الأربعاء 3 ديسمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

مبروكة خفاجى.. أم حكيم الصحة

مبروكة خفاجى.. أم حكيم الصحة
مبروكة خفاجى.. أم حكيم الصحة


كتب: د. عاطف الشيتانى

 بعد شهور قليلة من الزواج، انفصلت مبروكة خفاجى، الفلاحة البسيطة عن زوجها وتركت بلدتها مطوبس بمديرية الفؤادية (كفر الشيخ لاحقا)، ورحلت إلى الإسكندرية وهى حامل فى طفلها الأول والوحيد.

بعد الولادة، اضطرت مبروكة أن تعمل «داية»، وكانت مؤمنة بأن تعليم ابنها هو السبيل الوحيد الذى سيجنبه ويلات الفقر والتخلف اللذين عانت منهما، فألحقت طفلها بمدرسة رأس التين الابتدائية، وأظهر نبوغا مبكرا وكان ترتيبه الأول فى الشهادة الابتدائية التى حصل عليها عام 1892.
وعندما علم الأب بذلك، حاول أن يضمه إلى حضانته لأن الشهادة الابتدائية وقتها كانت تضمن لصاحبها وظيفة محترمة، ولكن كان طموح الأم وإصرارها على تعليم ابنها بلا حدود رغم المعاناة من الفقر المدقع.
وفى إحدى الليالى، منحت الأم ابنها كل ما لديها من نقود، وهرّبته عبر أسطح المنازل مستجيرة بإحدى عائلات الإسكندرية الكبيرة التى أرسلته سرّا للقاهرة، وهناك ألحقته بالقسم الداخلى فى المدرسة الخديوية بدرب الجماميز، ليستكمل دراسته الثانوية وينال منها شهادة البكالوريا بتفوق فى عام 1897.
التحق الشاب بمدرسة الطب بقصر العينى وتخرج فيها عام 1901 ، وكان طالب الطب يتلقى آنذاك إعانة ثلاثة جنيهات شهريًا، تشجيعًا له على مواصلة الدراسة، وعرفانًا منه بفضل أمه، كان يرسل إليها كل المبلغ، أما هو فقد كان يتعيش بما يحصّله من قراءته للقرآن على المقابر فى أيام الجمع.
اتجه للعمل فى مصلحة الصحة (قبل إنشاء الوزارة)، وتصادف أن وقعت حادثة كشفت عن نبوغه اللافت فى مجال تشخيص الأمراض، إذ ظهر وباء جديد فى قرية بوشا بالقرب من مدينة أسيوط احتار فى وصفه الأطباء وانتدب إلى هناك، حيث شخّص المرض باعتباره كوليرا آسيوية.
وانطلقت شهرة الطبيب الشاب فى القطر المصرى، فى وقت كانت الناس لا تثق إلا فى الطبيب الخواجة، إلى أن أصيب السلطان حسين كامل بمرض عضال ألمّ به وفشل فى علاجه الأطباء الأجانب فأشار مستشارو السلطان عليه بالطبيب المصرى الشاب، الذى أجرى له عملية جراحية ناجحة أنعم بعدها السلطان عليه بلقب جراح استشارى الحضرة العلية السلطانية.
هذه قصة الدكتور النابغة على باشا إبراهيم رحمه الله، أول عميد منتخب لطب قصر العينى عام 1929 ووزير الصحة الأسبق 1940، وأول من فتح الباب لدراسة الفتيات للطب، ومؤسس نقابة الأطباء والجمعية الطبية المصرية.