الإثنين 6 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان

هل يكون «الأضحى» بلا «أضحية»؟!

هل يكون «الأضحى» بلا «أضحية»؟!
هل يكون «الأضحى» بلا «أضحية»؟!


تواصلت حملات مقاطعة شراء اللحوم البلدية، «بلاها لحمة» بعد ارتفاع أسعارها فى الأسواق ورفض الجزارين تخفيضها، رغم انخفاض ذبائح المواشى والأبقار فى المجازر بنسبة تتراوح بين 20% و30%.. مما خفض حركة البيع، وسط مطالب دائمة بتدخل الدولة لكبح جماح هذا الغلاء المجنون، مع توقعات باستمرارها إلى عيد الأضحى وهى المناسبة التى يكثر فيها عمل «الجزارين» وذبح الأضاحى، حيث تصل حركة تجارة المواشى إلى ذروتها.
وقد وصل الأمر إلى اضطرار جزارين إلى وقف نشاطهم ولو بشكل مؤقت تفاديًا لوقوع المزيد من الخسائر. ولجأ عدد منهم لبيع اللحوم المستوردة مثل «السودانية والبرازيلية والهندية» لأن إقبال المواطنين عليها كبير، خاصة السودانية، التى تقترب فى مذاقها من البلدية، وأسعارها محددة بـ55 جنيهاً للكيلو. وفى أسيوط أعلن الجزارون تخفيض سعر كيلو اللحمة
من 90 جنيهاً إلى 70 جنيهاً بعد نجاح حملة المقاطعة.

• الجزار يصرخ
وأكد هيثم عبدالباسط، نائب رئيس شعبة القصابين، أن الجزارين ليس لهم أى يد فى ارتفاع أسعار اللحوم وأنها نتيجة شراء العجول من المنبع وارتفاع أسعار الأعلاف التى يتم استيرادها من الخارج، ونقص المعروض، ورغم رفع الأسعار، يتعرضون للخسارة. وأن اللحوم تمر بأربع مراحل حتى بيعها للمستهلك، ولكل منها تكلفتها، التى تُحدد مجتمعة السعر النهائى للحوم، وتبدأ من التربية فتغذية «العجل» الواحد تتكلف 50 جنيهًا يومياً، فضلاً على ارتفاع أسعار العلف والتحصينات التى تحتاجها الماشية ضد الأمراض الوبائية، ثم نقل الماشية من محافظة إلى أخرى، ومن ثم إلى المذبح، التى ارتفعت تكاليفها بشدة خلال السنوات القليلة الماضية بعد ارتفاع أسعار المواد البترولية، وأجور السائقين، ويعد المذبح هو الحلقة الثالثة، حيث يتم بيع الكيلو غير المشفى للجزار بما لا يقل عن 59 جنيهًا لـ «الكندوز» بينما يصل «الضأن» لـ 75 جنيهًا للكيلو و«البتلو» 85 جنيهًا، مما يسبب خسائر يتحملها الجزارون لاحتوائها على العظم والدهون، فضلاً على تكلفة العمالة، حيث يبلغ أجر العامل نحو 500 جنيه بالأسبوع الواحد.. وعوامل أخرى بالإضافة إلى كل ما سبق، أبرزها فواتير الكهرباء.
أضاف «عبدالباسط»: إن المشكلة تكمن فى عدم وجود تنمية للثروة الحيوانية فى مصر، وهى فى طريقها للانقراض، والدليل على ذلك أن الإنتاج المحلى يمثل 40% والمستورد 60%. ويعزف المربون بشكل واضح عن تربية المواشى بسبب زيادة تكاليف مدخلات الإنتاج فى السوق المحلية، ما أحدث نقصًا فى أعداد الحيوانات المعروضة للذبح.
ويأتى غالبية الإنتاج المحلى من المزارع العشوائية لدى صغار المربين، أما المزارع النظامية، فلا تسهم إلا بحوالى 2% فقط من الناتج المحلى.
وأكد أن صغار المربين فى السوق وخاصة من الفلاحين يعانون من تلك الزيادة خاصة بعد قيام ملاك الأراضى برفع أسعار التأجير بنحو 30% فى الفدان الواحد، الأمر الذى يؤدى إلى تكرار نفس ظاهرة الخروج من المنظومة بأكملها.
وأشار «عبدالباسط» إلى أن الحل الحقيقى يكمن فى إنشاء مزارع جديدة لتربية وتنمية الثروة الحيوانية، وإنشاء مصانع محلية للأعلاف، وتيسير الاجراءات للقطاع الخاص ليتولى تنمية الثروة الحيوانية لزيادة المعروض وخفض الأسعار.
