الأربعاء 25 سبتمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

صبرى فراج: الناى ليس حزينًا

صبرى فراج: الناى ليس حزينًا
صبرى فراج: الناى ليس حزينًا


دخل متلمسًا حائط الغرفة حاملاً حقيبة طولية الشكل فى يد وعصا باليد الأخرى، يتتبع خطوات هو وحده يعرفها جيدًا حتى وصل إلى كرسيه الذى اطمأن إلى وجوده بحركة اعتيادية من عصاه.إنه «صبرى فراج»، شاب فى منتصف الثلاثينيات فقد بصره، لكن لم تنطفئ بصيرته، حيث تخرج فى كلية الآداب وعمل مدربًا للكمبيوتر وأتقنه حتى وصل إلى تصميم برامج بنفسه، وفى الوقت نفسه طور موهبته كعازف موسيقى على آلة الناى، وبوجه مبتسم بادرنى بالحديث: «بحاول أكون صورة إيجابية وأنشر التفاؤل فى وشوش الناس».
والتقط أنفاسه قبل أن يضيف: «فقدت بصرى وأنا طفل صغير لا أتعدى الثانية من عمرى نتيجة لخطأ طبى، وبالتالى لم أجد صعوبة فى التكيف مع العالم لأنى لم أذكر ما رأيته منه»..بدأت الموسيقى وأنا فى سن الخامسة كنت أسعد كثيرًا وأنا أستمع إلى الراديو وأشعر أن هناك من يشاركنى لحظات صمتى ووحدتى، فهى العالم الذى لا يتوقف عن الحياة فكل نغمة نبض، وكل كلمة إحساس».وتابع قائلاً: «قررت أن أتعلم الضرب على تلك الآلات الموسيقية التى ينبع منها صوت الحياة، فتعلمت العزف على العود لفترة لكن لم أجد نفسى فيه، وتعلمت آلة بعد أخرى حتى وصلت إلى بغيتى وهى آلة الناى وما جذبنى إليها أنها فى غاية البساطة سواء الشكل أو الصنع فهى بعيدة عن التجميل أو التعقيد، تتسرب إليها أنفاسك فتجدها ترد عليك بنغم صافٍ لا يتحول ولا يتغير هو فقط وسيط بين صوتك والعالم الخارجى.
آلة صادقة
 لا يحب صبرى أن يصف الناى بأنها آلة حزينة بقدر ما هى صادقة، فهى «تقرأ ما بنفسك وتترجمه إلى نغمات، وكأنها قصة تروى بصمت الكلام فى رقى وتلقائية».
وأضاف: «لم أكتف بالعزف العشوائى، ولكن بدأت أذاكر وأتعلم وعملت مع فريق جمعية (فجر التنوير للمكفوفين) كنشاط موسيقى مع الطلبة وكنت أجلس مع الأطفال فى الجمعية نغنى ونلعب مزيكا لإدخال البهجة والسعادة على قلوبهم، إحساس أكثر من رائع وأنا أسمع أصوات الأطفال وهى تغنى أو تنقر أياديهم الصغيرة على الطبول والبيانو ويتردد صدى أصواتهم الرقيقة فى أرجاء المكان بحلوها ونشازها.
وكان للموسيقى فعل السحر عليهم، فمن يفقد إحدى حواسه تتنبه لديه باقى الحواس الأخرى بصورة أكثر حدة ووضوحًا مما لدى الشخص السليم المعافى، فنحن نرسم الموسيقى ونتذوقها، نتخيلها تمشى على قدمين، الكلمة ترفعنا وتنزل بنا».
وصمت برهة وتابع: «بمجرد أن أمسك بالناى لا أستطيع تحديد ما سأشدو به، ولكنه هو من يحركنى، فالموسيقى بالنسبة لى حياة والناى مهما غبت أو انشغلت عنه أعود فأجده مكانه، ودون أن أشعر أجدنى أعزف لحنًا حزينًا يبكى أو سعيدًا يرقص.
كوّن صبرى مع مجموعة من أصدقائه فرقة موسيقية تغنى فى الحفلات والنوادى وأماكن ثقافية مثل ساقية الصاوى وسجلوا فى التليفزيون العديد من الحلقات، وأكثر ما يسعده وهو يعزف للجمهور أن يشعر باستمتاعهم بما يقدمه من فن، وليس مشاعر الشفقة على مجموعة من المكفوفين لديهم بعض الموهبة، لأن هذا الإحساس يقتل الإبداع لأن الفرقة تقدم فنًا حقيقيًا.
ذاكرة صبرى الصوتية القوية ساعدته على النجاح فى حفظ وإتقان الموسيقى، فيستطيع أن يحتفظ باللحن فى ذاكرته طويلا ويظل يشدو به حتى يتقنه: «نفسى الموسيقى ترجع زى زمان نغم وطرب وإحساس مش «دربوكا» الموسيقى ليست مهنة، لكنها نغم الحياة».
أصدقائى المبصرون يتعلمون منا - نحن المكفوفين - الصبر والبساطة فى العيش لأنهم لا يحسنون استغلال إمكانياتهم وقدراتهم، بل يجيدون التنكيد وإهدار سعادتهم فى أمور لا تستحق.