الجمعة 6 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

.. خذلنى

.. خذلنى
.. خذلنى


نأسف أحيانا لوجود شخص فى حياتنا.. يوهمنا للحظة أنه الحضن الذى سيداوى جروحنا، ويشفى أوجاعنا بل ملجأنا فى عز الأزمات!!.. لكن مع الأسف يخذلنا رغم دوره الكبير فى تكوين وجداننا.. أتحدث عن «الآباء» الذين خذلوا أبناءهم، وكانوا مصدر تعاستهم ومنبع الخوف والقلق لهم.. بدلا من أن يكونوا مصدر فخر وسند وأمان.

 الأب كيان.. صعب هدمه، إذا انهار أمام الأبناء، انهارت معه أشياء ومعان كثيرة.
خذلنى يوم خطوبتى
 تقول «منار فؤاد» - 28 سنة -: رغم انفصال أبى وأمى منذ صغرى.. كنت دائمة السؤال عن أبى والاتصال به، حتى بعد زواجه.. ورغم تقصيره فى حقى وقلة سؤاله عنى، فلم يجعل قلبى يقسو عليه.. خذلنى أبى فى مواقف كثيرة منها مسئوليته تجاهى كأب وصرفه عليَّ.. لكننى كنت أبرر تقصيره بأن زوجته الثانية هى من تفعل هذا.
 وفى يوم أخبرت أبى أن هناك عريسا يريد الارتباط بى.. وطلبت منه أن يكون موجودا.. ليتعرف عليه ويكون شاهدا على قراءة الفاتحة والخطوبة واتفاقات الزواج.. أتذكر جيدا أنه هنأنى وأكد لى حضوره.. وأخبرت وقتها أمى بأننى دعيت أبى للحضور حتى لا تغضب منى.. وانتظرته يأتى، واتصلت به كى أعرف سبب تأخيره، فوجدت تليفونه مغلقا.
توقفت منار وكأنها تذكرت الموقف ثم أكملت وعيناها مليئة بالدموع: أنقذ زوج أمى الموقف ورحب بالمعازيم واستقبلهم استقبالا فخما يليق بهم وجلس معهم وقرأنا الفاتحة.. وتعامل مع الموقف وكأننى ابنته.. وانهمرت دموعى وأنا جالسة بجانبه.. وكل من حولى كانوا يعتقدون أنها دموع الفرحة والسعادة.. لكنها كانت دموع القهر والحزن من أبى الذى خذلنى أمام الجميع!! .
طلعنى عيل قدام أصحابى
 أحمد ياسين- محاسب 25 سنة - يروى قائلا: اتفقت أنا وأصحابى أننا نفتح مشروعا خاصا، وأن يكون المشروع «كافيه».. وأخبرت أبى بفكرة المشروع وطلبت منه أن يمدنى بالفلوس، وافق وأخبرنى أن المبلغ الذى طلبته منه سيكون جاهزا فور اختيار المكان والبدء فى التنفيذ، قمت أنا وأصحابى بدراسة الجدوى واختيار المكان، وعندما طلبت منه المبلغ للبدء فى التنفيذ، بعد أن دفع كل واحد من أصحابى المبلغ الخاص به، خذلنى أمام أصحابى بأنه لن يعطينى شيئا، وتسبب فى مشكلة بيننا وخسارتنا وتوقف المشروع، ومن وقتها أخذت عهدا على نفسى، أننى لن ألجأ له فى أى شىء مرة أخرى.
سافر وسابنى
تقول إيناس عادل - 33 سنة : أبى كان رجلا يتسم بالطيبة والحنان.. لكنه كان يريد أن يعيشنا فى مستوى أعلى مما يجب.. فسافر الإمارات وظللنا هناك حتى كبر أخواتى البنات.. وقررت أمى الرجوع إلى مصر لالتحاقهن بالجامعة، لكن أبى قرر الاستمرار هناك لوحده، وقتها كان عمرى 9 سنوات، وتوفيت بعدها أمى بـ 9 سنوات، وأتذكر أننى رأيت أبى فى هذه الفترة وقعدت معه حوالى 9 مرات.. نسيته ونسيت «إزاى» كان أبى.. وتذكرت بعض الأشياء وكأن الصورة «طشاش».. وعندما توفيت أمى، توقعت أنه سيعود ويجلس معى.. خاصة أن أخواتى تزوجن، وأنا كنت أعيش وحيدة.. لكن المفاجأة أنه رفض ينزل!!!.. لأننى رفضت أن أسافر معه.. وعشت من يومها عند أخواتى، وهو ولا هو هنا!!.. كان يرسل لى مصروفا ضعيفا جدا رغم أنه يعلم جيدا أننى أعيش لوحدى.
