الجمعة 10 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
 ماذا جنت حماس من 7 أكتوبر؟!

ماذا جنت حماس من 7 أكتوبر؟!

 نصر جديد للقاهرة.. ونتنياهو فى أيام الظلام



 التوقيت ذو دلالة. وافقت حماس على خطة ترامب. 

 نصر مصري جديد فى ملف غزة، دمغه القدر بذكرى نصر أكتوبر 73. 

 جهود مصرية كبرى أعادت تشكيل الرؤى، ودفعت الجميع إلى إعادة التموضع، وفق خطوط حمراء مصرية أولها التصدى لمخطط التهجير. 

وافقت حماس، واستعاد ترامب زمام المبادرة، على الأقل فيما يبدو حتى الآن، أو قل إنه اندفع بضغوط مصرية وعربية إلى الخروج من دوائر ضيقة، لآفاق أرحب، يمكن أن يتراءى منها السلام فى النهاية. 

العمود الفقرى لخطة ترامب مصري. 

فرضت مصر، بجهود جبارة رؤيتها فى المسألة الفلسطينية. 

 

الشهور الأخيرة كانت باكورة تلويح قادر بالردع، ودبلوماسية ماراثونية، امتدت شرقًا وغربًا، وضربت فى الجنوب، وأثرت فى الشمال. 

الاعتراف الأوروبى بدولة فلسطين كان نصرًا للقاهرة جديدًا. 

-1- 

تبنت الخطة الأمريكية الرؤية المصرية بامتياز. 

بعد عواصف وأمواج رفع فيها الرئيس الأمريكى سقف الكلام عن التهجير، انتهى الأمر بأن لم يرد المصطلح مرة أخرى. 

عاد ترامب إلى البنود التي سبق وأصرت عليها القاهرة، خصوصًا فى مسائل إعادة هيكلة القطاع، وإجراءات ضمان الأمن الإقليمى انطلاقًا من حلول على الأرض تبدأ بإنهاء الاعتداءات على غزة. 

دعت مصر إلى حكومة انتقالية مدنية فى القطاع، توافق ترامب مع هذا. 

أصرت القاهرة على هيئة فلسطينية تكنوقراطية غير حزبية لإدارة القطاع، بإشراف دولى، وحملت خطة ترامب نفس الفكرة بحكومة، بإشراف هيئة دولية، فى بند على وجه الخصوص لا يمكن إلا اعتباره تطبيقًا مباشرًا للرؤية المصرية فى شكل دولى موسّع.

أمنيًا، دعت القاهرة إلى نشر قوة استقرار دولية لضمان الأمن ومنع الفوضى بعد انسحاب الجيش الإسرائيلى، ونصت خطة ترامب على تشكيل قوة دولية لتأمين غزة وتدريب شرطة فلسطينية محلية.

الأهم مرة أخرى، تراجع أحاديث التهجير من الجانب الأمريكى. 

النتيجة واضحة، والكلمة المصرية عالية. 

رفضت مصر وما زالت ترفض فكرة خروج الفلسطينيين من الأرض. 

ظلت القاهرة، رغم كثير من الصعوبات والضغوط، على الموقف وعلى العهد، حتى فى الأوقات التي تعالت الأصوات من البيت الأبيض لتبتكر مصطلح «ريفيرا الشرق الأوسط». 

الخطة الأمريكية عودة للكلام العاقل بما تظهره تلك النبرة من تأثيرات مباشرة للضغط المصري أولًا ثم العربى فى الملف. 

وافقت حماس وأفلح إن صدق. ووضع ترامب الخطة.. أفلح إن صدق أيضًا. 

عاد الرئيس الأمريكى إلى مقاعد العقلاء، بينما غرز نتنياهو فى مزيد من الأوحال، فأصبح ليجد نفسه فى ورطة، وأزمة، وأيام لم يكن يتوقعها، على الأقل قبل أشهر من اليوم. 

-2- 

تبقى الخطة الأمريكية أساس، ما لا يمنع التفاوض على عدد من المسائل، فى إطار عام ينهى الحرب فى غزة، ويبدأ مرحلة إعادة الإعمار. 

كما لو أن الرئيس الأمريكى قد استفاق، ليستعيد زمام المبادرة بخطة مفصلة، تقلب موازين الصراع، وتعيد واشنطن إلى المكان الذي كان من المفترض أن تكون فيه. 

المنتظر، وقف فوري لإطلاق النار، والبدء فى خطوات إعادة الإعمار، والبدء فى التوقيت نفسه فى الاستقرار على تفاصيل آلية الحكم الانتقالية فى القطاع. 

موافقة حماس على إطلاق الرهائن وتسليم إدارة غزة، مفترض أنه يمنح الجانب الأمريكى شرعية تفاوضية غير مسبوقة منذ 7 أكتوبر العام قبل الماضى، وفى المقابل فإنه يضع إسرائيل، فى شديد الحرج بعد دعوة علنية لوقف القتال. 

ربما أرادت واشنطن فى النهاية أن تقول إنها ليست مجرد داعم أعمى لتل أبيب. 

على كل، مهما كانت النوايا والأسباب وراء الأحداث، فإن حكومة الحرب فى إسرائيل باتت الآن فى موقف دفاعى، لم تذقه منذ السابع من أكتوبر. 

بالنسبة لترامب، فهو استعاد الحشد الدولى، بعد شقاق وخناق. ترحيب الأمم المتحدة وأوروبا يعزز موقع ترامب كوسيط، بانقلاب واضح فى المعادلة العسكرية الإسرائيلية. 

