الأحد 5 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

الأخبار الكاذبة تجتاح العالم (6).. مخترع الإنترنت: الكذب يهدد حياتنا

الأخبار الكاذبة تجتاح العالم (6).. مخترع الإنترنت:  الكذب يهدد حياتنا
الأخبار الكاذبة تجتاح العالم (6).. مخترع الإنترنت: الكذب يهدد حياتنا


منذ عدة أشهر أطلقت سلسلة من المبادرات ضمن مساعى مكافحة دوامة «الأخبار الكاذبة» التى تجتاح العالم الآن، منها مبادرة «نزاهة الأخبار» وهى صندوق قيمته 14 مليون دولار، مهمته تمويل المشروعات التى تحارب الأخبار الكاذبة أو المزيفة أو المفبركة.. وكان تقرير مؤتمر الأمن الدولى الذى عقد فى ميونيخ هذا العام قد تعرض لمدى خطورة الأخبار الكاذبة على الوضع الجيوسياسى الدولى.
واتخذت ألمانيا قرارًا جريئًا أصبحت، بناءً عليه، أول دولة تجرّم انتشار الأخبار الكاذبة على الإنترنت.
ومن أبرز جهود مكافحة هذا الوباء، ما أقدم عليه مخترع الإنترنت والأب الروحى للشبكة، عالم الكمبيوتر البريطانى السير «تيم بيرنرز لي» الذى اقترح فى عام 1989 فكرة.w. w. w ( أى الشبكة العنكبوتية العالمية) وفى العام التالى 1990 أنشأ أول موقع إلكترونى على الإنترنت فى تاريخ البشرية. وكان فى الثالثة والثلاثين من عمره وهو مهندس وعالم كمبيوتر وأستاذ فى علوم الكمبيوتر فى جامعة أوكسفورد، ويحمل لقب «سير».. ومع أن هذه الشبكة العجيبة غيرت وجه الحياة البشرية تمامًا، ووفرت كمية هائلة من المعلومات لمليارات البشر، كما كانت حجر الأساس لآلاف المشروعات الصغيرة والعملاقة، التى وفرت فرص عمل لملايين البشر، إلا أن الرجل أصابه حزن شديد وتألم لاستغلال اختراعه فى نشر الأكاذيب وتلفيق الأخبار لأغراض ضارة بالناس والحقيقة، ومخربة للحياة الآن وفى المستقبل.
من هو هذا الرجل؟
قبل أن نستطلع تفاصيل مشروعه لمكافحة الكذب الإلكترونى، نتعرف على المهندس «أبوشبكة المعلومات الدولية - الإنترنت» الذى قام فى ديسمبر 1990 بتنفيذ أول اتصال ناجح بين كمبيوتر متصل بالإنترنت عبر برتوكولHTTP  وبين موفر البيانات «السيرفر» عبر الشبكة، ليثبت نجاح الإنترنت فى نقل البيانات والمعلومات. وتم له هذا الاختراع بمشاركة أحد طلابه وهو «روبرت كيلاو» داخل مختبر الأبحاث الفيزيائية.
وقد كتب «سير تيم بيرنرز لي» مخترع الإنترنت مقالاً فى جريدة «الجارديان» يكشف فيه عن معاناته ويدعو جميع المهتمين بالأمر إلى المشاركة الفعالة فى مكافحة وباء الأخبار الكاذبة ويعلن برنامج عمله من خلال مؤسسة «ويب فوندايشن» التى أنشأها ويديرها بهدف ضمان أن يكون الإنترنت فى خدمة الإنسانية والحقيقة والتقدم، وهذه مقتطفات من أقواله وأفكاره:
«منذ 28 سنة، قدمت أول مقترح لإنشاء شبكة عنكبوتية عالمية. كنت آنذاك، أتخيل أن هذه الشبكة ستكون بمثابة منصة معلوماتية مفتوحة، من شأنها أن تسمح لكل الأشخاص فى كل مكان بمشاركة المعلومات واقتناص الفرص والتعاون مع الآخرين، متجاوزًا بذلك كل العوائق الجغرافية والثقافية.. فى الوقت الراهن، أعتقد أن هذه الشبكة قد حققت جزءًا من هذه التطلعات، على الرغم من أنه توجب علينا خوض معارك مستمرة لنضمن أن هذه الشبكة متاحة للجميع. فى المقابل، تنامت مخاوفى نظرًا لانتشار ظواهر جديدة أعتقد أنه من الضرورى أن نجابهها ونعالجها بشكل فعلى، حتى نتأكد من أن شبكة الإنترنت ستحقق الفائدة المنتظرة منها وستلعب دورها الحقيقى كأداة لخدمة الإنسانية جمعاء.
من السهل نشر المعلومات الكاذبة 
فى إمكان معظم الأشخاص حاليًا الحصول على الأخبار والمعلومات من الإنترنت، بالولوج إلى العديد من مواقع التواصل الاجتماعى المعروفة ومحركات البحث. ومن المثير للاهتمام أن هذه المواقع تكسب المزيد من المال فى كل مرة نضغط فيها على الروابط التى تعرضها علينا.
