السبت 19 أبريل 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
حركة التحرر العربى كلام همايونى بلا معنى!

السادات للطفى الخولى:

حركة التحرر العربى كلام همايونى بلا معنى!

تعددت لقاءات الكاتب الكبير لطفى الخولى بالرئيس «أنور السادات» التى أسفرت عن كتابه المهم «مدرسة السادات السياسية واليسار المصرى» الذى أقام الدنيا وأقعدها ولم يطبع فى مصر إلا بعد وفاة «السادات» المأساوية بعام.



فى مقدمة الكتاب يقول لطفى الخولى: «ساد داخل مصر والوطن العربى تيار عام يبدى استخفافا مفزعاً بالسادات ومدى قدرة السياسة التى ينتهجها على إحداث تغييرات كيفية فى الواقع المصرى، ومضمون وشكل الصراع العربى الإسرائيلى بأبعاده المحلية والدولية، وقد بلغ الاستخفاف بالسادات الذى استغله هو شخصيا بذكاء، والذى اتبع تكتيك الرئيس الضعيف المعزول الذى لا حول له ولا قوة ولا سلطان!!

 

 

 

 

وشيئا فشيئا نجح «لطفى الخولى» فى النفاذ بشكل مباشر إلى عقل وتصورات وحركة السادات، ويكمل قائلا:

وفى مقابلة تمت معه فى صيف عام 1974 ببرج العرب غرب الإسكندرية بدا لى أنه أكثر تبلورا فى أفكاره واختياراته، حيث راح بشيء من التجسيد يعزف بكلمات محددة على ثلاث نغمات.

قال فى النغمة الأولى وأنا أنقل هنا عن المذكرات الخاصة التى حرصت على تدوينها فى أعقاب المقابلة مباشرة إذ يمكن القول إننى أستخدم نفس كلماته وتعبيراته: «عندكم فى الفكر الاشتراكى حاجة بتسموها إيه.. الجدل مش كده؟! أليس معنى ذلك أن الصراع الرئيسى زى ما بتقولوا - يأكل بقية الصراعات الفرعية أو الأقل أهمية عظيم!

ما هو صراعنا الرئيسى اليوم بعد انتصارنا على إسرائيل فى حرب أكتوبر هل هو برضه لسه إسرائيل التى ضربناها وانتقمنا لهزيمتنا فى 1967 بالزلزال الذى أحدثناه فيها باعتراف الكل هناك، أم أن الصراع الرئيسى انتقل بهذا الانتصار إلى موضوع آخر «أنا يعنى بفكر قدامك بصوت عالى» الموضوع الرئيسى الجديد هو إعادة بناء مصر الجديدة التى تفرض الاستقرار والانضباط على كل من حولها: إسرائيل والعرب كمان».

 

ويمضى لطفى الخولى قائلا: وفى النغمة الثانية شدد على قضية راح يمزج فيها ذاته بالموضوع قال: أنا حاربت إسرائيل ومفروض ورائى الاتحاد السوفيتى -روسيا- وحاربتنى إسرائيل ووراها أمريكا، وعندما كدت أكسر رقبة إسرائيل وجيشها الذى لا يقهر طلعت لى أمريكا بدباباتها وطياراتها وصواريخها من تحت الأرض فى مواجهتى «التفت ورائى مالقيتش الاتحاد السوفيتى فص ملح وداب هرب وبعت يقول لى: وقف الحرب وخلينى أتكلم مع الأمريكان علشان أصالحك على إسرائيل» سبحان الله.. و.. و..

أخرج من التجربة المريرة دى بإيه؟! جماعة معايا بيفكروا قالوا لى ياريس بصراحة ومتزعلش.. قلت الصراحة مابتزعلنى أبدًا، قالوا الأمريكان فى مسألة دعم الأصدقاء والحلفاء رجالة بصحيح، فرق كبير بينهم وبين «الروس» لماذا لا نجرب صداقتهم. صداقة الند للند! السادات رأسه برأس نيكسون -الرئيس الأمريكى- والظروف اختلفت بعد حرب أكتوبر وأصبحت فى صالحنا، وقالوا كمان بصراحة ومتزعلش ياريس، الحرب مع إسرائيل مش حتجيب نتيجة ولو استمرت مائة سنة (!!) وبعدما انتقمنا من هزيمتنا لازم من طريقة أخرى غير الحرب!! إيه هي؟! قالوا نعلن السلام عليها زى ما أعلنا الحرب ضدها! الكلام مش بسيط فيه عقل وحكمة وعمال يدور فى دماغى.. أنتم يا أولاد يا اشتراكيين مش كنتم بتنادوا فى أول الصدام خالص فى 1948 باقتسام فلسطين بين العرب وبين اليهود والسلام مع إسرائيل لأن الاستعمار والإمبريالية واللى مش عارف إيه من كلامكم اللى بيكعبل ده.. هما اللى بيستفيدوا من الحرب بين العرب واليهود.. والله زمان كنتم عاقلين وبتفهموا غيرتم ليه؟!

