الأحد 15 يونيو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
هل تصلح الفتوى ما أفسده هوى سلفى؟! ( 2 )

هل تصلح الفتوى ما أفسده هوى سلفى؟! ( 2 )

كلام الله ومقصوده فى آياته البينات فى كتابه العزيز. أما الفتوى فهى أثر كتاب الله فى عقول عباده فى عصر ما وفى زمن ما. 



فى مجتمع سلفى الهوى، تخرج الفتوى سلفية، رجعية، تنظر إلى الخلف وترقب إلى الوراء، بصرف النظر عن الاختلاف بين عصورنا وعصور الأولين، وبين زماننا ومقتضياته خلافًا لأزمان الأولين.

هل يكفى ضبط الفتوى لضبط المجتمع؟ 

السؤال بشكل آخر: هل يعصمنا تقنين الفتوى من فهم خاطئ للدين، أكل فينا وشرب، فأخرج الدين عن مفهومه أحيانًا، وأخرج الإرهاب بفهم خاطئ لآيات الله كثيرا، ونزل الحرق والدمار والقتل أحيانًا أخرى بدعوى أوامر الله وسنن رسول الله؟

هل يكفى تنظيم الفتوى؟ 

هل يكفى سن التشريعات لمن يحق له الإفتاء، ومن الذى لا يحق له؟

ربما مفهومنا عن الفتوى ونظرتنا إليها إشارة إلى خلل أصاب مجتمعاتنا، فخرج بها عن خط إسلام اليسر، ودين السماحة وعقيدة العقل، فطلبنا الفتوى فى المأكل والمشرب والملبس، وطلبناها فى العلاقات العاطفية، وفى العلاقات الزوجية وفى لعب العيال.

مفهومنا للفتوى أظهر نظرتنا للدين، واعتبارنا للفتوى أظهر أن الدين بالنسبة إلينا قد تحول إلى طقوس وإجراءات، فخرجنا عن مقصوده الحقيقى، ومقصود الدين الحقيقى إصلاح المجتمعات وضبط السلوك الخلقى والمعاملاتى لأفرادها. 

 

 

 

 

-1- 

نظرة على الأسئلة على مواقع الفتاوى الإلكترونية.. وإجاباتها، تجد آثامًا وخطايا، وتجد أيضًا إشارات إلى ما وصل إليه فهم خاطئ للدين، أخرجه عن مقاصده، وأغرقه فى الاحتفال باللفظ أكثر من المضمون، ووصمه بالنقل قبل العقل.

كلها استفسارات عن طقوس.. لا مضامين.. وعن إجراءات لا معانى: «هل تنفع صلاتى بنسيان النية؟».. «هل ينفع صيامى لو نمت بلا اغتسال؟».. «هل من اتوضأ بسرعة تجب عليه كفارة؟».. «لو قلت دعاء دخول الخلاء.. والخروج منه.. هل لى أجر؟» (طبعًا الخلاء هو الحمام). 

كلها إشارات للذى أصبح عليه مفهوم الإسلام من ضيق فى العقول.. وكلها إشارات إلى مصائب فى التفكير.. ومشاكل فى التدبير.. وسوء تقدير لحقيقة الدين.. ومقاصد الدين.. وربما للأسباب الأساسية التى من المفترض أن شرع الله من أجلها الدين!

من السبب؟ 

إن جيت للحق، بعض مشايخنا السبب، فهم الذين رسخوا السطحية والطقوسية، وهم الذين ضيقوا الرؤى.. وهم الذين حصروا الدين وحاصروه فى حركات.. وهم الذين حصروا الإسلام فى إجراءات!!

ارجع للإجابات على مواقع الفتاوى، تر كيف تمعَّن بعضهم فى توقيف العقيدة على الطقوس. لاحظ إلى أى درجة أصر بعضهم على احترام اللفظ أكثر من المعنى.. وكيف تمسكوا بالحرف أكثر من المبدأ.. أو المصلحة! 

