الجمعة 5 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
الجيش الوطنى القادر.. كلمة السر

الجيش الوطنى القادر.. كلمة السر

الجيوش الوطنية كلمة السر فى معادلات الاستقرار فى إقليم مضطرب، وظروف متشابكة، وخيوط معقدة.  الجيش المصرى نموذج. 



فى السنوات الأخيرة اختلت معادلات السياسة. طفت على السطح طموحات موهومة لدى بعضهم، وظهرت مبالغات فى مشاعر الاستحقاق لدى آخرين. 

دفعت رغبات التعاظم غير المبرَّرة إلى الافتئات على القانون الدولى، ورمت ببعضهم على حواف مناطق النيْل من قوانين الإنسانية نفسها.

 

هناك أشياء كثيرة تغيَّرت فى النظام العالمى، جعلته شديد الاختلاف عما عهدنا من قبل. غابت التحليلات المنطقية للمتغيرات الدولية، وتغيرت اللغات، ووُضِعت القوانين ومبادئ الإنسانية على حواف الهاوية. 

فى الغرب، هناك من دفع بتصرفات عشوائية، قلبت حتى معايير المنطق، ومبادئ حقوق الإنسان، التى صدَّعنا بها الغرب، ثم نحرها ذبحا على أعتاب الأزمة فى غزة على سبيل المثال. 

تواترت الاجتراءات الإقليمية، بعد موجات ما سُمى بالربيع العربى.

 نازعت دول على البقاء، بعدما تفتت جيوشها، وفى دول أخرى، كانت الجيوش الموازية سببًا فى إطلاق خبراء مصطلح «ربيع الجيوش العربية» للدلالة على ما آلت إليه أوضاع، دفعت إلى صراع «ميليشياوى» نافست فيه جماعات مسلحة على السلطة وعلى الحكم وعلى الجغرافيا بامتياز. 

لا يقتصر دور الجيوش الوطنية فى إقليم شديد الاضطراب على الدفاع العسكرى، إنما الأصل أنه يمتد ليكون حجر أساس فى بناء استقرار شامل للدول يدعم مسارات التنمية من جانب، ويرسخ مسارات السلام الاجتماعى.. من جانب آخر. 

 تعمل الجيوش الوطنية على الرقم واحد فى معاملات الحماية الصلبة لكيان الدولة. 

فى مصر، كان الجيش عاملًا حاسمًا وأساسيًا وأوليًا ووحيدًا فى منع انهيار الدولة خلال فترات ما بعد 2011، وكان عاملًا واحدًا وحيدًا أيضًا فى إنقاذ الدولة، بالوقوف إلى جانب الإرادة الشعبية لإنزال إخوان الإرهاب عن كرسى الحكم. 

أفرد الجيش المصرى أياديه لحماية المؤسسات من الانهيار، ودعم مسارًا انتقاليًا سلميًا بعد سقوط الإخوان، لتستعيد الدولة نفسها، ويستعيد المواطن وطنًا كاد أن يذهب فى الطريق إلى «ستين داهية». 

فى المقابل، عانت دول أخرى، بعدما سقطت الجيوش.. وما زالت تعانى.  

ليبيا أو اليمن مثال، حيث قفزت  ميليشيات مسلحة، وتنامت، وخصمت من معادلات استقرار ما زالت تنازع نفسها للآن، وبعد سنوات من موجات ثورية باعتقادات زائفة، أن الانتقال فورًا من حال لحال، يبدأ من هدم الجيش وإعادة بنائه من جديد!

فى معادلات التعاون تلعب الجيوش الوطنية بالأساس دورًا أهم فى تعزيز المشاركات المنظمة إقليميًا ودوليًا.  هذا التعاون من هذا النوع أساس، يدفع ضمن ما يدفع إلى تقليل  فرص التصعيد، كما يمهد إلى احتمالات أكبر نحو حلول وفق المرجعيات السياسية والقانونية. 

الجيوش الوطنية رادع. 

