الخميس 4 سبتمبر 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
 مكتوبًا عندهم فى التوراة

مكتوبًا عندهم فى التوراة

من آنٍ لآخر يطل السؤال برأسه.. ويجلس متربعًا على علامات الاستفهام: ماذا كسبت حماس اليوم؟ 



بصيغة أخرى: ما الذى حققته الحركة دفاعًا عن الشعب وعن القضية؟ 

الإجابة: لم تحقق. 

بالعكس، توسعت دوائر العنف لتتحول إلى إبادة، وتحولت أدوات الاحتلال لمعوقات عالية ترفض التفاوض على الحياة، بعدما كان التفاوض على الأرض. 

المقاومة بطولة فى التعريف وفى الأهداف. 

لكن الفعل المقاوم هو فى الأصل تدابير وآليات للدفع نحو إيذاء المحتل، وضرب أياديه وأرجله فى الطريق للخلاص. 

أى خلاص هذا؟ 

تجبرت إسرائيل بعد 7 أكتوبر، فتحولت غزة إلى قطاعات من الهدم، وإقطاعيات من الدمار. 

منحت 7 أكتوبر أباطرة الدم فى إسرائيل أكاسير الحياة. 

ماذا كسبت حماس؟ أو ماذا كسبت القضية؟ 

-1- 

فى تل أبيب لعبوا على الفرصة، فأخرجوا أحلامًا قديمة موهومة، ورفعوها فى وجه الأبرياء والأطفال والنساء والشيوخ، وساروا بها إلى الولايات المتحدة، فى دعاوى مزخرفة بالمظلومية، وادعاءات شيطانية بحفظ الأمن. 

لا أمن ولا مظلومية، لكن  فى تل أبيب، كما فى البيت الأبيض طغاة، ظنوا أن بحور الدم، يمكن أن تكون طريقًا للأمان، وأن عواميد النار يمكن أن تكون وعودًا بالاستقرار. 

سبق وحذرت مصر هؤلاء وهؤلاء. 

سبق وأن وضعت ما استشرفته فى آخر الطريق على مائدة هؤلاء وعلى الترابيزات أمام هؤلاء. 

لا أمن ولا استقرار إلا بحلول عادلة، ولا أمن ولا استقرار إلا بتوافق فلسطينى ــ فلسطينى، لا يضع العربة قبل الحصان، ولا يضع العُقد فى المناشير حسبما يقال بالدارج المصرى. 

لكن لا حياة لمن تنادى، أو هكذا صارت أمور بعد أمور. 

فى سياسات الطغاة مسافات فسيحة لاستغلال الفرص، والصيد فى المياه العكرة. حولت حكومة اليمين فى إسرائيل محطات ما بعد 7 أكتوبر لرحلة مسلسلة استهدفت القضاء على القضية.  

عادت مسألة التهجير على سطح، كان يخفيها ولا ينهيها. 

الحلم قديم، والآمال فيه موهومة، ولا تُحقَّق الأوهام ولا تحدُث. 

مصر تتصدى على الجانب الآخر، فى ملاحم بطولة، رسمتها القاهرة منذ أول مناداة لإيجال آلون بالتهجير بعد العام 67. 

تسعى إسرائيل.. وتتصدى مصر. 

تسعى إسرائيل كالحيات، بينما السعى المصرى محمود. 

للإنصاف، لولا القاهرة، لتخطت القضية الحدود الفاصلة ما بين الحياة والموت منذ زمن الزمن. 

لن يحاسب التاريخ طغاة الدم وتجار الموت وحدهم؛ إنما سوف يحاكم أيضًا من فتح النار بلا ذخائر، ومن أطلق الرصاص بلا طائل، فارتدت النيران إلى أبرياء فوق الخنادق، وتحولت لتدخل فى خواصر أطفال، ناموا على الجوع، وقاموا على الموت.

-2- 

فى إسرائيل يعمل  وزراء الحرب على  إنقاذ سير شخصية بالقتل، والتلاعب، والتجارة بالدماء. 

وفى الولايات المتحدة، هناك من دخل الملعب بمنطق سماسرة الأراضى وتجار الشقق، والمطورين العقاريين. 

تكثر الذرائع، وتتقاطع الخطوط، بينما تظل القاهرة هى المفتاح لدى حكماء هذا الزمان، وتظل هى المفتاح أيضًا حتى لمن أرادوا إنهاء الوجود الفلسطينى، وإرجاع الوضع إلى عصور ما قبل التاريخ. 

فى فلسطين، وُجِد أهلها على تلك الأرض قبل أن يبدأ التاريخ. 

هذا ما هو مكتوب عندهم فى توراة، دخلت هى الأخرى مزادات السياسة ومقامرات الهوية. 

حتى كتب السماء أدخلوها مقار الدسائس، وعلقوها فى فاترينات بيع الشعوب وشرائها. 

