الأحد 3 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
إحسان عبدالقدوس  ووهم الصحافة المستقلة!

إحسان عبدالقدوس ووهم الصحافة المستقلة!

كان الأستاذ الكبير إحسان عبدالقدوس رئيسا لتحرير مجلة «روزاليوسف»، لكنه كان يشغل منصب رئيس قسم الأخبار فى جريدة «الزمان» التى يملكها «إدجار جلاد» باشا الوثيق الصلة بالقصر الملكى، ويرأس تحريرها الأستاذ جلال الدين الحمامصى، وقرر إحسان تقديم استقالة مسببة إلى رئيس تحرير «الزمان» بسبب تزايد القيود التى تحد من نشاطه الصحفى!



يقول إحسان فى باقى استقالته إلى جلال الدين الحمامصى:

«اتفق معك جلاد باشا على أن أعود للكتابة على ألا أكتب فى المسائل السياسية، وقبلت أنا هذا الشرط وقد فهمت أن المسائل السياسية تعنى التعليق على الأمور والحوادث السياسية الجارية، وعلى ذلك كتبت مقالا قصيرا ليس سياسيا، لكنه وطنى ولم ينشر المقال.

 

 

 

ثم كان حادث تصريح «مصطفى مرعى بك»، ولم أكن لأجرؤ على التفكير فى أن أوافى «الزمان» بتصريح من سعادته خاص باستقالة لو لم يطلب منى سكرتير التحرير باسم رئيس التحرير، أن أوافى الزمان بأسباب الاستقالة، وقد أدلى «مصطفى بك» بتصريحه لى وأدمجه مجمل أسباب استقالته، فى الوقت الذى أبى فيه أن يصرح بشىء لكبريات الصحف ومهما كان فى هذا التصريح من معارضة لسياسة «سرى باشا» - رئيس الحكومة - الذى تؤيد سياسته «الزمان» تأييدًا صارخًا! فقد كان الواجب الصحفى والفن الصحفى والشعور بالمسئولية نحو جمهور القراء، كان كل ذلك يقضى بنشر التصريح، لأنه تصريح من رجل مسئول أولا، ولأنه كان من الممكن فى الوقت نفسه أن تنشر ما يرد به على هذا التصريح، هذا ما أفهمه كصحفى له خبرة بالصحافة، أما أن تحرم الجمهور من حق الاتصال برجال المسئولين فهذه خيانة للجمهور وفضيحة أمام الرجال المسئولين.

وقد كنت دائما أفهم سياسة «الزمان» وأقدر الدوافع لديها ومصلحة صاحب الجريدة فيها، ولكنى لم أستطع أن أفهم ولا أن أقدر أن من الممكن تضحية حرية الرأى إلى هذا الحد فى سبيل إرضاء الإنجليز تارة، وإرضاء الحكومات تارة أخرى.

ويواصل إحسان فى استقالته قائلاً لجلال الحمامصى:

وقد لا يكون هذا شأنك، ولكنك يا صديقى العزيز مسئول عن هذه السياسة أمام القانون وأمام الجمهور وأمام الضمير الوطنى، وأنت القائم على تنفيذها.

وقد كنت أعلم يوما أنك تعارضها - أى هذه السياسة - لكنك طويت معارضتك، وعودت أعصابك على التحمل، وأنت وأنا نختلف فى قوة تحمل أعصابنا.

هذه هى الأسباب القريبة لاستقالتى، أما الأسباب البعيدة فعفا الله عنها، وقد حدثتك بها حتى تدخلها فى حسابك إذا أردت أن تتحدث عن استقالتى إلى أحد من الزملاء، وحتى لا تفهم استقالتى على وجه آخر قد يسىء إلى صداقتنا الشخصية التى أحب أن أحتفظ بها دائما.

وإنى إذ أعتبر نفسى فى خدمة «الزمان» حتى آخر هذا الشهر - كما يقضى بذلك قانون العمل - أرجو أن تعمل على تصفية مركزى فی الجريدة، وسأرسل نسخة من هذه الاستقالة إلى سعادة إدجار جلاد باشا للعلم.

وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.

