
رشاد كامل
حكايات صحفية
هيكل يحذر بهاء من رقيب الأهرام!
رفض الأستاذ الكبير أحمد بهاء الدين.. تنفيذ قرار نقله من دار الهلال وتعيينه رئيسًا لمجلس إدارة «روزاليوسف» وحرص الأستاذ محمد حسنين هيكل.. أن يعرف تفاصيل ما جرى، وقد فاجأه تصريح «بهاء» إنه سيبحث لنفسه عن عمل فى الصحيفة التى تقبله، وعندما عرض عليه هيكل العمل فى الأهرام، وافق بهاء وقبل عرض هيكل دون تردد!

ولم تتوقف تفاصيل الحكاية عند هذا الحد بل كانت الكواليس وما دار فيها مدهشًا ومثيرًا، ونكمل الحكاية مع الأستاذ «بهاء» الذى يقول:
وبعد يومين عرفت من الأستاذ «هيكل» أنه أخذ سيارته فى الصباح التالى لحديثنا وذهب إلى الرئيس «السادات» فى الإسكندرية وأنه وصل وقت الغداء فدعى إلى المائدة مع الرئيس «السادات» وحرمه السيدة «جيهان» والفريق «أحمد إسماعيل» -وزير الحربية- وزوجته.
وروى الأستاذ «هيكل» لى أنه سأل الرئيس السادات فورا عن هذا القرار وعن مبرراته وقال له الرئيس السادات:
- أنت تعرف مشاكل مؤسسة روزاليوسف وأحمد بهاء الدين يعرفها أكثر من سواه ولم يخطر لى أن يكون هذا عقابا!
وقال له الأستاذ «هيكل» أن بهاء يعتقد غير ذلك، ويعتقد أن هذا القرار له شكل العقاب لأسباب أخرى !
وسأل السادات :أى أسباب؟
فقال له «هيكل» بروفات دار الهلال التى كان يحذف منها ويكتب عليها تعليقًا بإمضائه!
وروى لى الأستاذ هيكل إن السيدة «جيهان السادات» والفريق «أحمد إسماعيل» انطلقا يدافعان عنى بحرارة، السيدة جيهان تبدى دهشتها من تصرف «السادات» مع صديق يعرفه جيدا دون سؤال والفريق «أحمد إسماعيل» يقول له إننا ندرس بعض مقالاته فى الكلية الحربية!
وقال السادات: طيب هل قال لك ماذا يريد وقد رفض كما علمت تنفيذ القرار؟!
قال هيكل له: لقد عرضت عليه العمل ككاتب فى الأهرام وهو عرض قديم فى الواقع وقد قبل فعلا هذا العرض!
وقال له «السادات» منهيًا الحديث:
- خلاص «زى ما أنتو عاوزين».
ويستطرد الأستاذ «بهاء» فيقول: بدأت عملى فى جريدة الأهرام من اليوم التالى، ولم يعكر صفوى إلا أن بعض أجهزة الدولة - بناء على تعليمات بالطبع- حاولت تحريض عمال مطبعة روزاليوسف للإضراب والهتاف ضدى حتى يبدو عدم تنفيذ القرار وكأنه ليس اختيارا منى، ولكن لأننى غير مقبول من العاملين فى دار روزاليوسف، ولكن المحررين والمحررات والعمال غير المتصلين بالأجهزة واجهوا هؤلاء بالهتاف ضدهم وتهجم زعيم المظاهرات على زميله من المحررات «السيدة فايزة سعد» فصممت على تقديم بلاغ ضده تتهمه بالسب العلنى وصممت على المضى فى هذا البلاغ حتى النهاية وشهد «كل الحاضرين ضده فى المحكمة وحكم عليه بالعقوبة فيما بعد».
يصف الأستاذ «بهاء» مرور مصر باضطرابات الطلبة والعمال عامى 1971 و1972 بسبب حديث الرئيس السادات المستمر عن حتمية المعركة وشعور الناس بأنه لا يوجد أى شيء يدل على الاستعداد لأى معركة. وتصادف أن سافر وفد من جريدة الأهرام على رأسه الأستاذ «محمد حسنين هيكل» فى رحلة طويلة إلى الصين.
وانتشرت دعوة بين الصحفيين لكتابة بيان باسم الكتاب والصحفيين ووافق الأستاذ «توفيق الحكيم» متحمسًا على أن يتولى كتابة هذه الرسالة أو هذا البيان ووقع عليه بالفعل ما يقرب من مائة صحفى وكان فيه فقرة لم ينسها السادات أبدا لتوفيق الحكيم بعد سنوات طويلة كما سمعت منه وهى فقرة تقول:
«لقد كثر الكلام عن المعركة دون معركة حتى صارت المعركة مضغة فى حلوقنا لا نستطيع أن نبتلعها ولا نستطيع أن نلفظها..» وبعد إرسال هذه الرسالة، عاد «هيكل» من الرحلة ووجد الرئيس «السادات» فى قمة الغضب، ووجد أنه استقر فى ذهنه أننى كنت المحرض الأول على هذه الرسالة، وقد كنت بالطبع مؤيدا رغم أننى لم أوقعها لمرض الأنفلونزا الشديدة فى ذلك الوقت.
