الأحد 16 فبراير 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
فتنة يناير2011

فتنة يناير2011

كانت يناير 2011 فتنة وقى الله شرها. وكانت محنة، هددوا فيها الدولة، ولعب بعضهم فوق الحبال، ورقصوا رقصات الثعابين، وصدّروا شعارات مزيفة، هددت الدولة فى الطريق لستين داهية.. لولا ستر الله. 



أيقن المصريون جيدًا أن الدول لا تُبنى على الهدم، ولا تقام على الفوضى، وأيقن الشارع بعد أن انكشف «رموز يناير» أن هناك من خدع باسم الشعب وباسم الناس وباسم الجماهير، وأنه هو نفسه، من عاد ليقتل الجماهير ويقتل الناس، ويفجر الشوارع ومحطات النقل العام. 

 (1)

فى كتابها ذكرت وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلارى كلينتون الربيع العربى، قائلة: إن كل شىء كان على ما يرام، «دخلنا الحرب العراقية والليبية والسورية وكل شىء كان على ما يرام، وفجأة قامت ثورة يونيو فى مصر، وكل شىء تغير فى خلال 72 ساعة». 

تقول: «كنا على اتفاق مع إخوان مصر على إعلان الدولة الإسلامية فى سيناء وإعطائها لحماس وجزء لإسرائيل لحمايتها، وانضمام حلايب وشلاتين إلى السودان، وفتح الحدود مع ليبيا من ناحية السلوم، وكنا ننتظر الإعلان عن الدولة الإسلامية لكى تعترف بها أوروبا فورًا، وكنت قد زرت 112 دولة فى العالم من أجل شرح الوضع فى مصر وتم الاتفاق مع بعض الأصدقاء، لكن فجأة تحطم كل شىء، كل شيء كُسر أمام أعيننا بدون سابق إنذار فى 30 يونيو 2013». 

مرة أخرى، كانت يناير فتنة وقى الله شرها، كانت مؤامرة كبرى على العالم العربى، وفى القلب الدولة المصرية. 

سقوط مصر كان المفتاح إلى عالم عربى كانت ينتظر تغيير الخرائط، وتغيير الجغرافيا، وتغيير التاريخ.  سلّم الله، وأوقفت مصر دائرة النار. 

كانت نارًا تحرق الجميع، وكان لهيبًا يكوى الجميع، لولا رجال صدقوا الله ما عاهدوا.

وكان الربيع العربى سيركًا، نصبته قوى كبرى، وكيانات فى الداخل، وظّفوا فيه تجار حقوق الإنسان، وألحقوا به دعاة حريات مزيفة، وحملة شعارات فارغة بزبيبة صلاة مصنوعة، استهدفوا بها الشارع، وضعوه فى مواجهة مؤسسات الدولة، طريقًا لتفكيكها حبة حبة.. وإسقاطها قطعة قطعة. 

حسب تقرير للأمم المتحدة كبدت موجات ما سمى بالربيع العربى دول المنطقة 613.8 مليار دولار أمريكى، مع ارتفاع العجز المالى فى الدول التى شهدت أحداثه 243.1 مليار دولار.

وقال التقرير، «إن فى مصر، كان الشباب هم أكثر الفئات تضررًا، فقد تسببت الترنحات الاقتصادية لدول الربيع العربى فى تدنى مستويات المعيشة، وارتفاع مؤشرات البطالة، وفقدان الوظائف، والتضخم النقدى، وزيادة موجات الهجرة للاجئين فروا من مناطق الحروب والنزاعات إلى دول أخرى وكبدت تلك الدول أعباء فوق أعبائها». 

فى مصر الآن أكثر من 9 ملايين مهاجر من جنسيات مختلفة، النسبة الأكبر منهم فرّوا من دولهم على أثر موجات ما بعد 2011. 

تسببت هوجة ما بعد يناير 2011، فى مصر فى انهيار احتياطى نقدى بلغ 36 مليار دولار فى أول يناير 2011، إلى 15 مليار دولار فى ديسمبر 2012، ثم وصل إلى حافة الخطر مهددًا الدولة بالإفلاس فى 2013. 

تراجعت بعد يناير مدخولات السياحة أكثر من 85%، ووصلت إلى أدنى مستوياتها فى العام الأسود الذى وصل فيه محمد مرسى إلى كرسى الرئاسة. 

قفز مؤشر البطالة بعد أشهر من أحداث يناير، ووصل بعد عام من الأحداث إلى نسبة 50% عاطلين، وارتفعت نسب الفقر فى مصر إلى أكثر من 30%. 

 

 

 

 (2) 

بدأ مخطط الربيع العربى بتفاعلات شيطانية فى معامل عديدة انتشرت على رقعة العالم، من أقصى الغرب لأقصى الشرق. 

