الثلاثاء 21 أكتوبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
ممنوع دخول اليهود!

لافتة على مطعم ألمانى تثير الذعر فى تل أبيب

ممنوع دخول اليهود!

وقت كتابة تلك السطور، كان مؤتمر حل الدولتين على وشك البدء.



صورة إسرائيل تغيرت فى الغرب، وفى الصحافة الإسرائيلية اليمينية كان التوجس واضحا من المؤتمر. 

إسرائيل تواجه عزلة دولية من العيار الثقيل لأول مرة بهذه القوة منذ نشأتها .

قبل بدء مؤتمر حل الدولتين بساعات تداولت مواقع التواصل فى أوروبا وفى إسرائيل أحاديث حول لافتة وضعها صاحب محل ألمانى فى برلين كتب عليها: «ممنوع دخول اليهود والصهاينة سارقى الأرض».

الإشارة واضحة والجملة المكتوبة لها دلالة خصوصا أنها فى مطعم أوروبى، وفى ألمانيا، وعلى عينك يا تاجر.

لم يحدث من قبل أن ظهرت تلك النبرة فى أوروبا ضد الإسرائيليين وبهذه الصورة. الاتهامات بمعاداة السامية كانت هى التهمة المحفوظة ضد أى محاولة لذكر اليهود بالاسم، أو ذكر الإسرائيليين بأى إجراء احتجاجى.

لكن العالم الآن، يرى إسرائيل رمزًا للقتل، ورمزًا لاستعراض القوة على العُزّل وعلى النساء وعلى الشيوخ.

 المظاهرات الداعمة للفلسطينيين تتوالى يوميًا فى فرنسا وهولندا والولايات المتحدة وإنجلترا.

وفى واشنطن قابل أمريكيون ترامب فى أحد المطاعم بالعلم الفلسطينى، وبهتافات ضده هو نفسه بوصفه ضالعًا فى مذبحة لم يشهدها التاريخ المتحضر.

الوضع يتغير، ولن تستطيع تل أبيب أو واشنطن الوقوف أمام العالم كله.

معادلة إسرائيل ضد العالم، والعالم ضد إسرائيل ليست فى صالح الأخيرة، ونتائجها خسران رهيب للأخيرة.

مصر لها السبق والرصيد الأكبر فى جهود غيرت رؤية العالم، وأنزلت دولا كبرى من قوائم الحياد، وكان لجهود القاهرة الأثر فى تغيير الرأى العام الدولى تجاه حرب إبادة ممنهجة فى غزة تتعمدها إسرائيل بدم بارد.

-1- 

مصر قادت، وما زالت تقود مسارًا حقوقيًا وأخلاقيًا فى الأزمة.

والرؤية المصرية للقضية الفلسطينية، غير أنها تكتسب زخمًا عربيًا ودعمًا، فإنها فى الوقت نفسه، هى الأصوب والأكثر عدالة لحل القضية، وإنهاء النزاع، ومن ثم إنهاء الصراع، وبالتالى إخماد نيران الحرب والفوضى وعدم الاستقرار فى المنطقة كلها.

الثوابت المصرية صريحة : لا حلول لمعادلات عدم الأمن إلا بانهاء النزاع «العربى - الإسرائيلي»، ومنح الشعب الفلسطينى حقه فى السلام على أرضه، وفق ما تقرره قواعد القانون، واعتبارات الإنسانية.

لعبت القاهرة دورًا أكبر فى التصدى لمخطط التهجير، رسمت خطوطها الحمراء، ودفعت بالدبلوماسية الرصينة إلى حدها الأقصى لجهود توحيد الموقف الدولى، وتقديم القضية الفلسطينية كأولوية عالمية فى توقيت حرج.

الضغط المصرى مستمر، والعمل على حشد دولى من جانب القاهرة مستمر أيضًا، ونية الدول الأوروبية الاعتراف بالدولة الفلسطينية انتصار مصرى على المستوى الدولى من جانب، وإشارة إلى انحسار تواجهه الحكومة فى تل أبيب على مستوى العالم.

تستهدف التحركات المصرية إقامة الدولة الفلسطينية على حدود 1967 وعاصمتها القدس، وفق المسارات الشرعية.

نجحت القاهرة فى تحقيق اختراقات كبيرة بكسر الجمود السياسى الذى أخر الاعتراف بالدولة الفلسطينية من جانب دول أوروبية عديدة.

السعى الدؤوب للقاهرة الآن هو الدفع فى الطريق لحل الدولتين بوصفه الإنهاء الوحيد المقبول للأزمة الفلسطينية.

تمارس مصر ضغطًا على دول كبرى، على رأسها الولايات المتحدة، لتغيير مواقفها من استخدام الفيتو ضد عضوية فلسطين فى الأمم المتحدة.

