السبت 15 مارس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
العالم فى انتظار قمة القاهرة

العالم فى انتظار قمة القاهرة

مصر دولة كبرى، والدول الكبرى ترسم خطوطها الحمراء وقت المقتضى وحينما تستلزم الأمور. 



لا تتهاون الدول الكبرى فى حقوق ولا تسمح بالعبث بمقدّرات شعوبها.

لا تعتدى مصر ولا تفتئت على حق، لكنها فى المقابل لا تسمح بالاعتداء على حقوقٍ لها مشروعة، كما لا يمكن أن تسمح بالعبث بمقدرات الأشقاء.

ترسم مصر الخطوط الحمراء متى شاءت وأين شاءت.

لدى مصر القوة ولديها السطوة، ولديها أيضًا القدرة الفائقة فى التعاطى مع مؤثرات السياسة بيقين وضبط نفس.. حتى حين. 

القضية الفلسطينية خط مصري أحمر، وحلولها العادلة واحدة من ثوابت القاهرة التى لا حياد فيها، بحكم مسئولية مصرية أخلاقية، وبأحكام الجغرافيا والتاريخ.

 (1) 

أمن مصر القومى خط أحمر هو الآخر. لا تتهاون مصر كما يعرفها العالم، ولا تهادن.

لن تسمح مصر بتصفية القضية الفلسطينية هذه واحدة، والثانية أنه لا مجال أبدًا لكي يتصور أحد أنه يمكن أن يأتى يوم يفرض على مصر ما لا ترضاه أو ما لا تقبله.

العالم فى انتظار قمة القاهرة المقبلة، حيث سيضع رئيس الدولة المصرية نقاطًا فوق الحروف. التهجير مخطط لن يتم. مصر عقبة كبرى أمام هذا المشروع. ما لا تقبله مصر لا يمكن أن يتم إقراره.

 مصر قوة إقليمية لا يستهان بها. 

ليس فى صالح الولايات المتحدة أن تدخل فى مواجهة ما مع القاهرة. أوهام القوة لدى بعضهم لن تجدى، ومشاعر الثقة هى الأخرى لن تنفع مهما كانت الدول كبرى ومهما كان ما لدى الدول الكبرى من وسائل.

لدى مصر أوراق كثيرة للعمل بها سواء فى مواجهة تهديد أمنها القومى أو فيما يتعلق بتهديد وجود الأشقاء.

من جهة أخرى، لايمكن أن تعود الولايات المتحدة ألف خطوة للوراء فيما يتعلق بالأشواط التى قطعتها إدارات سابقة، على مر عقود لضمان السلام فى الشرق الأوسط.

لا سلام فى المنطقة بلا حلول عادلة لقضية الشعب الفلسطينى. والحلول العادلة للشعب الفلسطينى معروفة، ابتداء من بقائه على أرضه، وانتهاء بإقامة دولته.

لا يمكن أن تخسر الولايات المتحدة ثقل القاهرة، فى الوقت الذى لن تسمح فيه القاهرة بخسارة القضية الفلسطينية مكونها الأساسى الذى هو الأرض.

فى الأيام الأخيرة السابقة بذلت القاهرة جهودًا كبيرة فى تفكيك مخطط التهجير بمنظومة دبلوماسية شديدة الحرفية. دعت القاهرة لقمة معقودة عليها الآمال. موقف القاهرة شديد الوضوح، وفى القمة منتظر بلورة موقف عربى واضح هو الآخر.

لا يتصور أن يقف بعضهم ضد العالم وضد أوروبا وضد العرب وضد الفلسطينيين. بمعايير المنطق والمعقول، فإن أغلب ما تكلم عنه الرئيس الأمريكي منذ ولايته كان «تهويمات» لا يمكن أن تتحقق على الأرض.

تعارض أوروبا ترامب، ويعارض العرب، وتبقى القاهرة على إصرار لا لين فيه.

 لم تضع الإدارة الأمريكية الجديدة المنطقة وحدها على حافة ملتهبة، إنما وضعت العالم كله فى حالة من الارتباك الشديد، والمعارضة الأشد، ورسمت على وجوه العالم دهشة من اعتماد رئيس أمريكي «تهويمات» فى تصريحات، تعارض أدنى مبادئ الإنسانية، والأخلاق وتعارض مبادئ القانون الدولى، وميثاق الأمم المتحدة، وإعلانات حقوق الإنسان.. ثم تصور أن «تهويماته» ممكن أن تحدث.

(2)

 تختلف السياسة عن التجارة. 

ورئاسة الدول تختلف عن رئاسة شركات الاستيراد والتصدير.

لا تدار معادلات السياسة كما تدار صفقات الاستحواذ على سلسلة محلات شهيرة أو سلسلة متاجر كبيرة. لذلك فى السياسة، لا بد أن تختلف الأحاديث عن الشعوب ومصائرها ومقدراتها اختلافًا كبيرًا عن أحاديث بيع ماكدونالدز أو شراء سلسلة محال هارديز.

