
عاطف كامل
المراجعة.. وليس المنع!
فى حديثه بشهر رمضان، أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي على الدور المحورى للفن والإعلام فى تشكيل الشخصية المصرية والذوق العام، مشيرًا إلى أنه لا يطالب بالمنع أو التقييد، بل بالمراجعة والتدقيق لضمان تقديم محتوى يرتقى بالوعى المجتمعى. هذه الإشارة تعكس إدراكًا عميقًا لأهمية الدراما والإعلام فى التأثير على الثقافة والقيم، وهو ما يدفعنا إلى طرح تساؤلات جوهرية حول دور الفن والإعلام فى بناء المجتمع أو هدمه.
■ الدراما والإعلام: قوة ناعمة أَمْ سلاح ذو حدين؟
- لا شك أن الدراما المصرية والإعلام تمثلان أدوات فعالة فى تشكيل وعى الأفراد وتوجيه الرأى العام، فهما لا تعكسان الواقع فقط، بل تسهمان فى تغييره أيضًا. وقد لعبت الدراما المصرية على مدار العقود الماضية دورًا أساسيًا فى ترسيخ القيم الوطنية والاجتماعية، حيث قدمت أعمالًا خالدة أثرت فى وجدان المصريين، مثل «ليالى الحلمية»، و«الشهد والدموع»، و«أرابيسك». لكن مع تطور المشهد الإعلامى وانتشار المنصات الرقمية، ظهرت أعمال تركز على الإثارة والصراعات والجانب السلبى من المجتمع دون تقديم بدائل بناءة، مما يطرح تساؤلات حول التوازن المطلوب بين حرية الإبداع والمسئولية الاجتماعية.

■ ما المطلوب من الفن والإعلام اليوم؟
- إن مراجعة الدراما والإعلام لا تعنى فرض قيود على الإبداع، بل تعنى الارتقاء بالمحتوى ليكون أكثر توافقًا مع القيم المجتمعية والهوية الثقافية المصرية. وهنا تبرز عدة نقاط محورية:
1- التوازن بين الواقعية والرسالة الإيجابية
- يجب أن تعكس الدراما الواقع بصدق، ولكن دون تكريس مظاهر العنف والإحباط دون تقديم نماذج إيجابية وقدوات ملهمة للشباب.
2- تعزيز القيم الوطنية والهوية المصرية
- الدراما ليست مجرد وسيلة ترفيه، بل أداة لبناء الانتماء الوطنى وتعزيز الفخر بالهوية المصرية، كما رأينا فى أعمال تناولت البطولات الوطنية مثل «الاختيار» و«الكتيبة 101». و«الممر» وغيرها.
3- دعم الفن الهادف وتشجيع الإنتاج الراقى
- يجب توفير بيئة داعمة لصناع الدراما لإنتاج أعمال تجمع بين الجودة الفنية والقيم الهادفة، مع توفير الدعم للمبدعين الحقيقيين.
4- الإعلام كشريك فى التوجيه والتقييم
- لا يقتصر دور الإعلام على الترويج للأعمال الفنية، بل يمتد إلى تحليلها وتقييمها ونقدها بشكل بناء، بحيث يكون الإعلام مرآة للمجتمع، لا مجرد ناقل لما يُعرض.

■ الإعلام والبرامج الهادفة: مسئولية أكبر وتأثير أعمق
إلى جانب الدراما، يلعب الإعلام دورًا رئيسيًا فى تشكيل وعى الجمهور وتوجيه النقاشات العامة. فالإعلام ليس مجرد وسيلة لنقل الأخبار أو عرض المحتوى الترفيهى، بل هو منبر لتثقيف الناس وإرشادهم نحو التفكير النقدى البناء.
■ دور البرامج الهادفة فى بناء الوعى
1- تقديم محتوى يعزز القيم الوطنية والمجتمعية
- البرامج الهادفة، سواء الحوارية أو الوثائقية أو الثقافية، يجب أن تركز على تقديم نماذج ناجحة من المجتمع، وتسليط الضوء على قضايا تمس حياة المواطنين بموضوعية ومهنية.
2- التوازن بين الترفيه والتثقيف
- يجب أن يكون الإعلام قادرًا على جذب الجمهور دون التضحية بجودة المحتوى. فهناك فرق بين الترفيه السطحى الذى يستهلك وعى المشاهد، والترفيه الذكى الذى يمزج بين المتعة والفائدة.
3- مواجهة الشائعات وتعزيز الوعى النقدى
- مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعى، أصبح الإعلام التقليدى مطالبًا بمواجهة الأخبار الكاذبة وتقديم الحقائق بطريقة جذابة ومقنعة، حتى لا يترك المجال للمعلومات المضللة.
4- دعم الحوار البناء حول القضايا الوطنية
- تحتاج البرامج الحوارية إلى تبنّى أسلوب نقاش راقٍ، بعيدًا عن الاثارة والجدل غير المفيد، بحيث تسهم فى توعية المواطنين بدلاً من إثارة الانقسامات.
■ ختامًا: مسئولية مشتركة من أجل إعلام وفن راقيين
إن تطوير الدراما والإعلام فى مصر مسئولية مشتركة بين صناع المحتوى، والدولة، والجمهور. فالدولة معنية بدعم الإبداع وحمايته من الانحدار، والمبدعون مطالبون بتقديم أعمال تحمل رسالة وقيمة، بينما الجمهور هو الحكم النهائى الذى يدعم أو يرفض المحتوى المعروض. وكما قال الرئيس السيسي، فإن المطلوب هو «المراجعة وليس المنع»، وهى دعوة للتأمل فى دور الفن والإعلام وتأثيرهما، والسعى نحو محتوى يحمل رسالة ترتقى بالمجتمع، بدلاً من أن يكون مجرد انعكاس لمشاكله.