وأضاف أن الأمن الغذائى بأكلمه لا يتناسب مع الدخول الموجودة، فالمرتبات ضئيلة جدا والسبب يرجع إلى قله الإنتاج، مطالبًا بضرورة وجود سوق عربية مشتركة تجمع ما بين مصر والسودان لاستثمار الثروة الزراعية والحيوانية بالسودان.
وقال الدكتور عبدالعزيز السيد، رئيس شعبة الثروة الداجنة بالغرفة التجارية بالقاهرة: إن السبب الأساسى وراء الأزمة الحالية هو ارتفاع تكاليف الإنتاج، والحل ليس المقاطعة، وانما عدم ذبح «البتلو» لفترة معينة حتى يحدث توازن فى الثروة الحيوانية، مشيراً إلى أن حجم الإنتاج فى السوق المحلية من الدواجن لا يكفى حاجة الاستهلاك مع مقاطعة اللحوم الحمراء، حيث يصل الإنتاج الحالى إلى نحو 1.7 مليون طائر يوميًا، ونحن نحتاج حاليًا على الأقل ما يزيد على نحو 200 مليون طائر يوميًا، وزيادة الإقبال على الشراء مع تراجع المعروض من الدواجن يسهم أيضًا فى ارتفاع الأسعار بالأسواق.
• جشع التجار
وقال على عبدالحق، موظف، إنه إذا لم يتم التصدى لموجة غلاء اللحوم وجشع التجار سيصل كيلو الأضحية إلى 100 جنيه فى عيد الأضحى. ولابد من وضع تسعيرة جبرية لأسعار المواد الغذائية لحماية المواطنين، مطالباً المحافظين بأن يشاركوا فى حل الأزمة، وتوفير المجمعات الاستهلاكية لبيع اللحوم للطبقات المتوسطة.
وفى سياق متصل، أوضحت دراسة عــن «اقتصاديات اللحوم الحمراء فى مصر»، والصادرة مؤخراً عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، أن الإنتــاج المحــلى مـن اللحوم الحمراء ارتفع من 702 ألــف طــن عـام 2000 إلــى 965 ألـف طـن عام 2013 بنسبة زيادة 37.5%، فـى حين ارتفعـت كمية المتاح للاستهلاك من اللحوم الحمراء من 931 ألف طن إلى 1298 ألف طن بنسبة 39.4% خلال نفس الفترة.
وأضافت الدراسة أن أعــداد رءوس المـاشية ارتفعت مــن 14.9 مليون عـــام 2000 إلـى 18.5 مليون عام 2013 بنسبة 24%، «منها 25.6% أبقار، 21.1% جـامـوس، 30% أغنـام، 22.4% مـاعـز، 0.8% جمـال» مـــن الإجمالـى عام 2013.. وانخفضت نسبة الاكتفاء الذاتى من اللحوم الحمراء من 75.4% عام 2000 إلى 74.3% عام 2013، وبمتوسط 81.4 % خلال الفترة (2000ـ2013)، وارتفعت الفجوة بين الإنتاج والمتاح للاستهلاك من 229 ألف طن إلى 333 ألف طن خلال نفس الفترة.
• دور الحكومة
الدكتور محمد صلاح الدين أستاذ الاقتصاد الزراعى بجامعة المنصورة، أكد أن المقاطعة لمحال الجزارة وليست للحوم أو الأضحية، وطالب بشن الحملات التموينية لضبط الأسعار، وزيادة عدد المنافذ التابعة للقوات المسلحة وفروع المجمعات الاستهلاكية، والسيارات المتنقلة وغيرها، لبيع اللحوم بأسعار تناسب المواطن محدود ومتوسط الدخل، للتصدى للجشعين، مؤكداً عدم ارتفاع أسعار المواشى أو العلف حتى ترتفع أسعار اللحوم بتلك الصورة. مطالباً الحكومة بضبط التسعيرة ومعاقبة المخالفين وحماية المواطنين من جشعهم.
أضاف «صلاح الدين»: كما نحتاج أن نتوقف عن ذبح العجول لمدة 6 أشهر، حتى تستعيد الثروة الحيوانية قوتها، ويكون فى المقابل هناك خطة واضحة باستيراد عجول من الخارج لبيعها للجزارين فى ذلك الوقت.
مع ضرورة إعادة مشروع البتلو، ومنع ذبح إناث الماشية والبتلو من أجل الحفاظ، وتوفير الأعلاف للفلاح لتربية ماشيته.
