد أن تم تكليفه ببناء مساكن للناس الذين سيتم نقلهم لوجود آثار تحت منازلهم واجه «حسن فتحى» حملة شرسة ضده وشعر بإحباط شديد، حتى إن المشروع فشل، لم يفشل معماريا لكنه فشل من قِبلَ الناس الذين رفضوا الفكرة من الأساس وحاولوا تدميرها رافضين النقل وفتحوا هاويس المياه عدة مرات لإغراق المشروع .. فى المقابل كان «حسن فتحى» يفكر فى هوية المشروع من حيث شكل المبانى التى تتناسب مع المكان العبقرى المحاط بمعبد الرامسيوم ومدينة هابو وتحت أقدام تمثالى منيمون كان التفكير فى شكل العمارة التى سيختارها. ولم يستقر على شكل العمارة إلا عقب رحلة قام بها لقرية بجنوب أسوان.
كان شقيقه الأكبر أحمد فتحى هو الذى اقترحها عليه، حيث كان يعمل مهندسا فى خزان أسوان وضمت الرحلة عباقرة وفنانى مصر( إنجى أفلاطون ومنير كنعان ورمسيس ويصا واصف وآدم حنين)، حيث ذهبوا ليروا كيف كان يبنى الناس منازلهم بالطوب الأخضر وعاد لمصر بكم من الأفكار بعد أن وجد ضالته وبدأت رحلته فى تصميماته الخاصة . . وبدأ العمل فى القرنة من خلال مخطط عام للقرية التى كانت تسمى القرية النموذجية .
• هل أحبطته هذه المعوقات على مشروعه النموذجى؟
- طبعا، تعرض «حسن فتحى» لحملة عنيفة من قبل السكان نفسهم ومن المقاولين فضلا عن أن المشروع كان بإمكانات بسيطة، فقد أقام فيللا لرئيس مدينة القرنة بـ300 جنيه فقط فحاربه بعض المنتفعين كان من مصلحتهم ألا يخرج هذا المشروع للنور.. بنى «حسن فتحى» 20 % من مخطط القرية (الجامع وقصر الثقافة والمبانى الخدمية والخان ومنزله وعدة بيوت أخرى وساحة التحطيب) وكانت تدعمه الأميرة فايزة أخت الملك فاروق.. كان فى تصميمه المعمارى يراعى البعد الاجتماعى للعمارة كان دائما يقول إن المنزل هو بورتريه لمالكه بمعنى هو انعكاس لشخصية صاحبه، فالمرحلة الأولى كان فيها 100 منزل لا يوجد منزل يشبه الآخر، كل منزل كان له شخصيته المنفردة .
• هل تصلح عمارة «حسن فتحى» للزمن الحالى؟
- «حسن فتحى» هو فكرة، كان يبنى بالمواد المتاحة وليس بالطوب النى فقط كان يهتم بالراحة الحرارية للمبنى مع الحفاظ على الهوية الشخصية، استخدم الأخشاب والأحجار والقباب وهى عمارة صالحة حتى وقتنا هذا.
نستطيع أن نخلق الهدوء والبراح إذا أردنا، فنحن نعيش على أقل من 5 % من مساحة الأرض فى مصر.. نستطيع أن نبنى حتى أرضى ودورين وخاصة فى الأماكن المفتوحة والمدن الجديدة وبعض الأماكن التى لها طبيعة خاصة كالمناطق السياحية والساحلية والمدن الجديدة ومناطق الاستصلاح.. القبة يمكن أن تكون دورين أو ثلاثة وكالة الغورى خمسة أدوار من القباب بدون خرسانة
الخرسانة هى اختراع القرن العشرين .
• هل التكافل الاجتماعى هو المقصود بعمارة الفقراء؟
- نعم، فعمارة الفقراء هو كتاب تناول فيه «حسن فتحى» رؤيته الخاصة حول العمارة البيئية فى مصر وتجربته فى قرية القرنة والكتاب كتب بالإنجليزية وترجمه فيما بعد الدكتور مصطفى إبراهيم.