وبعض المواقع تعمل على تزويدنا بالمعلومات الكاذبة والشائعات التى تتسم بالغرابة أو التى تكون صادمة أو مثيرة، نظرًا لأنها تجذب انتباه مستعملى الإنترنت، وبالتالى تنتشر فيما بعد كالنار فى الهشيم. ومن خلال توظيف علم البيانات وعدد كبير من البرمجيات، يمكن لأى شخص ذى نوايا سيئة أن يتلاعب بنظام الإنترنت، وينشر الشائعات والأكاذيب من أجل تحقيق أغراض مالية أو سياسية.. فلا بد أن نتصدى جميعًا لظاهرة نشر المعلومات الزائفة، من خلال حث المواقع الكبرى التى يستخدمها الأفراد بشكل مكثف، مثل جوجل وفيس بوك، على العمل للحد من هذه الظاهرة، ولكن من الضرورى تجنب خلق هيئة أو طرف معيّن يقرر ما هى المعلومات الصحيحة وما هى الكاذبة.. من ناحية أخرى أصبحت الدعاية السياسية علي الإنترنت، بسرعة كبيرة، صناعة ضخمة ومعقدة، وفى الوقت الذى يستقى فيه أغلب الأشخاص معلوماتهم من عدد محدود من المواقع الإلكترونية، تركز الحملات الانتخابية على استغلال ذلك واستهداف الأفراد وتوجيه الدعاية لهم بشكل مباشر، خاصة فى ظل تزايد تعقيد وتطور الخوارزميات التى تجمع البيانات الشخصية للمستعملين وتحلل سلوكهم.. وأكد العديد من المراقبين أن ومضات الدعاية السياسية فى الولايات المتحدة وفى باقى العالم يتم استغلالها بطرق غير أخلاقية، بهدف توجيه الناخبين والتلاعب بهم وذلك من خلال نشر الشائعات، أو من أجل إثناء ناخبين آخرين عن المشاركة وإبقائهم خارج دائرة الفعل.. على العموم، تعتبر هذه المشاكل على درجة كبيرة من التعقيد، ولذلك لن تكون الحلول بسيطة أو سهلة، ولكن يجب علينا العمل بشكل جماعى مع شركات الإنترنت لخلق توازن وممارسة ضغط هائل على كل الأطراف، لفرض نوع من الرقابة على البيانات المنشورة على الإنترنت التى يتداولها المستخدمون.
كما يمكن أن يتحقق ذلك من خلال تطوير تكنولوجيا جديدة لحماية البيانات الشخصية، ومن الضرورى أن نعارض تدخل الحكومات وأن نتصدى لقوانين الرقابة التى تسنها لانتهاك خصوصية الأفراد، واللجوء للمحاكم إن لزم الأمر.. كما نحتاج لسن قوانين جديدة لسد الفراغ  التشريعى الموجود فى القوانين المنظمة لاستخدام الإنترنت.
كلنا شركاء فى الإنترنت
فى الحقيقة، قد أكون أنا من اخترع الشبكة العنكبوتية العالمية، ولكن أنتم جميعًا شاركتم فى جعلها ما هى عليه اليوم. كل هذه المدونات والمنشورات والتغريدات والصور ومقاطع الفيديو والتطبيقات، والمواقع الإلكترونية وغيرها الكثير، هى عبارة عما ابتكره وساهم به الملايين من الأشخاص حول العالم، حيث شاركوا فى بناء هذا المجتمع الافتراضى.. والجدير بالذكر أن كل الأفراد بمختلف فئاتهم قد شاركوا فى خلق هذا العالم الموازى، بداية من السياسيين الذين يكافحون لجعل الإنترنت مفتوحا للجميع، والمؤسسات المعنية بالحفاظ على جودة الخدمات واحترام المعايير الأخلاقية فى الشبكة، وحماية السلامة المعلوماتية، وصولاً للأشخاص الذين خرجوا للتظاهر فى الشوارع دفاعا عن هذه الشبكة.
ومؤخرًا، ظهر أسلوب تجارى جديد تلجأ له أغلب مواقع الإنترنت، حيث تقوم بتقديم خدمات مجانية للعملاء، مقابل الاستيلاء على معلومات شخصية تخصهم. وفى الأثناء، يُفرط العديد من الأشخاص فى هذه المعلومات الحساسة دون وعى منهم.. فى الحقيقة، من شأن هذه الممارسات أن تخلف أضرارًا وخيمة، خاصة فى الدول التى تحكمها أنظمة ديكتاتورية، حيث يتعرض المدونون للملاحقة ثم يتم سجنهم أو اغتيالهم، وفى الوقت ذاته تستخدم هذه البيانات كوسيلة لمراقبة الخصوم السياسيين والتضييق عليهم. ومن جهة أخرى، وحتى فى الدول التى تعتبر ديمقراطية، والتى عادة ما نظن أن المواطنين فيها يحظون باحترام حكوماتهم، إلا أن العديد من عمليات المراقبة تحدث فى صلب هذه الدول وبشكل مستمر وعلى نطاق واسع.. من جانب آخر، تنتهك الحكومات خصوصية الأفراد وتزرع فيهم نوعًا من الارتياب والذعر، الذى من شأنه أن يخلق حالة من الاختناق ويكبل حرية التعبير، فضلا عن ذلك، هذه الممارسات الخاطئة قد تصل إلى حد منع المواطنين من استعمال شبكة الإنترنت كفضاء للتواصل والحوار فى الموضوعات الحساسة والممنوعة، مثل المشاكل الصحية والجنسية والخلافات الدينية.. خلال الفترة المقبلة، سيحاول فريقنا العامل فى مؤسسة «ويب فوندايشون» التطرق للعديد من هذه المسائل، فى إطار استراتيجيتنا الجديدة على امتداد السنوات المقبلة، حتى ننجح فى جعل شبكة الإنترنت مكانًا يضمن حقوقًا ونفوذًا وفرصًا متساوية للجميع.
فى الأسبوع المقبل نكمل.