تتقدم المجتمعات الإنسانية من بداية العلوم، ثم ترتقى للمعرفة، قبل أن تصل إلى مرحلة الوعى.  العلم درجة أدنى من المعرفة، فالعلم بداية، والمعرفة مرحلة تالية على العلم.. أما الوعى فيتشكل كنتيجة مرحلة ما بعد المعرفة. 

الإلمام بنواقض الوضوء علم.. لكن هضم مفهوم الوضوء وانعكاس الغرض منه على أوجه مختلفة ومتعددة ومتنوعة لنظافة المجتمع المسلم.. وعى. 

شرع الله الدين لصلاح المجتمعات، لذلك ظلت حقوقه سبحانه (فى العبادات والطقوس) محل عفوه.

 فكما لا تكفى الطقوس وحدها لصلاح العقيدة.. لا تكفى العبادات وحدها لصلاح المجتمعات.

لذلك ففيما يغفر الله سبحانه فيما له من حقوق، فهو لا يتسامح فيما للمجتمعات من مصالح، لذلك وضع الإسلام أصعب الجزاء للاعتداء على الأفراد أو الاعتداء أو تعطيل أو تكدير سلم المجتمعات.

من قال إذن إن الدين فتوى فى دعاء دخول الخلاء، أو هو وصايا لكيفية الخروج منه؟

كما لا تبدو على طالبى الفتاوى أى رغبة فى الوصول بالمعلومة الدينية إلى مرحلة الوعى، فإنه لم يظهر لدى كثير من المشايخ محاولات حقيقية واقعية للعبور بالمسلم من مرحلة الطقوس، وسحبه إلى آفاق الدين الواسعة، وآفاق رؤية إسلامية، ترى أن الدين اجتهاد، وأن الأحكام متغيرة، وأن الإسلام معاملات قبل أن يكون عبادات وسننًا.. ونوافل. 

من السبب فى ميل الدين ناحية العبادات على حساب المعاملات؟ 

ثم بعد ذلك كيف تتصور نتيجة هذا؟ 

 

 

 

-2- 

متى تنفض مجتمعاتنا عن نفسها تراب التراث ورغبات العودة بالزمن إلى زمن الصحابة والتابعين وتابعى التابعين؟ 

أزمتنا فى سلفيتنا. 

فالسلفية نظرة قاصرة للدين، أو نظرة رجعية له، تنشد ما قام به الأوائل، وتعتبر الإسلام حكرا على سلوكيات وتصرفات واجتهادات الأولين. 

لن يفيد تنظيم الفتوى كثيرا وسط تلك النظرة للدين. لن يفيد تقنين أوضاع الفتوى مع نظرة ليست سليمة للإسلام، غاب فيها الفهم الحقيقى لمقصود الله منه وتوارى معها المفهوم عن الأصل فيه. 

الدين معاملات تصح بها الدنيا، وعبادات تصح بها الآخرة.

لكن أزمتنا تظهر بوضوح فى اقتصار أسئلتنا على مواقع الفتوى عن العبادات، وعن النوافل، وعن سنن الوضوء، وعن آداب الجماع. 

ظهر التغير على الشارع المصرى بشدة بداية من الثمانينيات، فقد أتقنا إغلاق الشوارع بالحصير الأخضر، وتكدست الميادين بمصلى التراويح، بينما تكدست المحاكم فى الوقت نفسه بدعاوى ومنازعات أكل الحقوق وأموال اليتامى، والجور على الأرامل والمطلقات.

من لم تنهه صلاته فلا صلاة له، لكن كثيرًا من المصريين يصلون ويصومون.. ثم يأكلون الحقوق.. ويقذفون المحصنات.. أيضًا.

ازدواجية شديدة ظاهرة. 

ارتفعت نسبة الحجاب فى الشارع 50% على الأقل مقارنة بما قبل 30 عامًا، لكن لم تنخفض نسبة التقاضى فى الحقوق أمام المحاكم، ولا تناسب رقم نزاعات الأحوال الشخصية بالانخفاض، مقارنة بما بدا تدينًا فى الشارع.