الترجمة الصحيحة لها هى البناء مع الشعب أو عمارة من أجل الفقراء نشر الكتاب فى الولايات المتحدة عام 1973 بواسطة جامعة شيكاغو تحت اسم Architecture for the poor وقد كان ملحقًا بالكتاب عدة ملاحق عن التكلفة الاقتصادية لبناء المنازل من الطوب اللِبن ومدى تحمل هذه المبانى عبر التجارب المعمارية.
• ماذا كنت تتوقع ردة فعل شيخ المعماريين إذا رأى عشوائيات هذا الزمن وهل كان سيقدم حلا للمشكلة؟
- هويتنا المصرية ضاعت فى عصر السادات، حيث تواكب ذلك مع سفر المصريين للخليج وعودتهم بالأفكار الوهابية والتدين غابت سمات الهوية المصرية المعمارية وأنا هنا لا أتحدث عن السياسة بل العمارة فالعمارة هى شاهد على العصر.
وقد رأى شيخ المعماريين بعضا من العشوائية فى أواخر أيامه، كان لديه نظرة استباقية تشخيصية استشرافية لكنه لم يكن يتخيل أن تصل لهذه الدرجة كان يرى أن المسار يسير بشكل خاطئ بداية من السبعينيات كان يرى أن لدينا أزمة حتى فى عصر كبار وزراء الإسكان.
• كان هناك جلسة يومية فى الخامسة عصرا بين «حسن فتحى» وتلاميذه وأنت واحد منهم حدثنا عن هذه الجلسات؟ ونصائحه لك؟
- منذ أن كنت فى الجامعة وأنا أحب أن أعمل على نمط «حسن فتحى» وأحب أعماله وجاء دكتور بهاء بكرى وقال لى يجب أن نزور «حسن فتحى» ولم يستطع أن يأتى بهاء فكرى لظروف خاصة فذهبت لوحدى لمنزل «حسن فتحى» فى درب اللبانة كنت متوترا جدا.. استقبلنى وجلس معى ولم نتحدث فى أول لقاء عن العمارة، بل سألنى عن نوعية الموسيقى التى أسمعها وقال لى أنه يحب بيتهوفن وأرانى الكمنجة التى كان يعزف عليها .
وكان فتحى صديقًا شخصيًا لهنرى فولكاريان مايسترو عظيم فى العصر الحديث وأخبرنى أنه يذهب للنمسا للعزف فى مهرجان سالزبورج .
وقال لى عندما تسمع موسيقى جيدة سوف تصمم عمارة جيدة .
وبعد ذلك عرفت أنه عازف ماهر وكاتب مسرحى وله مسرحية بعنوان قصة مشربية كانت تدور حول فكرة الأصالة والمعاصرة
كما أن له لوحات فى الفن التشكيلى وكان مهتما بالأدب.. كانت أهم نصائحه لى هى أن أبعد عن السذاجة فى التصميم بمعنى السطحية وكان ينصحنى دائما بالإخلاص للفكرة .
• وماذا عن «حسن فتحى» الإنسان؟
- «حسن فتحى» كان متواضعا ولم يكن متعاليا كان مختلطا بالمجتمع كله وبكل طبقاته، وكان كل يوم يتناول عشاءً فاخرا مع الأمير تشارلز أو الأمير صدر الدين أغاخان ويوم آخر مع تلاميذه كان يحب شوربة العدس.
كان يشجعنى جدا على العمل وكان يحب أن يكبر من يعمل معه لم يكن يحمل أى ضغائن لأحد.
جلسة الخامسة كانت شبه يومية ومن تلاميذه أيضًا كان رامى الدهان وسهير فريد ومحمود نسيم وشفيق نصر وكان أيضا يحضر فى بعض الأوقات أساتذة كبار كالدكتور أبوزيد راجح والدكتور يحيى الزينى والدكتور ثروت عكاشة والوزير السابق فاروق حسنى وكانت النقاشات فى كل مناحى الحياة.
كنا نتقابل جميعا فى بيت درب اللبانة وكانت الجلسات ممتعة وثرية.•