السبت 23 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
معركة حرية الصحافة بين  إحسان عبدالقدوس وجلال الحمامصى!

معركة حرية الصحافة بين إحسان عبدالقدوس وجلال الحمامصى!

لم تكن «روزاليوسف» هى المجلة أو الصحيفة الوحيدة التى كتب فيها إحسان عبدالقدوس ونشر مقالاته السياسية الجريئة وحتى بعد أن أصبح رئيسا لتحرير «روزاليوسف» فى أغسطس 1945 لم يتوقف عن ممارسة الكتابة خارج صفحات المجلة التى يرأس تحريرها!



يعترف إحسان بهذه الحقيقة فى مقدمة كتابه «دمى ودموعى وابتسامتى» فيقول:

«كنت أعمل بالصحافة كصحفى لا ككاتب مقال أو أديب ورغم أن والدتى «فاطمة اليوسف» هى صاحبة دار «روزاليوسف» إلا أننى جربت العمل فى جميع الصحف، فعملت فى «دار الهلال» و«آخر ساعة» و«المصري» و«الأهرام» و«الزمان»، و«الجرنال دى إيجبت»!.. و..و

وللأسف الشديد لقد فقدت الصحافة تاريخا مهما كان من الممكن أن يرويه إحسان عبدالقدوس من خلال تجربة العمل والكتابة فى هذه الصحف والمجلات فهى تجربة غنية لم تتكرر كثيرا بعد ذلك!!

 

وأتوقف هنا أمام الفترة التى عمل فيها «إحسان عبدالقدوس» فى جريدة «الزمان» التى كان يرأس تحريرها الأستاذ «جلال الدين الحمامصى» ويملكها «إدجار جلاد باشا» صاحب جريدة «الجورنال ديجيبت» أيضا وتصدر باللغة الفرنسية.

وعن تلك الفترة يتذكر إحسان عبدالقدوس فى حواره مع الأستاذ محمود مراد (كتاب اعترافات إحسان عبدالقدوس: الحرية الجنس» فيقول:

- لقد كنت على علاقة طيبة بإدجار جلاد سببها اقترابى من الشخصيات الصحفية الكبيرة الموجودة فى الساحة للاستفادة من خبرتهم والتعلم منهم، هكذا مثلا عرفت «أنطون الجميل» رئيس تحرير الأهرام وتوفيق دياب» وغيرهما من الأعلام.

وتوطدت علاقتى بإدجارد جلاد إلى حد أنه عندما فكر فى إصدار جريدة «الزمان» سنة 1947 لتكون جريدة مسائية، وخلال بحثه عمن يكون رئيسا للتحرير رشحت له «جلال الدين الحمامصي» الذى كان يعمل فى «الكتلة» جريدة مع «مكرم عبيد» ثم توقفت عن الصدور أو تركها لا أتذكر وأصبحت أنا - إلى جانب رئاستى لتحرير «روزاليوسف» رئيسًا لقسم الأخبار  فى الزمان.

ويقوم الأستاذ «محمود مراد» بسؤال إحسان فى خبث ومكر: إننى أعتقد أن اللقاء فى تلك الفترة بينك وبين «إدجار جلاد».. بين شاب متصل بالحركات الوطنية وبين أحد رجال السراى كان لقاء غير منطقى وغير طبيعي؟!

ويجيب إحسان عن السؤال الماكر قائلا: ربما ما تقوله صحيح.. لكنى ذكرت أن اللقاء كان بين شاب يخطو خطواته فى عالم الصحافة وبين رجل متمرس، ومن هنا تجىء فائدة اللقاء بين جيل يريد الخبرة وجيل لديه الخبرة، لكن بعد هذا عندما عملت فى الزمان برز ما ينطوى عليه كلامك.

إذ كنت التقى فى الصباح بإدجار جلاد و«عندما يسألنى عن الأخبار أروى له عشرات منها، بالغة الأهمية ويتصل كثير منها بالحركة الوطنية».

وكان الرجل يبدى اهتمامه بها ثم عندما أكتبها لا تنشر فى الجريدة وأعرف إنه هو الذى منع نشرها.. أى أنه كان يسعى لمعرفة «الأخبار» لعلمه هو فقط أو هكذا ما استنتجته - لينقلها إلى دوائر أخرى للحكومة أو للسراى وربما لجهة أخرى!

 

 

 

هنا قدمت له احتجاجى.. لكنه استمر على موقفه ثم حدث خلاف فى العمل بينى وبين «جلال الحمامصي» - رئيس التحرير - وخلاف فى العلاقة التى تربط ثلاثتنا.. بين «جلاد» - كصاحب جريدة - و«جلال» كرئيس  تحرير - و«أنا» كرئيس قسم أخبار- أى أن المناخ لم يعد يريحنى كما أن الأخبار التى أقدمها «لجلاد» وصارت تستهدف ما لم أقصده.. بل ما أكرهه فقدمت استقالتى ومشيت».