 وجاهزية الجيش المصرى نموذج.  

وتأتى مناورات النجم الساطع، بإصرار دولى على المشاركة، وتفضيل أمريكى على إجرائها، رغم الخلافات المصرية ــ الأمريكية فى ملفات السياسة إشارة. 

 

 

 

-1- 

الحقيقة التى لا جدال فيها، أن الجيش المصرى مركز ثقل إقليمى، ليس فقط بسبب حجمه وعدده وعتاده؛ إنما لما يضفيه على محيطه الجيوسياسى من  تأثير استراتيجى عميق.  

يصنف الجيش المصرى ضمن أقوى الجيوش فى الشرق الأوسط وإفريقيا، ويحتل مرتبة متقدمة عالميًا عتادًا وتنظيمًا وتدريبًا، بما يحوزه من قدرات متنوعة تجعله فى قمة الجاهزية للتدخل السريع وقت المقتضى. 

يطوى الجيش المصرى أشد المواقع حساسية على الخريطة، بدءًا من حماية ممرات استراتيجية، مرورًا بقربه من بؤر التوتر فى الغرب والشرق والجنوب والشمال، وهى كلها عوامل تضاف إلى قدراته، ما يجعله لاعبًا مسيطرًا، لا يمكن تجاوزه فى أية ترتيبات من أى نوع فى المحيط. 

كل ما سبق، يمكن أن يكون إجابة على ما تداوله خبراء فى الصحف الأمريكية والأوروبية اليومين الماضيين، عن أسباب الرغبة الملحة للولايات المتحدة فى إنجاح  مناورات النجم الساطع، رغم اتساع حدود الخلافات المصرية ــ الأمريكية فى قضايا شديدة الحساسية على طاولات السياسة. 

الاختلافات بيّنة، والموقف المصرى الصلب فى قضية التهجير، كان فى رأى بعضهم فى صحف أوروبا، يمكن أن  يكون سببًا يدفع واشنطن إلى إبداء رغبة فى تأجيل التدريب. 

فى الصحافة الأوروبية، مال بعضهم إلى وصف الرغبة الأمريكية فى إجراء المناورات بالتناقض، لكن يبدو أن هذا الرأى لم يلتفت إلى الدوافع الاستراتيجية العميقة للولايات المتحدة فى المسألة، التى كان لا بد لها من أن  تتجاوز الخلافات الظرفية. 

فى السياسة، لا تلغى الخلافات الشراكات الاستراتيجية. والولايات المتحدة، توقن أن مصر بجيشها الأقوى، ركيزة أساسية للاستقرار فى الشرق الأوسط.  

تزداد النظرة الأمريكية يقينًا، فى ظل التوترات الإقليمية المتصاعدة. ورغم التباين الشديد فى المواقف فى مسألة التهجير على سبيل المثال، والموقف المصرى شديد الصلابة تجاه القضية الفلسطينية، فإن يقين واشنطن يعود إلى السطح وفق نظرة للولايات المتحدة تؤمن بأن الحفاظ على التعاون العسكرى مع القاهرة يخدم مصالحها الأمنية فى المقام الأول. 

تستفيد واشنطن من المناورات، كما تستفيد القاهرة، لذلك تعتبر «النجم الساطع» غير أنها امتداد للعلاقة الأمنية بين البلدين، إلا أن واشنطن من جانبها، ترى فيها  فرصة لا تفوت لتبادل الخبرات فى مكافحة الإرهاب، ومواجهة التطرف قبل أية استفادة أخرى. 

ترى واشنطن أن  التعاون مع القاهرة فى التدريب، ضمانة لجاهزية مشتركة لأى تهديدات إقليمية، فى الوقت نفسه تضفى تلك الشراكة أبعادًا أخرى على مظهر الولايات المتحدة وقدرتها على العمل مع حلفاء أقوياء فى المنطقة. 