لماذا التناقض؟

 لأننا ملكنا سمات الدين؛ لكننا لم نملك الدين، ولم نفطن للمفهوم الحقيقى للدين، ولم نستوعب مفهوم الشارع الأصلى من الشرع. 

لن يصلح تنظيم الفتوى نظرتنا للدين ولن يعدل مفهومنا له.

بالعكس، فقد أوغلت الفتاوى فى تطقيس الإسلام، وركزت على العبادات أكثر من المعاملات، واهتمت باللفظ أكثر من المعنى، ورفعت البراويز أعلى درجة من المضامين. 

فكان ما كان.

لا يمكن أن ينكر أحد أن مجتمعاتنا هواها سلفى بامتياز.

الفتوى فى مجتمع ما، هى انعكاس للفكر الجمعى. لا تتقدم المجتمعات الإسلامية بتقنين الفتوى، إنما تتقدم بتحرير الدين وبالاجتهاد وبالتأويل وبمرونة التفسير. 

على مواقع التواصل، الأيام الماضية، تداولوا تصريحات لأزهرى مُعمم، نهى فيها الأم عن الظهور أمام أبنائها بأردية تُظهر ذراعيها أو رجليها! 

 

 

 

هل يمكن تصور هذا؟

هل يجوز التعامل وفق ذلك الكلام الذى يخالف الفطرة السوية، ويخالف الطبيعة البشرية، ويخالف الذوق السليم؟ 

فى الفقه الإسلامى قاعدة اسمها «الذوق السليم». والذوق السليم مقياس فى أمور كثيرة لو غلب الهوى أو استشكل النص.

هل حض الإسلام المرأة على الحجاب فى بيتها بين أبنائها وزوجها؟ 

هل هذا كلام الله؟

بالمناسبة، وفق قانون الفتوى الجديد، فإن صاحبنا الشيخ إياه صاحب تلك الفتوى ممن يباح لهم الفتوى، فيؤخذ منه ولا يرد عليه! 

 

-3- 

نحن فى حاجة إلى فتح آفاق الدين الواسعة. لن ينقذنا إلا استعادة قوة الاجتهاد، واستعادة الثقة فى المجتهدين بمرونة مطلقة، تخرج من نطاقات التراث الضيقة، إلى رحاب الإسلام الواسع، فى زمن يمد الفكر السلفى فيه رأسه، ويفتى على ما أفتى به الصحابة والأولون والتابعون وتابعو التابعين. 

القرآن كلام الله القديم المستمر، لكن كل ما دون كتاب الله فهو تراث. كل ما هو موجود فى كتب الأولين تراث. والتراث يجوز الاعتبار به، والأخذ منه، مع التعديل، والإضافة والحذف، لأن الأحكام تتغير مع تغير الزمان. 

السنة النبوية نفسها ليست إلا محاولات نبوية لبيان مقاصد الله فى كتابه، لذلك يجوز اعتبارها أول محاولة بشرية لتبيان مقصود الله من شرعه. 

التراث هو اجتهادات السلف فى التعامل مع «النص»، والنص ثابت لكن التراث متغير. 

والتراث صناعة بشرية، بينما القرآن صناعة ربانية. 

والذى من عند الله ثابت، لكن الذى من عند البشر متغير.. والمتغير يجوز معه الزيادة والنقصان، والخطأ والصواب، ويجوز معه أيضا التجديد. 

ولو كانت اجتهادات المسلمين الأوائل لها ما للأصل من كمال، لوازت حجيتها حجية الأصل، وهى نتيجة لا يرضاها مؤمن. 

ولو كان لاجتهادات الأوائل ما للأصل من حجية وثبات، لاكتسبت أقوالهم قوة إلزام ما لآيات الله من إلزام، ولما جاز للمسلمين فى عصر ما بعد التابعين وتابعى التابعين من الاجتهاد بالرأى، ولما نشأت علوم الفقه للفصل فيما لم يرد فيه نص، أو بيان مبهم، أو تبيان ما هو غير واضح. 

