
رشاد كامل
اللقــاء الأخيــر بيــن لطفى الخولى والسادات!
ليس سرا - كما اعترف الكاتب الكبير «لطفى الخولي» بأنه كان سعيدا بالضجة الهائلة التى أحدثتها سلسلة مقالاته «مدرسة السادات السياسية» عند نشرها فى صحيفة الأهرام صيف سنة 1975 وعدة صحف عربية أخرى!!
كان السؤال الذى يشغل بال كل من قرأ المقالات: كيف سمح الرقيب سواء كان الأستاذ المرحوم «على حمدى الجمال» رئيس تحرير الأهرام وقتها أم الأستاذ طلعت خالد الرقيب العام والذى أصبح بعد إعلان إلغاء الرقابة رئيس مكتب الصحافة بوزارة الإعلام!
ثم كان السؤال الأخطر والأهم: كيف قرأ الرئيس السادات هذه المقالات التى تناولته بشكل مباشر وماذا كان رد فعله غير المعلن وهل كان راضيا على ما جاء فى المقالات؟!

كانت المقالات بترتيب نشرها كما يلى: فتح القناة بداية الممارسة، الموقف من أمريكا، الموقف من الاتحاد السوفيتى، العرب، فلسطين من حركة التصحيح إلى ثورة التصحيح، ثورة يوليو وثورة مايو..
الأستاذ «لطفى الخولى» فى مقدمة كتابه «مدرسة السادات السياسية واليسار المصرى» يروى كواليس ما جرى فيقول:
فى اللقاء الأخير الذى أتيح لى مع السادات كانت حلقات القسم الأول من الدراسة «مدرسة السادات السياسية» قد نشرت وردود فعلها متأججة، تم اللقاء فى يناير - كانون الثانى - 1976 ، وحين هممت بالدخول عليه أشار إلى كومة من الأوراق ومعها صفحات من حلقات الدراسة المنثورة وقد خطط باللون الأحمر تحت عدد من فقراتها وقال:
هذه هى التقارير المقدمة عن مقالاتك من المكتب الصحفى برئاسة الجمهورية والمباحث العامة والأمن القومى وأمانة الاتحاد الاشتراكى لو أخذت بما فيها لأمرت فورا بقطع رأسك!
وتوقف عند عبارة وصفته فيها بأنه «برجوازى صغير» وقال:
- طبعا استغليت جهل الأفندية بتوعى اللى مسلمهم الصحافة وكتبت هذه العبارة، ولم يعرفوا طبعا كما أعرف أنا، أن هذا سب وقذف فى حقى بأسلوب الاشتراكيين.
ويمضى «لطفى الخولى» قائلا:
ولم تجد كل محاولاتى لإقناعه بأن هذا تعبير علمى بات شائع الاستخدام لا فرق فى ذلك بين كتاب اشتراكيين أو غير اشتراكيين، وأنه لا يحمل أى معنى من معانى السب والقذف!
وتريث غاضبا عند المقارنات التى عقدتها الدراسة بين مدرسته وبين مدرسة «عبدالناصر»، واتهمنى بعدم الإنصاف وأننى شككت بطريق غير مباشر وملتو فى الواقعة التى أكدها هو بنفسه والخاصة بكونه المؤسس الأول لتنظيم الضباط الأحرار.
وفى النهاية أشار إلى أننى «فهمته جيدا فيما يخططه بالنسبة لأمريكا والاتحاد السوفيتى وإسرائيل والعرب، ولكن هذا الفهم - كما اكتشف هو - لم يكن بنية صافية ولوجه المعرفة، وإنما بغرض أن تكون مقدمة لتوجيه النقد إلى المدرسة الساداتية من وجهة نظر يسارية معادية فى الجوهر «بدليل المقالات التى دفعت بها للنشر باسم اليسار المصرى».
وأكد - السادات - أنه لن يعاقبنى على هذه العملة، كما كان يفعل «عبدالناصر» عندما انتقدت انتهاك أجهزة الأمن لحريات وحقوق المواطنين فقام بإيداعى فى السجن، وإنما اكتفى بأن أصدر أمره بوقف نشر حلقات القسم الثانى من الدراسة والمتعلقة باليسار المصرى بعد أن كان قد تم نشر حلقة واحدة مبتورة!

وما لم يقله السادات فى هذا اللقاء الأخير، أنه أصدر قراره يومها للمرحوم الأستاذ «يوسف السباعى» رئيس مجلس إدارة ورئيس تحرير الأهرام وقتذاك بحرمانى تماما من حق الكتابة واعتقال قلمى داخل مصر منذ أوائل 1976 حتى لقى مصرعه فى أكتوبر - تشرين الأول 1981.