كثيرًا ما لا تفيد أوهام القوى أو وساوس السيطرة فى تحقيق معادلات مجحفة أو فرض واقع جديد مرفوض. 

وفى نظريات علم النفس أن مشاعر القوة المفرطة جنون، وأن النزوح الدائم إلى المراوغة، كثيرًا ما ينقلب على صاحبه فى منتصف الطريق بالسقوط فى الوحل. 

العالم لا يمكن أن يدار كما تدار شركة تسلا، ولا يمكن أن يتصور عاقل، أن الدنيا كلها يمكن أن تبدأ وتنتهى من عند «مارلاجو»، محل شركات وإقامة ومركز تجارة الرئيس الأمريكى الجديد.

تطورت المجتمعات والدول، ونفضت البشرية عن نفسها بعد مراحل التكوين الأولى أفكار الاستعمار والهيمنة، ولفظت الشعوب أحاديث الإملاءات والقسريات والغصب. 

يشهد التاريخ الحديث، أن الثقة الزائدة فى القدرة على فرض الطموح المعيوب، تنقلب فى نهاية الرواية على صاحبها، وأن المشاعر غير المبررة بالسيطرة تقطع فى نهاية القصة على صاحبها كل سبل النجاة.

مرة ثانية، لم يقلب ترامب العالم بتهويماته، لكنه قلب الولايات المتحدة نفسها. 

أمام المحاكم الفيدرالية كثير من قضايا رفعها ديمقراطيون ومهنيون ومسئولون فى الإدارة السابقة وفى الإدارة الحالية أيضًا.

فى الصحافة الأمريكية كتبوا أن ترامب قبل أن يكمل المائة يوم الأولى فى البيت الأبيض، أصبح خطرًا على البيت الأبيض، وعلى الولايات المتحدة كلها.

وكتبوا أيضًا عن «خرافات» تكلم بها رئيس للولايات المتحدة لم يسبق له أن تعاطى السياسة، فتماهت عنده الطرق، واعتقد أنه يمكن أن يدير بلاده ويدير البشر ويدير الناس، وربما يدير الكوكب كما يدير شركات التوصية البسيطة.

119 قرارًا تنفيذيًا لترامب منذ ولايته دخل المحاكم منها 87، وأوقف القضاة منها حتى الآن 9، بينما المزيد من أحكام المحاكم فى الطريق.

فى أمريكا، وعلى سبيل الطرافة، أطلقوا على ولاية ترامب الجديدة ولاية «إيلون ماسك»، وعلى غلاف التايم الأسبوع الماضى، أجلسوا صاحب شركة تيسلا على كرسى الرئيس الأمريكى ومكتبه.

(3) 

بين الجمهوريين أنفسهم من لا يصدق خطوات الرئيس الأمريكى الجديد، وفى إسرائيل أيضًا. 

الأسبوع الماضى، كتب إسرائيلى فى صحافة تل أبيب، «إن الجميع يتحدث عن اقتراح ترامب بشأن الاستيلاء على غزة، مشيرًا إلى أنه غير أن هذا الأمر برمته لا يمكن أن يتحقق، وسط الصخب العالمى والرفض المصرى الشديد، إلا أن هذا الصخب هو ما كان يريده ترامب، لتحويل أنظار الجميع عما يحدث داخل واشنطن».

قال الإسرائيلى إن ترامب رجل مال وأعمال، وإن من عادة هؤلاء الرجال إلقاء مقترحات غير واقعية مثل شراء جرينلاند، واحتلال بنما، ونقل الفلسطينيين، لينشغل العالم وتنشغل وسائل الإعلام وينشغل الأمريكيون فى الداخل، بدلًا من التركيز على التغييرات الجذرية التى يحدثها داخل الحكومة الفيدرالية الأمريكية.

هذا الرأى يتبناه داخل الولايات المتحدة كثيرون، يقولون إن فى واشنطن يجرى ترامب تفكيكًا منهجيًا وسريعًا للحكومة ولأجهزة الاستخبارات ولكثير من مؤسسات الحكم الكبرى.

الأسبوع الماضى، كشف ترامب عن أسماء عملاء فى المباحث الفيدرالية، وكشف عن ملفات يعملون عليها، وسمى كل واحد فيهم بوظيفته، فى سابقة لم تحدث من قبل. 

خلال الأسبوعين الماضيين أيضًا، سيطر إيلون ماسك وفريقه على أنظمة البيانات المالية لمؤسسات حكم كبرى، وألغوا بروتوكولات أمنية حساسة، وطردوا مسئولين كبارًا، وأغلقوا وكالات حكومية أخرى، فلجأت ست وكالات حكومية إلى المحاكم التى أصدرت مذكرات توقيف ضد ماسك وترامب.

إن ما يحدثه ترامب فى العالم وفى واشنطن ليس مجرد صراع سياسي، ولا هى رؤى مقترحة بالفعل، إنما هى «أدخنة نار»، لن تؤثر فقط على مستقبل الولايات المتحدة، ولا على الأمن العالمى وحده، إنما قد تؤثر بالخطورة على إسرائيل نفسها.