الجمعة 11 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
عن خطة الفرصة الأخيرة

عن خطة الفرصة الأخيرة

العنف موجات تسونامى لا تبقى ولا تذر. 



والحروب دمار.. ونار.. ولعنة من لعنات الزمن. 

تنتج الحروب عن المكاييل المختلة فى استيفاء الحقوق. وتحيل موجات العنف فى الحروب الواقع إلى سلاسل من الجرائم ضد البشرية، وفى النهايات تطال موجات العنف الجميع، فكما تطال ضحاياه.. تطال صناعه. 

لا تستقيم القضايا الوجودية والحقوق مهضومة. ولا تمر وقائع الكيل بأكثر من مكيال مرور الكرام على صفحة التاريخ. 

فى إحدى قصائده قال الشاعر الجواهرى:  «إن دماء الضحايا فم»، لذلك فالأولى ألا يظن صناع الحرب وأباطرة الدمار أن العنف وسيلة، وأن سبى الحقوق انتصار. فالعنف يولد العنف، وبالعنف يولد الانكسار الذي لا يلتئم إلا بمزيد من العنف محاطًا برغبات مجنونة فى الانتصار.

 

تعود نغمات الحرب لتقترب فى الشبه مع موجات التسونامى التي تجلب الماء إلى الأرض، وتنزل بالأرض إلى الماء، وتغير قواعد الحياة، وتغلب روائح الموت.. والدمار. 

القضية الفلسطينية هى جوهر الأزمة وأساس عدم الاستقرار فى المنطقة. واستمرار دوامات العنف سيظل قائمًا ما لم تتم مواجهة لب الأزمة وأصل بؤرة الألم.

فى الدواء علاج للداء. 

ودواء وعلاج القضية هو إنهاء الأزمة. وإنهاء الأزمة هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلى وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، على أساس أن هذا هو السبيل الوحيد العادل والكامل والقابل لتحقيق السلام فى المنطقة.

 

أى مشاريع تطرح بدائل ثانية غير مقبولة، خصوصًا تلك البدائل التي لا يمكن أن تتحقق على الأرض، ليس لأنها فقط لن تنهى قضية، لكن لأنها لن تسلم الحقوق لأصحابها، لذلك فهى لن تزيل إبر التوتر ولن ترفع مفاتيح التحفز، وفى الوقت نفسه لن تخفض صوت السلاح وطرقعات الرصاص من فوهات البنادق. 

 

فى القضية الفلسطينية الحلول معروفة، أو هى موصوفة وواضحة، بالصورة التي يصبح فيها القبول بمشاريع غير واقعية تفتقر لأدنى معايير القانون الدولى والإنسانى لن يؤدى إلا إلى مزيد من موجات التسونامى فى المنطقة. 

يحدث التسونامى على بعد أميال وأميال من اليابس، لكن، الوقائع والشواهد والسوابق تشير إلى أن موجات المد المائى تصبح فى أقصى قواها عندما تصل للشواطئ.

 فى المثل اليابانى يقولون: «لا تظن أرض أن لن يصلها التسونامى». 

وموجات العنف الناتج عن غياب الحلول العادلة للقضية الفلسطينية سوف تطال الجميع، وسوف تضر الجميع، وسوف تشكل خطورة على الجميع، ربما أولهم إسرائيل والولايات المتحدة.

 

(1) 

إعادة إعمار غزة معركة كبيرة تتصدى لها مصر، فالرافضون على الجوانب، والمتآمرون على السلام فى الأمام وفى الخلف. 

الخطة المصرية هى الأقرب للحلول. أو هى الحل الوحيد لعدالته وشموله، والإعمار ممكن، لأن أى بديل آخر لا يمكن ويستحيل. 

الإعمار ممكن بإرادة الفلسطينيين، وهو ممكن فى حال توقفت الحرب نهائيًا، وانسحب الاحتلال بالكامل من غزة، وهو ممكن عندما تستوعب الإدارة الأمريكية الجديدة فى الغرب، أن هناك فى الشرق من لديه القدرة على وضع بدائل متزنة، لرأب صدع بقى فى عمر الزمن عشرات السنين، لا يمكن أن ينتهى بالخيانة أو الاستهانة، كما أنه لن يسمح له بأن يقترب من إنهاء على طريقة إنهاء حقبة الهنود الحمر. 

التجارب السابقة على مر الزمن، أثبتت أن تجاهل موجبات السلام واستحقاقاته لم يؤد إلا إلى مزيد من معاناة الجميع. 

لا يمكن تجاهل أن حرب 7 أكتوبر سوف تظل جرحًا نافذًا فى صدر القوة والقدرة الإسرائيلية التي كان يروج لها كتابة على الحوائط وفى سجلات، حتى بدا أنه يقال عنها أنها محفوظة كـ«الجنيزا»، لا يقربها أحد، ولا يمكن أن يفض أسرارها أحد.

ضربت حرب 7 أكتوبر إسرائيل فى السوادة، واخترقت بؤبؤ عيونها، وأثبتت أن لا سبيل أمام العنف إلا العنف المضاد، وأن المقاومة فكرة، وأنه لا سبيل إلى الاستقرار إلا بالحلول الناجزة القائمة على إيفاء الحقوق واستيفائها. 