إلى جانب مؤكدات الإدارة فى واشنطن، فإن البيت الأبيض على يقين مرة أخرى، بأن أى محاولة ولو ضئيلة لتجاهل مصر، هو بالضرورة يضعف النفوذ الأمريكي نفسه فى المنطقة، أضف إلى ذلك التنامى المتزايد والاستراتيجي فى علاقات القاهرة مع قوى أخرى مثل روسيا والصين.

اختارت واشنطن أن ترفع فوق الطاولات ما يشير إلى قدرتها على فصل الخلافات السياسية عن المصالح الأمنية المشتركة، فى نوع من البراجماتية السياسية، تلقته القاهرة بارتياح، خصوصًا أنه توافق مع ثوابت مصر الأساسية التى تسمح باستمرار التعاون رغم الخلافات ورغم التوترات، لكن مع التأكيد على أن القاهرة ليس لديها أية مساحات ولو لمجرد التفكير فى التنازل عن ثوابتها الوطنية. 

-2- 

تجرى مناورات النجم الساطع على أراضٍ مصرية بمشاركة 44 دولة، 14 منها «مشارك» والباقى «مراقب»، بأكثر من  8000 جندى، هى التدريبات العسكرية الأضخم من نوعها فى المنطقة والشرق الأوسط. 

تكتسب هذه المناورات أهميتها، من حجم قدرات الجيش المصرى وخبراته، فى التعامل مع التحديات المختلفة والمتنوعة، وفق أحدث الأساليب العلمية والتكنولوجية، ووفق المستحدث من أنواع الأسلحة. 

جيش مصر قادر، يستمد قدرته تلك من منظومة تحديث وتطوير شاملة وصلت به إلى  أعلى  مراتب الجاهزية، مع إيمان عميق من قيادة سياسية استشرفت من البدايات  حجم التحديات والتهديدات المحيطة ليس فقط بالأمن القومى المصرى.. بل بالدولة المصرية ككيان، لذلك بدأ العمل مبكرًا على تحديث شامل أسَّس إلى الوصول لقدرات قتالية ودعم إدارى وفنى قادر  وقتما يتطلب الأمر على التصدى لأى ما يواجه الدولة على كل الاتجاهات  الاستراتيجية.

ترتكز قدرات الجيش المصرى على عقيدة قتالية شريفة، وفق ثوابت دولة، لا تعتدى، ولا تتدخل فى شئون الآخرين، ولا تشارك فى تآمر، ولا تأمر بعنف أو حرب، وتسعى على الدوام لحقن الدماء والحلول السلمية للنزاعات  الإقليمية. 

دّعم جاهزية جيش مصر حيازة قواعد صناعية وإنتاجية شديدة التطور، تبنتها القيادة العامة  لتحقيق القدرة.. وتطبيق الردع. 

تسير القوات المسلحة المصرية، بخطى سريعة نحو مزيد من التطوير والتحديث، لضمان هيمنة دولة، لا تعتدى، لكنها فى الوقت نفسه، لا يمكن أن تسمح بتهديد هيبتها.. ولا أبعادها الاستراتيجية. 

لدى الجيش المصرى واحدة من أقوى القوات المسلحة فى الإقليم، وعلى مستوى العالم. 

استعداد الجيش الدائم على تلك البقعة الجغرافية من الخريطة، يجعله لا يعمل فقط كقوة دفاعية، إنما كأداة استراتيجية لبناء السلام و دعم الدبلوماسية..  وحماية المصالح الإقليمية.

المشاركة الدولية فى مناورات النجم الساطع، تشير  ضمن ما تشير إليه إلى قدرة مصر المستمرة على لعب دور استباقى فى حفظ الاستقرار.

هذه المناورات ليست مجرد استعراض عسكري، إنما هى رسالة مصرية تضاف إلى رسائل أخرى، تثبّت بها القاهرة موقعها كركيزة للاستقرار فى منطقة شديدة الاضطراب، مع التأكيد على أن مصر صوت لا يصمت على حقوق مشروعة..  ولا يمكن أن يسكت على محاولات إجهاض آمال الشعوب ولا استباحتها.