وبدأت الصحف تنشر أسماء الذين وقعوا على الرسالة على دفعات مع قرارات بنقلهم من الصحف إلى مصلحة الاستعلامات، ولم يكن هذا فى رأيى هو المهم، ولكن الذى آلمنى حقا أن الصحف كانت تنشر أسماء أبرز وألمع كتابنا مقرونة بصفات العملاء والخونة وما إلى ذلك من صفات!
ولم أكن من بينهم ولكننى ذهبت إلى الأستاذ «هيكل» وقلت له: من المستحيل أن يحدث هذا دون أن يصدر عنا أى صوت بالاحتجاج؟!
وقال لى هيكل: ألا تعرف أن هناك رقابة على الصحف؟ وأين الرقيب الذى سيسمح بنشر احتجاجاتك؟

قلت له: أنا لا أريد أن أتخذ موقفًا بطوليًا ويشطبه الرقيب ولكننى أريد أن أكتب مقالا عقلانيا هادئا جدا فيه معنى الاحتجاج ولكن فيه أساسا فتح باب لتضميد الجراح.
وبالفعل قام الأستاذ «بهاء» بكتابة مقال بعنوان محايد وهو «بدلا من العنف المتبادل، ويواصل الأستاذ «بهاء» سرد تفاصيل ما جرى بقوله:
«كنت أستعد للسفر فجر اليوم التالى إلى لندن إذا كنت مسافرًا لإلقاء ثلاث محاضرات فى كلية «سانت أنطون» فى جامعة إكسفورد وكنت مسافرا فى الساعة الخامسة صباحا، ولكن فى الساعة الحادية عشرة ليلاً وأنا أحزم حقائبى دق الباب، ووجدت «هيكل» واثنين أو ثلاثة من الزملاء وقال لى «هيكل» الخبر على دفعتين: قال لى أولا أن المقال شطبه الرقيب.. وبعد قليل قال لى إنه صدر قرار من الرئيس بنقلى أنا أيضا إلى مصلحة الاستعلامات.
كان رد فعل الأول أننى اتصلت بالمطار لألغى سفرى إلى لندن مشاركة للمعاقبين المذنبين، وقلت له لن أقوم بالإجراء الشكلى وهو التوقيع على إقرار بتسلمى العمل فى مصلحة الاستعلامات وسأعتبر نفسى مفصولا.
وكان من رأى هيكل أن أقوم بالرحلة ولكنى قلت له إننى سأقابل بضجة كبيرة على ضوء ما نشر بالفعل من طرد الصحفيين، ولن أرضى ضميرى إذا رددت بحملة قاسية على السلطة المصرية وأنور السادات، ثم أنه من الأفضل البقاء تضامنا مع الأكثر من تسعين كاتبا وصحفيا مطرودين ويهاجمون فى سمعتهم ووطنيتهم وشرفهم…
وتمضى فترة من الزمن وتقوم حرب أكتوبر 1973 ويكتب بهاء كتابه الشهير «وتحطمت الأسطورة عند الظهر» الذى فرح الرئيس السادات به لأنه أول كتاب عن حرب أكتوبر وجاء بالذات من أحمد بهاء الدين.
ويستطرد الأستاذ «بهاء»: «رغم علاقتى الوثيقة بـ«هيكل» لم أشعر بتصاعد الأزمة بين السادات وهيكل، ولم يكن هيكل يتحدث فى الأمر، وكنت أسمع ما يسمعه أى شخص بين الشائعة والتصديق، وفى غمرة التعبيرات التى حدثت بعد حرب 1973 وعودة المنفيين المحكوم عليهم بدأت تتردد أقوال عن قرب إطلاق سراح «مصطفى أمين» مع تحسن العلاقات بالذات مع الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، وتردد كلام عن وساطات من المرحوم الملك «فيصل» ومن الشيخ «كمال أدهم».
ومع ذلك كانت مفاجأة هائلة بالنسبة لى، عندما كنت جالسا فى مكتبى فى الأهرام ذات صباح، وفتح «هيكل» الباب فتحة صغيرة وقال لى جئت لك بمفاجأة حزر؟ ولم يكن غير مألوف أن يأتى هيكل إلى مكتبى فجأة أو إلى مكتب غيرى ويجلس ليدردش، فضحكت ولم أرد وإذ به يفتح الباب وأجد «على أمين» واقفا بجوارى يقتحم الغرفة وأقفز من مكتبى ونتبادل العناق».
هكذا قابلت «على أمين» و«هيكل» ببشر عظيم ولم يبقيا كثيرا، فقد قال لى «هيكل» أن «على أمين» مصمم على أنه يرى كل مبنى الأهرام الجديد فى نفس اليوم، وأنصرف «على» على اتفاق أن أتصل بعلى أمين أو يتصل بى بعد ذلك !
وبعد أيام أصدر السادات أمرا بالإفراج عن مصطفى أمين..
وللحكاية بقية!