فهم الصحابة صحيح الدين ومقصود الله منه، فأوقف عمر بن الخطاب (رض) حد السرقة فى المجاعة، رغم صراحة القرآن فى قطع يد السارق. وأوقف عمر أيضا سهم «المؤلفة قلوبهم» رغم صريح الآية الكريمة بذلك. 

أجاز مفهوم المرونة للصحابة حرية التعامل روح الآيات الكريمة.. واكتشاف علل أحكامها حسب مصلحة المسلمين.

 ما استخلصه المسلمون الأوائل من أحكام تأسيسا على فهمهم للنص فى زمانهم، كانت كلها اجتهادات قياسًا على الأصل. واجتهاد الأولين فى النص، ووقائع مسالكهم فى التعامل معه كما يجب التيقن من حدوثها؛ فإنه يجوز أيضا العدول عنها لو اقتضت الضرورة.. وتغير الزمان.

الأزمة أن الذى حدث كان العكس. 

إذ مال الهوى السلفى إلى الإسراف فى التضييق قياسا على أحكام الأوائل، وانحاز فكر سلفى للتزمت والتضييق والتغليق، بحجة الالتزام برؤى أهل عصور الإسلام الأولى.

والنتيجة أن الدين ضاق.. بلا سبب ولا مقتضى. 

-4- 

سأل عمر بن الخطاب ذات مرة ابن عباس: على ماذا يختلف المسلمون بعدنا.. فربنا واحد.. وكتابنا واحد.. ورسولنا واحد؟

أجاب ابن عباس: «سيجىء من بعدنا قوم يقرأون القرآن.. ثم لا يدرون فيما نزل.. فيؤولونه.. ويختلفون فيما أولوا.. ويقتتلون على ما اختلفوا فيه». 

وقد كان، كانت معظم أزمات التاريخ الإسلامى وخلافاته المذهبية بسبب تأويلات أصولية.. أو سلفية للنص. 

لا تتفق التأويلات السلفية مع المجتمعات الجديدة.. ولا مع الدول الحديثة. الأصوليون رجعيون، ومفهوم السلفية نفسه محاولة لشد المجتمع للخلف بحجة الحفاظ على الدين، وبدعوى العودة لعصوره الأولى. 

لكن الإسلام ليس رجعيا. وقد شرعه لصلاح المجتمعات باختلاف الأزمنة. لم يوقف الله الإسلام على عصور بعينها.. ولا على أفراد بذاتها. 

النظرة السلفية للدين هى التى تدخل أصحابها فى صراع دائم مع مجتمعاتهم. وعندما دخلت السياسة فى الدين، قاتل الأصوليون بعضهم على الاعتقاد، وقاتلوا غير المسلمين على الهوية.. وقاتل بعضهم بعضا طلبا للحكومة والسلطة. 

السياسة فى الدين، هى استغلال للإسلام، فى حيل السياسة، وهى الخطيئة الواضحة للفكر السلفى. مصطلح «السلفية» نفسه تقليد.

 والسلفية ليست وصفًا دينيًا، لأن الدين تقدمى، بينما السلفية رغبة واضحة للعودة بالزمن للخلف تمسكًا بسلوك «السلف». صحيح…

الاستئناس بمسالك الأوائل مفيد. لكن من غير المفيد ولا المعقول رفع سلوك الأوائل لمرتبة أكثر من مجرد اجتهادات بشر.

الفجوة بين جماعات السلفية ومجتمعاتها؛ هى نفسها الفجوة بين اجتهادات السلف فى أمور الدنيا فى عصورهم، وبين ما تستوجبه مصالح المجتمعات الحديثة من أحكام شرعية جديدة وتأويلات جديدة للنص. 

والإصرار على إنزال نفس اجتهادات «أبى بكر وعمر» (رض) فى تسيير أمورهم فى عصورهم، على أمورنا فى عصورنا ليست فى صالح السلف وليست فى صالحنا. 

 الدين من عند الله، لكن تفسير مقاصد الله من دينه اجتهادات بشر. وفى الاجتهاد يجوز الاختلاف والنقض والعدول عن أحكام لأحكام أخرى. 