ومؤتمر حل الدولتين فرصة لإعادة ضبط المسار السياسى فى الشرق الأوسط. وهو أيضا فرصة لمواجهة غطرسة إسرائيلية، تسير فى طريق الدمار، متوهمة أنه طريق الحلول.

لا حلول ولا أمن ولا استقرار مع سرقة الأراضى، وتجويع الشعوب، وسلب حياتهم تحت أنقاض مبانٍ دمرتها دانات مدافع صنعت فى الولايات المتحدة، الدولة التى تصدر نفسها للعالم على أنها النموذج فى رعاية الحريات ودعم حقوق الإنسان وصون الأعراف الإنسانية.

-2- 

عزم دول أوروبية الاعتراف بفلسطين نجاح مصرى بامتياز.

صحيح الخطوة رمزية؛ لكنها سوف تنعكس بشكل مؤثر على علاقات إسرائيل بدول أوروبا التى كانت داعمة يومًا ما.

يزيد الاعتراف الأوروبى من الضغوط على حكومة تل أبيب، وعلى الإدارة فى البيت الأبيض لوقف الحرب فى غزة، والكف عن دمار شامل، نفذته إسرائيل على الأرض دون أسلحة دمار شامل.

لذلك، فالاعتراف الأوروبى خطوة وصفتها صحافة اليمين فى إسرائيل «بالقاتلة».

هذه أيام القلق فى إسرائيل؛ إذ أن خطط الاعتراف الأوروبي باقٍ عليه أيام للتنفيذ. إجراء دبلوماسى من هذا النوع يعنى إشارة إلى مزيد من تآكل الدعم الأوروبى التقليدى لتل أبيب ولسياسات تل أبيب ولرغبة تل أبيب فى إعادة رسم الخرائط على الكيف وعلى هوى توراتى.

 الرسميون فى الغرب بدأوا فى استخدام وصف «حرب الإبادة» فى الإشارة إلى ما يحدث فى غزة.

ولدى محللين فى تل أبيب، فإن الاعتراف الغربى بالدولة الفلسطينية، لو تم، فإنه سوف يدفع إلى مزيد من قرارات أشد فى مجلس الأمن، وربما إلى مطالب بحساب دولى لحكومة اليمين العبرى.

عيران نير محرر «القناة 12 الإسرائيلية» وصف التحركات فى أوروبا للاعتراف بفلسطين بالتسونامى السياسى، متخوفًا من الآثار الكبيرة على علاقات إسرائيل الخارجية.

وقال نير: إن إسرائيل اكتملت لديها معادلة العجز السياسى فى تبرير استمرار الحرب فى غزة.

واعتبر أن مزيدًا من الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فى هذا التوقيت بالذات هو إذلال سياسى لحكومة تل أبيب، يضع حكومة نتنياهو أمام تحديات متزايدة على الساحة الدولية، ويدفع إلى تغييرات شديدة فى خريطة المواقف العالمية تجاه المسألة الفلسطينية.

-3- 

يقف العالم اليوم أمام مسارين.

الأول مسار إسرائيلى يعمد إلى العدوان، ويقصف الطرف الوسيط فى التفاوض، ويقتل قيادات الطرف الذى يتفاوض معه، ويستمر فى سياسة الأرض المحروقة، متوهمًا أن الحرائق مهما اشتعلت لن تمسه.

ثلاثية التقتيل والتدمير والتهجير تظهر هدف تل أبيب الأساسى لمنع استباقى لأى احتمالات قد تقود إلى قيام دولة فلسطينية.

المسار الثانى «مصرى عربى دولى»، يستهدف تسوية شاملة عادلة ونهائية للقضية من خلال حل الدولتين.

أظهرت الأيام، والشواهد والتفاصيل على الأرض، كما أظهرت الأحدات والمعطيات، أن «الدولتين» هى التسوية الواقعية الوحيدة، فى ظل تصدٍ مصرى شديد لأية مقاربات أخرى مطروحة من الجانب الإسرائيلى.

الضغط المصرى المتصاعد خلال الحشد لمؤتمر حل الدولتين وما قبله، أحدث تأثيرًا ملموسًا فى مواقف الدول الأوروبية.

مصر فى المعادلة وسيط نزيه وفاعل، وشريك أساسى فى القضية، وعلاقاتها القوية منحتها قدرة على التأثير فى صياغة المواقف الأوروبية الأخيرة.

إعلان فرنسا، بريطانيا، كندا، مالطا، والبرتغال وعلى سبيل المثال لا الحصر نيتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية نتيجة مباشرة للزخم الدبلوماسى العربى بقيادة القاهرة.

دفع دول أوروبية للتخلى عن الحياد فى القضية نجاح كبير. لم تنجح الجهود المصرية فقط فى التأثير على الخطاب الأوروبى، إنما نجحت فى إعادة تشكيل المواقف، ليتحول مؤتمر حل الدولتين من مجرد حدث رمزى إلى نقطة تحوُّل حقيقية.