وبعدما اشتغلت واستقررت فى بيت أمى.. قرر يقطع المصروف.. وشلت الهم لوحدى بدرى.. وانتظرت أن يرجع، وظللت منتظرة، لدرجة أنه كل ما يتقدم لى عريس ويكتشف أننى عايشة لوحدى «يطفش» وهذا كان يقوينى أكثر.. حتى أصبحت رجلا متنكرا فى زى أنثى.. وعاد أبى وأنا عندى 30 سنة وتوفى وأنا عندى 32 سنة.
 وبنبرة حزينة وبسخرية تكمل قائلة: عاد أبى، لكنه لن يعود ليجلس معى ويأنس وحدتى، بل عاد ليموت فى بلده.. فقد حاولت أن أكون له ابنة، لكننى فشلت لأنه لم يكن لى أبا.. فقد خذلنى طوال حياتى.. والغريب أننى الآن نادمة ومن المؤكد أنه أيضا نادم!!!!.
ويرى دكتور فؤاد الدواش - استشارى الصحة النفسية - أن هناك ثلاثة أسباب لخذلان الأب لابنه..
أولاً، أن يكون تفكير الأب غير متناسب مع تفكير الابن واحتياجاته، أو أن يكون تفكير الأب محبطا للابن وليس لديه الواقعية المرتبطة بقدرات الابن وهذا فى حد ذاته خذلان على مستوى التفكير..
ثانيا، خذلان على مستوى المشاعر.. أن يكون الابن متأثرا بموقف ما ويأتى الأب ويقوم بجلده ولا يتعاطف معه.
ثالثا، على مستوى السلوك والتصرف، وينقسم هذا إلى قسمين أن يكون الاتصال متشابها، بحيث يكون هناك تشابه بين الابن والأب فى الاتصال، أو أن الاتصال بينهما عابر، وبالتالى يشعر الابن بالخذلان تجاه الأب على مستوى التصرف.. عندما تكون تصرفات الأب غير متناسبة مع المرحلة، وغير متناسبة مع احتياجات ابنه وتوقعاته.. وبالتالى يسمى هذا فى العلم «بالإحباط» إحباط الابن تجاه تصرفات أبيه أو نموذج الأب بأكمله.
وهذا هو التحليل النفسى لمسألة الخذلان.. والروشتة الأساسية لعلاج هذا هى المراقبة.. مراقبة الأب لنفسه.. بمعنى يجب أن يراقب الأب كيف يشعر وكيف يفكر وكيف يتصرف وأثر ذلك على الابن فى كل مراحل حياته المختلفة.. وإذا تحقق ذلك سيحدث نوع من التفاهم فى دورة حياة الأسرة ودورة التربية والمسئولية والتنشئة.
 فلسفة تربية
 من الناحية الاجتماعية تقول د. «هدى زكريا» - أستاذ علم الاجتماع: إن إهمال الأب وانهيار صورته أمام الابن، يؤثر على شخصيته بشكل سلبى، وينشىء جيلاً من الأبناء ناقمًا على آبائهم.. ضعيف الشخصية.. متخبطًا فى اتخاذ قراراته وغير قادر على تنفيذها.. فهذه فلسفة تربية، وعلى الآباء أن يكونوا أكثر وعيا فى المعاملة مع أبنائهم وتحمل المسئولية تجاههم.. فالأب يجب أن يزرع الثقة والصداقة والمصداقية فى كلامه ووعوده بينه وبين ابنه، حتى لا يحدث خلل للأبناء ويفقد الأب الصورة المثالية المحفورة فى وجدانهم. •