هذه باختصار قصة الدراسة المعملية التى تنشر كاملة فى هذا الكتاب وتقدم مدرستين فى الفكر والممارسة لا يزالان على صراعهما منذ سكتت مدافع حرب أكتوبر وحتى لحظة كتابة هذا التقديم فى يناير - كانون ثانى 1982 بعد الغياب التراجيدى العنيف للسادات».
«لطفى الخولى»
باريس: يناير كانون الثانى 1982
وأظن أن من أهم ما كتبه «لطفى الخولى» فى كتابه هو تلك الصورة التى رسمها بقلمه الذكى لشخصية أنور السادات فيقول فى فصل «ثورة مايو وثورة يوليو».. فيتحدث عن المحاور التى دار كل منها فى الأساس حول شخصية متميزة اكتسبت وزنا خاصا نتيجة ما اتسمت به من ملكات خاصة وظفتها بذكاء، أو ما احتلته من مواقع مهمة داخل الدائرة الضيقة لجمال عبدالناصر، وبالتالى أمكنها التعرف على أسرار النظام ومشاركتها الجزئية أو الكلية فى صنع القرارات السياسية.
«أنور السادات» الذى اصطفاه «عبدالناصر» من دون أعضاء مجلس قيادة ثورة يوليو نائبا وحيدا له فى 20 ديسمبر - كانون الأول 1969 - وذلك بقرار غير متوقع، كان له وقع الصاعقة على الجميع، وظل بدرجات متفاوتة مستعصيًا على الفهم أو القبول من المحاور الأخرى، إلا أنها تلاقت حول تقييمها الواقعى لهذا القرار على أساس أنه أدى إلى إقحام عنصر «دخيل» على علاقات كل منهما مع الرئيس الذى بات يعانى آلاما جسدية ونفسية وعصبية حادة مع استفحال أمراض القلب والسكر ببدنه المنهك، وتفاعلها مع ضغوط الهزيمة والمحاولات الانقلابية الفاشلة التى تزعمها ضده «عبدالحكيم عامر» صديق عمره ونضاله وانتهت بانتحاره ومحاكمة شركائه الذين كانوا يحتلون مناصب حساسة ويتمتعون بثقة الريس مثل «شمس الدين بدران» وزير الحربية و«صلاح نصر» مدير المخابرات.
ويضيف لطفى الخولى قائلا: وهكذا انتقل «السادات» فجأة قبل أقل من عام على وفاة عبدالناصر من المواقع الخلفية المظلمة فى النظام إلى مواقع الصدارة وصار يكلف من «الريس» بمهام رسمية وشعبية كانت بطبيعتها حكراً لهذا المحور أو ذاك، وأصبح له «يد» أو «إصبع» فى كل مكان، يقوم مكان «الريس» فى إدارة شئون البلاد عند غيابه فى رحلات العمل أو العلاج خارج مصر بما فى ذلك رئاسة الدولة.
ولم يضيع السادات جهدا أو وقتا منذ أن ولج دائرة السلطة بعد تعيينه نائبا للرئيس، وبهدوء وصمت راح يعمل على تكوين قاعدة سياسية اجتماعية يستند إليها داخل النظام وخارجه فى مواجهة كل المحاور الأخرى التى اعتبرته عنصرا دخيلا يتوجب التخلص منه أو تحجيمه إلى أقصى حد وفى أسرع وقت ممكن!
وعلى مستوى الاتحاد الاشتراكى تولى مسئولية اللجنة السياسية والعلاقات الخارجية وراح بهذه الصفة ينشط فى عقد اجتماعات تنظيمية دورية فى مختلف المحافظات، وأنشأ ما يسمى «بالنادى السياسى» بالقاهرة يلتقى فيه كل أسبوع بأعضاء الاتحاد الاشتراكى ومسئولى لجانه ويتولى باسم «عبدالناصر» الإجابة على كل ما يطرحونه من أسئلة بعد أن يتفاهم مع «عبد الناصر» على الخطوط الرئيسية للإجابات، وفى هذا المجال تمكن دون ضجيج أن يستقطب حوله عناصر قيادية. واستطاع أن يكسب إلى جانبه غالبية العناصر المعادية لمحاور يسار النظام وتحتل مواقع مهمة فى أبنية السلطة».
وتنتهى قصة مقالات مدرسة السادات السياسية!