المخلص إحسان عبدالقدوس

■ ■

وبعد ذلك قامت مجلة «الصحفيون» التى تصدرها نقابة الصحفيين برئاسة تحرير الأستاذ مكرم محمد أحمد ورئيس التحرير التنفيذى الأستاذ صلاح عيسى بنشر رسالة ترد على إحسان تحت عنوان «جلال الحمامصى» يرد على استقالة إحسان عبدالقدوس» كما يلى:

حضرة المحترم الأستاذ إحسان عبدالقدوس

رئيس تحرير جريدة روزاليوسف

عزيزى إحسان:

تلقيت اليوم استقالتك وقد قرأت أسبابها أكثر من مرة فأحسست بأن بها جديدًا لم تتحدث إلىّ بشأنه من قبل، وأقصد ما يتصل بسياسة «الزمان» التی أعتبر نفسى مسئولا عنها أمام «القانون» وأمام «الجمهور» وأمام الضمير الوطنى، وكذلك الأسباب المتصلة بعدم نشر مقال الأستاذ عبدالحميد عبدالحق باشا، وكنت وقتذاك أقضى جانبا من إجازتى بالإسكندرية، ولو أنك تحدثت إلىّ عن هذه الأسباب جميعا من قبل لأبديت لك رأيى فى صراحة.

أما هذا الرأى فهو أن «الزمان» فى تاريخها القصير قد عالجت كل المشاكل التى مرت بمصر بأسلوب أرضى القانون، وأرضى الجمهور وأرضى الضمير الوطنى، فهى لم تتردد فى المجاهرة برأيها فى كل مناسبة وفى صراحة لم تتوافر لغيرها من الصحف، ولن أتردد فى اتباع هذه السياسة ما دمت قائما برئاسة تحرير «الزمان». أما عن استقالتك فأنت تعلم أن صاحب الجريدة غائب فى الإسكندرية وسأتحدث إليه بشأنها عند عودته إلى القاهرة. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام.

 

إحسان عبدالقدوس  - جلال الدين الحمامصى
إحسان عبدالقدوس - جلال الدين الحمامصى

 

المخلص

جلال الدين الحمامصى

وقبل أن أستعرض باقى الردود وتفاصيل ما جاء بها أتوقف قليلا أمام كلمات الحمامصى التى يظهر فيها اعتزازه الشديد بتجربة رئاسته لتحرير جريدة «الزمان»، وهو ما يدعونى إلى إعادة قراءة كتاب «من القاتل» للأستاذ الحمامصى الذى صدر عام 1985 وذكرياته حول تجربة جريدة «الزمان» ومخاوفه وقتها فيقول:

جاءنى المرحوم «إدجار جلاد» صاحب جريدة الجورنال ديجبت وهى جريدة تصدر فى مصر باللغة الفرنسية ليعرض علىّ رئاسة تحرير صحيفة يومية مسائية جديدة تصدر باللغة العربية.

وبطبيعة الحال قبلت، فقد كانت من بين وسائل إغرائه لقبول العرض قوله لى: إنه يريدها أن تكون صحيفة مستقلة تماما عن الأحزاب!

هل صدقت كلامه؟ هل صدقت فعلا إمكان أن تكون هذه الصحيفة الجديدة مستقلة تماما عن الأحزاب السياسية وعن نفوذ السراى؟ وكيف يتأتى ذلك؟ وهل كان إدجار جلاد فوق مستوى الشبهات بحيث أصدق ما يقول؟

لقد كان المعروف عنه أنه لا يتردد فى تسول تمويل الصحيفة الفرنسية من جهات متعددة، فى شكل مساعدات أو إعلانات أو تسهيلات أو مصروفات سرية، بالإضافة إلى أنه كان من رجالات القصر الملكى وممن يستخدمهم الملك فاروق فى مهام معينة؟ هل كان يمكن أمام هذا كله أن يحترم فكرة الاستقلالية ويؤمن بها، هل كان مقبولا التسليم بما يقول من أن الصحيفة المسائية الجديدة ستكون مستقلة؟ وعن من؟

ويعترف الأستاذ الحمامصى: ولست أدعى ولن أدعى أنى فكرت طويلا أمام هذه التساؤلات الضخمة، بل تركت للعاطفة حق اتخاذ القرار، بل دعمت هذه العاطفة بحنينى إلى الاستقلال فى عمل صحفى جديد أضع فيه كل آمالى وتصوراتى!

وقبلت المخاطرة فعلا وصدرت جريدة «الزمان» قوية مقبولة عند القراء ومن حسن الحظ - حظ المجموعة العاملة فى الصحيفة - أن يقع أول صدام بينى وبين إدجار جلاد بعد ظهور الصحيفة بأيام! ولعل «جلاد» قد صنع هذا الصدام كوسيلة صبيانية من وسائل إظهار قوة عضلاته سعيا للتأكيد بأنه صاحب الكلمة الأولى.