وأشار إلى أن إلغاء مشروع البتلو كان بسبب غلاء الأعلاف، ولكن دورة التربية من الفلاح إلى المزرعة بإشراف الزراعة والتموين، توفر الملايين. وأسعار البتلو التى ستعرض سيكون ثمنها 60 جنيهًا، وفى الوقت نفسه سيكون هناك عائد ربح على كل كيلو للحكومة بواقع 3 جنيهات.
• مشروع البتلو
وفى نفس السياق قال الدكتور محمد صلاح عياط، أستاذ الإنتاج الحيوانى بجامعة الزقازيق: إحياء مشروع البتلو بوضعه القديم قبل تدميره هو أساس أى حل لمشكلة اللحوم وليس المقاطعة، فأكثر من 90 % من مربى الماشية فى مصر هم من صغار المربين (أقل من 10 رءوس)، للألبان ومنتجاتها أولاً ثم للحوم ثانيًا. وقد أوصت الفاو بدعمهم ليبقوا قادرين على المنافسة فى وجه أنظمة الإنتاج الكبرى، وكى يتمكنوا فى الوقت نفسه من الاستفادة من الإمكانيات التى يمنحها القطاع الذى يشهد نموًا كبيرًا وإدارة المخاطر المترتبة على المنافسة المتزايدة.
بينما فى مصر يتخلص صغار المربين من رءوسهم لعدم تقديم الدعم الطبى البيطرى والتسويقى والأعلاف لهم (على طريقة مشروع البتلو بوضعه المثالى القديم).
وقدم «عياط» مجموعة من المقترحات للخروج من هذه الأزمة، تتمثل منها يلى:
- إنشاء هيئة مستقلة لسلامة الغذاء تتبع رئيس الوزراء أو رئيس الجمهورية مباشرة، تتمتع بصلاحيات وإمكانيات واستقلال كامل لحماية المواطن وتقديم طعام سليم وصحى بعد فشل الصحة والتجارة والخدمات البيطرية فى حمايته.
- شطب المجازر المخالفة ومنعها من التصدير لمصر، لمنع تصدير لحوم مخالفة للمواصفات حتى لو طلب المستورد ذلك.
- إيجاد آلية للمربى الصغير لتسليم الإناث أو ذكور الجاموس أو العجل الرضيع وزن أقل من 60 كيلو إلى مديريات الزراعة فى حالة عجزه عن تربيتها لقاء ثمن لا يقل عن ثمن 20 كيلو لحم مشفى.
- استيراد الهيئة العامة للسلع التموينية للحوم المجمدة بنفسها أو من خلال إحياء الشركة المصرية للحوم والدواجن التى كانت تستورد اللحوم فى السبعينيات والثمانينيات.
- إحياء مشروع البتلو بوضعه الناجح القديم وليس الذى لا يرضى صغار المربين، بذات آليات التسويق والتمويل السابقة.
- تشجيع تربية الجاموس لمقاومته الأمراض أكثر من الأبقار لدى صغار المربين، أما كبار المربين فلديهم القدرة على توفير الرعاية البيطرية اللازمة للأبقار. - تشجيع الرعى للأغنام والجمال لدى بدو سيناء ومطروح والصعيد، حيث ينقصهم فقط التسويق وتمويل الزيادة فى عدد القطعان والرعاية البيطرية.
- المراقبة للحوم الحية من بلدان الأمراض المتوطنة، وذبحها فى مجازرها وشحنها مبردة وعند الاطمئنان لسلامتها يكون الذبح إجباريا فى مجازر الموانى مباشرة كالسويس أو العين السخنة لمنع نقل العدوى للثروة الحيوانية المحلية.
- العودة إلى التسعيرة الودية للحوم كما كانت سائدة فى نهاية السبعينيات والثمانينيات.
- وتطبيق مواد قانون الاحتكار على من يثبت تلاعبه بقوت الشعب المصرى وإعفاء المبلغ من الغرامة.