الخطة المصرية التي أصبحت عربية الآن.. لا تزال هى الحل الأخير، أو الحل الأنجز، أو قل إنها الحل الأكثر إنسانية، مستندًا إلى القانون والشرعية، وهو الذي يضيف إلى القضية زخم الإيجابية، بعيدًا عن موجبات الحنق، فى مواجهة استعراضات وصفتها صحف العالم «بالحماقة» أو «محاولة التعاطى مع قضايا الشعوب الوجودية بطرق عقد الصفقات التجارية» كما وصفتها صحف أخرى. 

كلها صحف أمريكية، وفى أوروبا قالوا أكثر، والعالم الآن على فوهة بركان، لأن المنطقة تغلى.

الأيام السابقة شهدت الأروقة المصرية حملة قامت على جهود دؤوبة لإطلاع العالم على تفاصيل الخطة المصرية، ودقائقها، وتفاصيلها، وآثارها، والغرض منها. 

الخطة مرة أخرى ناجزة، وهى أقرب الحلول على الأرض لضمان إعادة إعمار غزة، والتعاطى مع الأزمة بشكل تدريجى، يحيل كل التفاصيل إلى مراحل، تتم وفق جداول زمنية، تشمل التفاوض على إيجاد حلول لكل التقاطعات، وفق أساس قانونى وتاريخى وإنسانى. 

 

 

 

 (2)

فى قمة القاهرة، انعقد الرباط لمصر على مشروع خطة بديلة لمقترح الرئيس الأمريكى الجديد.

المشروع المصري، فى مواجهة الطرح الأمريكى يظل هو الأكثر شجاعة، واضعًا نفسه بقوة فى مواجهة وضع لم يعد يحتمل مزيدًا من التسويف.

تساهم الخطة المصرية بقوة فى إضعاف بديل التهجير القسرى المضعف أصلًا، لأن التصور المصري وضع نفسه بديلًا عمليًا قابلًا للنقاش، وأقرب إلى التطبيق، وحافظًا لحقوق تاريخية،  لم تتوان مصر يومًا فى الزود عنها فى مواجهة كل القوى المضادة للسلام. 

فى الناحية الأخرى، يبقى الرد الإسرائيلى السلبى نحو الخطة العربية متوقعًا، خصوصًا فى ظروف لم يبد منها للآن موقف أمريكى شفاف تجاهها.

رئيس الوزراء الإسرائيلى كما لو كان طفلًا يلهو، مرددًا مقاطع من أغنية سمعها على راديو أمريكى تكلم منذ شهر عن رغبته فى حل القضية الفلسطينية على طريقة واشنطن الجديدة. 

كانت فرصة لإسرائيل للحديث مرة أخرى عن الحرب، وبالكلام عن مد المرحلة الأولى للهدنة، وعن رغبات يمينية فى تل أبيب تتصور أنه ممكن إطلاق سراح كل الرهائن دون الوصول للمرحلة الثانية.

يضع نتنياهو الآن العربة قبل الحصان، وهو يتعمد الكلام من جانبه عن عراقيل يضعها هو ويدسها تحت الغطاء هو، ويتعمد هو وضع العقدة فى المنشار، والحديث الآن عن إبعاد حماس عن حكم غزة، وعن إخراج مقاتليها من القطاع مثال. 

يتغير موقف نتنياهو مع تغير الموقف الأمريكى، وفى واشنطن، مهما طال الوقت، فإن إدارة ترامب، بضغط مصري عربى، لن تجد فى نهاية الأمر من محركات للأمام إلا التعاطى مع الخطة المصرية، والتعاطى مع تفاصيلها، وفهم المزيد من أبعادها.

 (3)

نجاح مصر فى حصد توافق عربى وإقليمى ودولى حول رؤيتها لإعمار غزة خطوة مهمة ليس تعزيزًا للعمل العربى المشترك، لكنها خطوة مهمة انعكس معها النجاح فى حيازة توافقات أوروبية مع رؤية القاهرة، إضافة إلى كونه إضافة إلى رصيد الدعم الأوروبى لتصورات مصر عن حلول القضية الفلسطينية.

حاول ترامب فى بداية ولايته أن يضع الكرة فى الملعب العربى بغمامة تصريحات عن التهجير.

ردت مصر الكرة الآن للملعب الأمريكى. الخطة البديلة مصرية عربية، متوافق عليها، وجاهزة للتداول منطلقة من مبدأ أن أولى الحلول هى العادلة.

الأسبوع الماضى التعليقات الأمريكية متضاربة.

«ويتكوف» قال ما يعد إيجابيًا فى التعليق على مخرجات قمة القاهرة، فى المقابل أبدت الخارجية الأمريكية إيماءات تميل إلى الأقل من الإيجابية تجاهها. 

على كل، فإن طاولة اتخاذ القرارات فى البيت الأبيض الآن، ليست على عهدها فى السابق. الإدارة الأمريكية كلها فى واحدة من أقل المراحل تنظيمًا فى تاريخ الولايات المتحدة. 

لكن يظل من المؤكد أن استمرار اللعب بالنار بمزيد من طرح استفزازات غير مسؤولة بوصفها حلولًا وحيدة لن يفضى بالمنطقة إلا إلى مزيد من عدم الاستقرار. وآخر اللعب بالنار.. لهيب ينتشر.. ويصيب الجميع.

الجميع بلا استثناء.