انتهى ما قاله الأستاذ «إحسان لمحمود مراد فى كتابه الصادر سنة 1980 أما التفاصيل الأكثر إثارة وغرابة فقد تكشفت بعد 9 سنوات تقريبا!

التفاصيل كشفت عنها مجلة «الصحفيون» التى كانت تصدرها نقابة الصحفيين، مجلة شهرية متخصصة فى الشئون الصحفية وكان رئيس التحرير الأستاذ مكرم محمد أحمد ورئيس التحرير التنفيذى الأستاذ «صلاح عيسي» وكان عدد المجلة يحمل أرقام 5، 6، 7 أى شهور يونيو- يوليو- أغسطس 1990 (أى ثلاثة أعداد فى عدد واحد).

تحت عنوان «عندما استقال إحسان عبدالقدوس من الزمان» نشرت المجلة مقدمة مهمة لشرح تفاصيل ما جرى عام 1949 فقالت:

هل من حق الصحيفة أن تحجب عن النشر حديثًا أجراه أحد كبار محرريها مع قطب سياسى فى موضوع يهم الرأى العام إرضاءً لجهة تمولها أو ترتبط معها بصلات صداقة أو مراعاة لملاءمات تتعلق بوجهة نظر صاحبها؟!

■ وما الموقف الذى يتخذه الصحفى فى مواجهة ذلك؟

هذه هى القضية التى تثيرها الرسائل الخمس التى ننشرها فى هذا العدد، وهى رسائل متبادلة بين ثلاثة من كبار الصحفيين المصريين الراحلين، يعود تاريخها إلى أكثر من أربعين عامًا مضت.

الأول هو الأستاذ «إحسان عبدالقدوس» - الذى أهدتنا الزميلة نرمين القويسنى- سكرتير إحسان- بصورة من هذه الرسائل الخمس التى عثرت عليها ضمن أوراقه الخاصة وكان فى ذلك الحين يجمع بين رئاسته لتحرير «روزاليوسف» وعمله فى جريدة «الزمان» اليومية المسائية.

 

 
 

 

والثانى هو الأستاذ جلال الدين الحمامصى الذى كان يرأس آنذاك- 1949- تحرير «الزمان»!

والثالث هو الأستاذ «إدجار جلاد باشا» صاحب «الزمان» وهو من جيل الصحفيين الرواد وكان على صلة وثيقة بالقصر الملكي.

والرسائل الخمس تروى القصة ولذلك نتركها تتكلم دون تدخل أو تعليق.

كانت الرسالة الأولى بعنوان «إحسان عبدالقدوس يقدم استقالة مسببة فى «جلال الحمامصي» وجاءت كلماتها كالتالي:

حضرة المحترم الأستاذ جلال الدين الحمامصى رئيس تحرير جريدة الزمان:

عزيزى «جلال»

هذا خطاب استقالتى وهى استقالة بدأت أسبابها منذ أن عدت من رحلتى فى أوروبا، وقد اعتقدت أنك «وجلاد باشا» قد اتخذتما خلال غيبتى قرارًا بشأن تنظيم اختصاصى ومركزى فى الجريدة، ولكنى مع الأسف عدت لأجد أن الحال لا يزال كما هو وأن القيود التى كانت تحد من نشاطى قد اشتد ضغطها…

ثم حدث حادث المقال الذى طلبته من «عبدالحميد عبدالحق باشا» لنشره فى «الزمان» والذى لم تنشره الزمان لسبب ظل مجهولاً لدى إلى أن أنبأنى به «جلاد باشا» وهو أن المقال كان يحوى نقدًا للاستعمار البريطانى ودعوة أن تتوجه الأحزاب المؤتلفة بجهودها نحو تخليص مصر من الاحتلال.

وقد بلغ من تجنى «جلاد باشا» عليّ فى هذا الحادث إنه قابل «عبدالحميد عبدالحق باشا» فلما سأله عن المقال؟

أجاب- أى جلاد باشا» بأنى لم أبعث إلى الزمان بأى مقال منه! وقد أبيت أن أخبر «عبدالحق باشا» بالواقع لأنه كان عزيزًا على أن أذيع أن صديقى «جلاد» يتجنى على الحق وعليّ!

ومن يومها ابتعدت عن مد «الزمان» بأى حديث صحفى أو خبر أو مقال إلا ما يطلب منى وقد رأيتما- أنت وجلاد- ألا تطلبا منى شيئًا.

ثم كان حديثًا جرى بينى وبين «جلاد باشا» بشأن تنظيم اختصاصى فى الجريدة وصممت خلال حديثى على أن يكون لى حق إبداء رأيى على صفحات الجريدة، لأنى التحقت بها ككاتب وكصحفى، لا كصحفى إخبارى فحسب وبدأت العمل بها بكتابة سلسلة مقالات تحت عنوان «حديث العصر» ثم طُلب منى أن أكف عن الكتابة مؤقتًا لأن هناك تنظيمًا جديدًا للصفحات.

ومن يومها لم يطلب منى أن أعود للكتابة ولم أر تنظيمات للصفحات!.

وللمعركة والحكاية بقية!