الاتفاق على الانسحاب الإسرائيلى مقابل إطلاق الرهائن، يوقف بالضرورة الزخم العسكرى الإسرائيلى، ويقوض تمامًا خطة إعادة احتلال القطاع كله. 

فى الداخل الأمريكى، سوف تنعدل كفوف الميزان إلى حد ما. 

ترامب من المؤكد أنه سوف يسعى ضمن ما يسعى إلى توظيف موافقة حماس الأخيرة على خطته، كدليل على نجاح سياسته الخارجية فى مواجهة منافسيه فى الانتخابات المقبلة. 

دعك من فكرة جائزة نوبل، فهى مسألة لا يمكن إخضاعها للنقاش، خصوصًا أنه ليس هناك من يناقشها، فى العالم، سوى ترامب نفسه، ولا يراها إلا هو، ولا يتصورها إلا هو! 

 

 

 

-3- 

إسرائيل الآن تحت ضغط. 

الضغط كبير.. والحمل ثقيل على تجار الحرب فى تل أبيب. 

دعوة ترامب العلنية لوقف القصف «فورًا» وضعت الحكومة الإسرائيلية فى موقف أكبر من حرج، وأكثر من خطر. 

انحرفت العجلة عن المسار التي وضعتها عليه تل أبيب، لتجد الحكومة هناك أنها لا تستطيع أن ترفض العودة لتفاوض ظلت هى من يجعله غير مقبول ولا ممكن منذ أعوام. 

لعبت حماس سياسة هذه المرة. 

وللإنصاف هى من المرات القليلة التي تجنح فيها حماس للسلم، وللكياسة فى السياسة. 

موافقة الحركة ضربة بقوة مليون رطل لأحلام نتنياهو فى استمرار الحرب. الأيام القليلة المقبلة، سيعود نتنياهو إلى كوابيسه، بعد أن قوضت الموافقة مشروعه العسكرى. 

 أنهت الموافقة ذريعة «تحرير الرهائن» أحد أقوى مبررات نتنياهو لمواصلة العمليات العسكرية. استمرار القصف الإسرائيلى على غزة، لن يظهر سوى أنه تجاهل فج للإجماع الدولى.

ورطة نتنياهو ليست مع الخارج فقط؛ إنما هى فى الداخل أشد. 

أكثر ما يخشاه «بيبى» هو انقسام ائتلاف «ملفق» يجعله على رأس الحكومة فى بلاده، ويمنع عنه السجن وشرورًا أخرى. 

لكن أحزاب اليمين المتطرف فى حكومته يرفضون أى تسوية مع حماس.

 هنا نتنياهو بين أمرين؛ إما قبول الخطة الأمريكية وخسارة دعم اليمين، أو رفض الخطة ومواجهة ضغط دولى هائل.

ترامب بنفسه، وعلنًا، وعلى الشاشات طالب إسرائيل بوقف القتال. فغير أن هذا من الأمور نادرة الحدوث، فإنه يزيد من ضغط الطوق على تل أبيب، وعلى نتنياهو ويضعه فى موقف أول من نوعه منذ 7 أكتوبر  23. 

لذلك تسليم غزة لهيئة تكنوقراط، يهدم مبررات إسرائيل بشأن «محاربة الإرهاب» فى غزة، وفتح باب المفاوضات لتسوية سياسية شاملة، يتعارض مع استراتيجية نتنياهو القائمة على الحسم العسكري بوصف أنه لا بديل. 

ضمنت الخطة الأمريكية عدم تهجير السكان أو إعادة احتلال القطاع، وهو أمر آخر يجهض طموحات نتنياهو فى فرض سيطرة أمنية دائمة على القطاع، وبالتالى يقيد أنشطة جيش الاحتلال ميدانيًا. 

استمرار نتنياهو فى الحكم اليوم مهدد لأول مرة منذ السابع من أكتوبر 23. 

ما لم تستجد فى الأمور أمور، فإن حماس تكون قد لعبت لأول مرة سياسة بمعايير السياسة لما تلقت الخطة الأمريكية بالقبول.   السؤال الآن لا بد من إعادة طرحه: ما الذي جنته حماس من 7 أكتوبر؟ 

المؤكد أنها لم تجن سوى خراب ودمار وألوف من القتلى من الأطفال والنساء والأبرياء. 

لم تحقق حماس أيًا من أهدافها المعلنة فى 7 أكتوبر. لم تحقق على مستوى السياسة، ولا على مستوى الحرب. 

دخلت حماس وخرجت، بينما لم يخرج ألوف من القتلى والجرحى وضحايا التوحش الإسرائيلى. 

عزلت حماس نفسها، بعد أن أضرت بالجميع، وأضافت إلى القائمة منح إسرائيل أكثر من مبرر وسبب لاستعادة السيطرة على غزة.  أخرجت حماس نفسها بنفسها من كل معادلات المستقبل، وخسرت مستويات من الدعم الشعبى فى الداخل الفلسطينى، بوصفها حركة مقاومة صامدة فى مواجهة محتل. 

لم يحقق السلاح لحماس، ما أرادت، ولا حقق لتل أبيب ما سعت. بينما دفع ألوف الأبرياء ثمن نزق حركة، ووحشية محتل.  هى تلك الأحداث التي يصفونها بالأزمات الكبرى.