يعرف الفقه الإسلامى جواز تغير الأحكام الشرعية بتغير الأزمان. لذلك اختلف الصحابة نفسهم طلبا للمصالح.

رفض عمر (رض) فى البداية قرار «أبى بكر» بحروب الردة.. ووافق فيما بعد وقال : «لو لم تكن فتنة لمنعته». 

الأصل فى التشريع المرونة، ومرونة التشريع أولوياتها مصالح المجتمعات.. مهما تغيرت الأزمان. 

التطور المستمر أبرز سمات المجتمعات منذ خلق الله الأرض. 

 قابل الله تعالى سنة التغيير فى خلقه، بقابلية النص القرآنى الدائمة لإعادة التأويل، ولا تأويل بغير اجتهاد، ولا اجتهاد بغير حرية فى فهم النص الدينى، والغرض منه، والمقصود به، ومراده. 

الأمثلة كثيرة.. خد عندك: فى فترة ما لم يجز الفقه قراءة القرآن مقابل أجر، لكن لما تغيرت الظروف، وفتح المسلمون بلادا لا تتكلم العربية، أباح الفقه قراءة القرآن نظير مال، والغرض كان نشر آياته وتشجيع تلاوته. 

فترات أخرى كان مباحا بنص القرآن الكريم شهادة الأقارب لبعضهم، لكن مع تغير العصور، وفساد الذمم، تدخل الفقه مرة أخرى، ليُبطل شهادة الفروع للأصول، ثم أبطل شهادة الزوجين لأحدهما أو عليه. 

كثير من أحكام الله صدرت معللة أو مسببة. 

يعنى صدرت محاطة بظروف وأسباب تؤيد الحكم الشرعى وتوجبه، لكن لما تتبدل الظروف وتتغير الأسباب، ليس هناك ما يمنع المسلمين من تغيير الحكم أو توقيفه.. أو إعادة النظر فيه؟ 

فهم المسلمون الأوائل روح النص بصلاحه لكل زمان ومكان. هذه هى مرونة النص كما فهمها المسلمون الأوائل، وكما فهمها الصحابة رضوان الله عليهم، ثم فهمها التابعون وتابعو التابعين. 

لذلك اعتبر أهل الفقه فى أزمنة متأخرة قاعدة تقول بجواز تغير الأحكام.. بتغيرالأزمان. 

وتتغير الأحكام طلبا للمصلحة. 

عمر بن الخطاب رضى الله عنه فى خلافته، عمل وفقا لمبدأ أن المصلحة أساس الأحكام الشرعية، لذلك أوقف العمل بحكم آية المؤلفة قلوبهم، فأوقف حكما أقره القرآن! 

فطن عمر إلى أنه حتى الحكم القرآنى فيه من المرونة ما يجيز توقيفه طبقا للمصلحة. وحيثما توجد المصلحة ثمة شرع الله، ولو تعارضت المصلحة مع نص، فإنها تقتضى إعادة تأويل النص. 

فهم عمر رضى الله عنه أن علة (أو سبب سهم المؤلفة) نزل فى حياة النبى صلى الله عليه وسلم فترة ضعف الدولة الإسلامية ووهنها. 

لذلك نص القرآن الكريم على سهم المؤلفة، وأمر بمنح مال من أموال المسلمين لقبائل مجاورة تحييدا لها وتأليفا لقلوبهم، حتى ولو لم يكونوا مسلمين. 

ولما تولى عمر الخلافة، كانت الدولة الإسلامية قد تغيرت وقويت شوكتها، لذلك سقط فى رأيه الغرض القرآنى من منح أموال للمؤلفة قلوبهم.. وكان عنده حق. 

فهم عمر رضى الله عنه روح النص، ومقصد التشريع، وأسباب النزول، وفطن إلى أن الزمن تخطى الحكم الشرعى بسهم المؤلفة قلوبهم، وأن الظروف التى نزل فيها النص الكريم تغيرت، فبات ممكناً العدول عن حكم شرعى وارد بنص.. قطعى الثبوت قطعى الدلالة .