• عيد الأضحى بلا لحمة
وتوجهت إلى رأى الدين هل يمكن أن تستمر المقاطعة إلى العيد ونصبح أمام عيد بلا لحمة؟
 الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، قال: هناك قاعدة فقهية أنه يجوز لولى الأمر تقييد المباح، وتنسحب هذه القاعدة على مؤسسات ذات علاقة بالمجتمع أو فى الدولة، وأصلها أن سيدنا عمر رضى الله عنه لما وجد الناس وقد كثر المال معهم عقب الفتوحات ويأكلون اللحوم بشراهة على خلاف ما كان فى أيام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيدنا أبوبكر رضى الله عنه فأمر بتقليل أيام ذبح الأنعام (الإبل والبقر والأغنام) عدة أيام فى الأسبوع، للحفاظ على الثروة الحيوانية من جهة ولتعويدهم على شىء من خشونة العيش من جهة أخرى كما كان فى الماضى القريب.. وهذه القاعدة معمول بها فى بعض دول الخليج العربية بعدم تزويج بنات بعض الدول لغير أهلها محافظة على كيانات اجتماعية ومصالح اقتصادية معينة، وبإنزال هذا على دعوة المقاطعة لمحلات الجزارة التى لا ترفق بالفقراء وتوالى رفع الأسعار بذرائع متعددة مرة بأجور العمالة وأخرى بأسعار الأعلاف، وكلها أسباب واهية، ولكن يبقى الجشع والطمع هو المحرك لدى نفوس مريضة، بطبيعة الحال هذه المحاولة لا بأس بها فى الشريعة الإسلامية لأن المقاطعة على عملية البيع والشراء وليس اللحوم.. أما بالنسبة لكونها فى عيد الأضحى فلا علاقة للأضاحى بذلك لأن الأضحية حيوان من الأنعام يشتريه الإنسان ليذبحه بنفسه أو بالوكالة فلا علاقة للأضاحى بمحلات الجزارة.. ومن هنا نرجو أن تساند الدولة هذه المبادرات الشعبية ولا ننسى أن الرئيس الراحل أنور السادات فعل ذلك.. ولكن لا يجوز البدل النقدى للأضاحى مطلقاً لأن الشعيرة تناط بإراقة الدماء وليست باللحوم كما هو هو الحال فى الهدى والعقيقة.
• البدائل المتاحة
من جانبه قال محمود دياب، المتحدث باسم وزارة التموين: هناك 5 آلاف فرع على مستوى الجمهورية تعرض فيها اللحوم المخفضة التى توفرها الوزارة، لزيادة المعروض. وهناك كميات كبيرة يتم ضخها فى المجمعات الاستهلاكية، بأسعار مخفضة للمستهلكين، بسعر 40 جنيهًا للكيلو السودانى، و57 جنيهًا للبلدى، و32 جنيهًا للحوم المجمدة. كما سيتم طرح كميات إضافية من اللحوم المستوردة البرازيلية بفروع المجمعات الاستهلاكية بالجمهورية، بأسعار مخفضة..وأكد «دياب» أن هناك رقابة صارمة بالتعاون مع الإدارة العامة لمباحث التموين على المجمعات الاستهلاكية؛ لعدم تسريب اللحوم إلى محال الجزارة وبيعها بأسعار مرتفعة.
وأضاف، أن هناك حلولاً عاجلة تتمثل فى زيادة المعروض من السلع فى الأسواق، وحلول طويلة المدى تتمثل تعديل أسلوب الإنتاج الحيوانى فى مصر وتخفيض تكلفة إنتاج الأعلاف وتوفير منافذ البيع.. والوزارة تقوم حاليًا بالتواصل مع منظمى هذه الحملات لإيجاد وتوفير منافذ لبيع اللحوم التى تعاقدت الوزارة عليها وتبلغ 100 ألف رأس، موضحًا أن حل الأزمة فى زيادة المعروض بمنافذ البيع الحكومية.
• أطعمة بديلة للحوم
وقد قدم عدد من خبراء التغذية أنواعًا من الأطعمة يمكن أن تكون بديلة للحوم من حيث عناصرها الغذائية وهى:
العدس: فهو من الحبوب الغنية بالحديد والبروتين ويحتوى على 18 جراما من البروتين.
زبدة الفول السودانى: تحتوى على نسبة عالية من البروتينات التى توجد فى اللحوم، بالإضافة إلى غناها بالألياف والماغنسيوم والبوتاسيوم، وتحافظ على صحة الكبد وتحسن من عمليات التمثيل الغذائى فى جسم الإنسان.
البيض: فهو يحتوى على كمية كبيرة من البروتين الذى يمتصه الجسم بنسبة 100%.
فول الصويا: تتميّز الصويا بارتفاع نسب البروتين بها أفضل من بروتين اللحوم الحمراء.
المشروم: يعد من أكثر أفضل البدائل، حيث يحتوى على نسبة كبيرة من البروتينات تصل حتى 40%، كما أن الأحماض الأمينية المكونة لهذه البروتينات مشابهة كثيرا لتلك التى تتكون منها البروتينات الحيوانية الموجودة فى اللحوم.•