الواقع معقد هذا صحيح، والصمود المصرى لا متناهٍ هذا صحيح أيضًا، لكن الصحيح هو الآخر أن الوضع فى تل أبيب مأزوم، وأن أباطرة الحرب فى إسرائيل يعانون، ويكابدون، ويصارعون أكبر هوة فتحوها بأنفسهم فى جدار النار، والنيران تبقى خارج التنبؤات بعد علو اللهب.

فى الصحافة الأمريكية، بدأوا كلامًا عن محاولات إسرائيلية لدفع الفلسطينيين إلى دول أخرى. 

قالت التقارير إن لتلك المعلومات أكثر من معنى، أولها إشارة إلى النجاح المصرى والقدرة على فرض الرأى بأن سيناء خط أحمر، وأن التهجير إلى داخل الأراضى المصرية لا يصلح أن يكون ولو مجرد فكرة.

-3- 

تناضل مصر فى مواجهة تصفية القضية. 

مصر باقية والقضية هى الأخرى مكتوب لها البقاء بتوقيع مصرى. 

 ومثلما  الأراضى المصرية خط أحمر، فإن كل محاولات تصفية القضية الفلسطينية خطوط  حمراء مصرية. 

لم تحدث أن أعادت مصر شطب خطوط حمراء رسمتها من قبل. 

لم يحدث أن تراجعت القاهرة عن ثوابت، ولا حدث أن أعادت النظر فى منطلقات مسئولياتها المحتومة بالتاريخ وبالجغرافيا، مع أن عهد القاهرة دائمًا ببعضهم المغامرة، وعهدها بآخرين المقامرة. لكن لا هذا فتَّ فى عضد القاهرة يومًا، ولا هذا فتَّ فى عزيمتها. 

قول لا يُنسَى لعبدالناصر:  «فلسطين للفلسطينيين». جدد عبدالفتاح السيسى  القول تأكيدًا وتصريحًا وأعاده على هؤلاء وهؤلاء مرات. 

فى الصحافة الأمريكية قالوا إن نتنياهو فى أزمة، وأن ترامب أيضًا. 

يناور نتنياهو فى إسرائيل طلبًا لوقت وأملًا فى سمعة جديدة، ورغبة مستميتة فى ائتلاف حكومى لو لم يستمر فإن نتنياهو نفسه سوف ينزل من مكتب رئيس الوزراء إلى سجن أريحا. 

فى الولايات المتحدة، تتعاظم مؤخرًا  نغمات المعارضة لسياسات  البيت الأبيض دعمًا لتل أبيب فى  حرب إبادة جماعية غير مسبوقة. 

وفى الصحافة الأمريكية اعتبر بعضهم كلام نتنياهو عن إسرائيل الكبرى، إشارة لغليان فى الحكومة فى تل أبيب.. وفى الشارع أيضًا. 

قالوا إنهم فى إسرائيل يعرفون أن حلم الدولة الكبرى مستحيل. 

فإذا كانت إسرائيل قد أجبرتها مواقف القاهرة على البحث عن بدائل موهومة للتهجير، فهل يمكن للشارع فى تل أبيب أن يُقنَع بأن حلم الدولة الكبرى يمكن أن يحققه نتنياهو؟ 

خبراء فى الولايات المتحدة يقولون إن فى الشارع الإسرائيلى شكوكًا ترقى إلى مستوى السخرية. 

شكوكًا كبرى فى مواجهة وَهَم «إسرائيل الكبرى». 

لكن تقول إيه؟ 

 كلها كروت أخيرة فى يد حكومة تسعى للتوازن. 

يسعى نتنياهو إلى بطولة روحية دينية لدى الشارع فى بلاده. وبعدما  سقطت كل صوره من علٍ، فهو يسعى لأن يستعيد شكل «حاخام» مرسل من السماء، لتحقيق حلم لا يضاهيه حلم. 

يحلم بينما هو يجاهد فى لملمة شتات حكومة وضعت نفسها على المحك. يعمل على أن يدفع نتنياهو بنفسه فى طريق جديدة يبدو فيها بطلًا دينيًا أوصى به أشعياء، وتكلم عنه سفر الأنشاد. 

هى  محاولات رمق أخير بقى فيه أن يستطيع «بيبى» ولو استعادة أقل المساحات إيجابية فى ذهنية أهالى رهائن تحولت تظاهراتهم لاعتياد فى شوارع تل أبيب وحيفا ويافا وحتى فى الجليل.  

يرقص أباطرة الحرب فى إسرائيل على رمال ساخنة. 

فى التوراة، حذرت نبوءات النبى أشعياء شعب إسرائيل من جدار النار فى الجانب الآخر حيث يشعله أبناء «مصراييم». 

صحيح، فإن مصر تسعى سعيًا  محمودًا، لكن ما لديها، فى الوقت نفسه، قادر على أن يشعل وقت المقتضى جدارًا هائلًا  رهيبًا  من نار.. لا تترك ولا تذر. 

هو «مكتوبًا عندهم فى التوراة».