فى معامل تسخين الشرق الأوسط، أضيف الكثير من السيانور السام، وأضيف المزيد من غاز الخردل على وصفاته، فى فكرة جهنمية استهدفت إعادة رسم خرائط الشرق الأوسط، وإعادة ترتيب مقاعد القيادة فى حروبٍ لم يكن متعارف عليها ذلك الوقت، ظهرت تفاصيلها فجأة وانفجرت فى الوجوه. 

ابتكرت الفكرة تفجير الدول من الداخل، بهدم البنية الاجتماعية والنفسية للشعوب، ومن ثم إسقاط الدول عن طريق الشعوب نفسها. 

كانت أغلب توقعات مراكز الأبحاث الغربية قبل 30 يونيو 2014 أن مصر على أعتاب الدخول إلى مرحلة الدول الفاشلة، حيث لا تستطيع الدولة أداء وظائفها الأساسية، ولا واجباتها السيادية داخل حدودها أو خارجها. 

فى نظريات السياسة، تعجز الدول الفاشلة عن خدمة المواطن، فى الطريق إلى ما يسمى بالانهيار الحكومى فى الداخل، وفى الخارج تعجز الدولة عن حماية حدودها، وتفقد قدرتها على اتخاذ ما يستلزم من إجراءات لحماية أمنها القومى بأبعاده الاستراتيجية.

سنوات مرت على أحداث يناير 2011، والذكريات أليمة. والدفاتر بما فيها أكثر إيلامًا. 

بعد سنوات من الهوجة، اتضحت الرؤية، وتبين المصريون الأمر، لأنه يصعب إنكار ما أحدثته تلك الهوجة من شروخ اجتماعية، وانكسارات بنيوية فى المجتمع وأشخاصه وأفراده، بما يصعب معه تجاهل ما أسفرت عنه من ندبات فى وجه التاريخ الاجتماعى للمصريين.

رب ضارة نافعة.. فلولا الهوجة، ما اكتشف الشارع وجوه الأراجوزات، وتجار الأوطان، وأرزقية الشعارات والائتلافات والاندماجات. 

فقد اكتشف المصريون أن رموز التجارة باسم الشارع، هم الذين تلاعبوا بالشارع وبمعاناة الشارع، وبأحلام الشارع، ثم ذهبوا وأتوا بمن زرع للشارع قنابل محلية الصنع على محطات الأوتوبيس! 

(3) 

أظهرت يناير 2011 رموزًا من ورق كارتون، أكثروا الخطايا وأدمنوا الآثام، تمامًا كما أدمنوا شعارات دفعت فى الطريق إلى الهاوية.

دروسٌ كثيرة مستفادة بعدما اتضحت الرؤية.. وتساقطت الأقنعة. أول الدروس أن بناء الدول، لا يبدأ من الهدم، وأن معادلات التغيير الحقيقية لا تبدأ بالحرق والتآمر والاستقواء بالخارج، وأن الطريق للديمقراطية لا يمكن أن يبدأ ببيع البلد، وعرض أراضيه فى مزاد عالمى. 

أكبر الدروس أن تجار الشعارات كانوا مخادعين، وأفاقين، وإرهابيين، وأن أغلبهم ثار على الفساد طمعًا فى فرصة فساد، وأن أكثر رموز يناير خدعوا الشارع، ولعبوا بالكلام، فى محاولة للعب بالتاريخ، فكادوا يضيعون الجغرافيا فى جلسات المساء على مقاهى وسط البلد وشارع البورصة ومن مقر جماعة إخوان الإرهاب فى المقطم!

رُب ضارة نافعة. فلولا «أيام الله لا يعودها»، لما انكشف الغطاء عن ذقون طويلة، وجلابيب قصيرة. ولولاها لم يكن الشارع ليكتشف تجار مشمع رخيص ظهروا فى الصحافة وعلى شاشات التليفزيون.. قبل أن «يجمعوا نفسهم بربطة المعلم» ليدخلوا قصر الاتحادية. 

دعك من يناير وآثام يناير وخطايا يناير. خلينا فى عيد الشرطة، عيد ولاد البلد، وعيد شهداء البلد. الرجال الذين فرشوا دماءهم على الأرض، لأجل عبور البلد أكبر أزمة كادت تعصف بها فى التاريخ المصرى الحديث.  يوم القيامة سنباهى الأمم بشهداء من رجال القوات المسلحة والشرطة، دفعوا ثمن خطايا آخرين.. وبذلوا النفيس التزامًا بالواجب.. واحتسابًا لله. 

دعك من أحاديث الهوجة.. خلينا فى أحاديث الكرامة والواجب والتضحيات. سلامٌ على رجال واجب وحراس أرض فتحت دماؤهم الأبواب لدولة حقيقية، بخطط تنمية فعلية، وحلول واقعية لأزمات متوارثة.. فى الطريق لأحلام تتحقق. 

الله لا يعودها أيام .. كانت يناير 2011 فتنة.. لولا ستر ربنا.