 

 

 

ويقول «لطفى الخولى» إن السادات ركز فى النغمة الثالثة على العرب قال:

- أنا أكره شىء يغمنى لما أقرأ جرنالا أو كتابا وتقع عينى على جملة حركة التحرر العربى، كلام همايونى بلا معنى تحرر إيه؟ وعرب إيه؟ نازلين تتكلموا عن القومية العربية والوحدة العربية وحدة من ومع من؟ ده أمة «محمد» عليه الصلاة والسلام نفسها غير موحدة.. ده سراب.. أنا راجل واقعى.. ثورى لكن واقعى.. عبدالناصر كان ثوريا حالما..

العرب «....» تحرر فيهم إيه وتوحد من مع من؟ دول قبائل متناحرة متهافتة هم الذين ضيعوا فلسطين وشبكوا فينا وقالوا يا مصر أنت أم العرب تعالى بدمك حتى آخر قطرة وفلوسك حتى آخر مليم وحاربى.. حاربنا انهزمنا مخلصناش.. انتصرنا مخلصناش، ظلوا يحلبوننا كالبقرة، وحتى بعدما اغتنوا غناء فاحش بالبترول اللى مش عارفين قيمته وبسبب الحرب التى شنتها أنا ضد إسرائيل وسجلت فيها النصر، قالوا مش كفاية لا سلام حتى نطهر فلسطين من كل يهودى، طيب ومن الذى سيقوم بالتطهير؟

مفيش إلا مصر! ومصر فقط حتى بقينا لحم على عضم.. آدى القومية العربية.. هل هذا شيء يمكن أن يقبله عقل أو منطق؟!

أنا عندى توليفة تانية غير حكاية القومية العربية اللى سحروا بها «عبدالناصر» المسكين الله يرحمه واللى ضيعته فى الآخر، وغير حكاية الأمة الواحدة الخالدة بتاعة «البعث» وميشيل عفلق، توليفة بين ثلاث قوى لها وزن وقيادات رشيدة: مصر العظيمة والسعودية الإسلامية البترولية وإيران الإسلامية البترولية، والحقيقة «الشاه» بقى متجاوب معى إلى آخر الحدود.. وقف معى فى الحرب بتاعتى بقوة، وكفاية بقى كلام عن رجعية وتقدمية والتاريخ العربى والمصير المشترك.. و.. وكل ده على رأى اللبنانيين «طق حنك» وبصراحة أنتم التقدميين أكبر معلمين فى طق الحنك!

 

 

 

ويمضى لطفى الخولى فى مقدمته قائلا:

وحينما كنت انطلق فى محاجّة الرئيس السادات من أن قضية تغيير الأوضاع سواء فى مصر أو فى العالم هى قضية حية ومطروحة باستمرار، وأن المهم فى هذه القضية هو اتجاه التغيير وطبيعته ولفائدة من يصب فى النهاية.

وكان السادات يحتد وبغضب شديد إزاء هذا النوع من «المحاجاة» ويتهمنى و«أمثالى» بعقدة النقص أمام أمريكا وبالجمود والجهل.. ويؤكد على أن «أمريكا تعاملنى اليوم بعد أن عرفتنى جيدا ورأسى مرفوع إلى السماء، تماما كما تعامل فرنسا وبريطانيا وألمانيا، فهل هذه البلاد فقدت استقلالها لمجرد أن زعماءها يشاركون واشنطن فى الرأى والمشورة والسعى إلى تغيير العالم الراهن إلى عالم أفضل.. هذا سخف ودليل على أنكم ماتزالون بعقدة الخوف من الخواجة، لا.. أنا بقى رأس برأس الخواجة!

وهكذا لم يعد هناك مزيد من أسرار «مشوار السادات» يحتاج إلى بذل الجهد للكشف عنه، وباتت القضية تنحصر فى ربط هذه الأسرار بعضها ببعض ربطا جدليا فى إطار الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية على كل المستويات المحلية والعربية والدولية.. وإطلاق سراحها من داخل الجدران المغلقة إلى الشارع السياسى بكل قواه وجماهيره.. وشرعت فى كتابة الدراسة فى نفس الوقت الذى كنت أمارس فيه حوارا نقديا فى اللقاءات التى تتابعت مع الرئيس «السادات».

وكانت النغمات التى يعزف عليها قد أخذت تتحول إلى مقولات سياسية أكثر دقة فى بنيتها الفكرية والاجتماعية وتدخل دائرة تجريب السبل والوسائل لترجمتها فى الواقع على خطوات، وبدا لى مؤكدا والمقولات تتمنطق وتغير أرديتها أكثر من مرة وهى تتعامل مع الواقع حتى تستقر على شكل معين، أن «كيسنجر» يساهم منذ البداية بقسط ملحوظ فى صياغتها ولو بصورة إيحائية وغير مباشرة!

كان السادات شديد الإعجاب بل الافتتان بكيسنجر يردد عباراته التى حفظها عن ظهر قلب وأحيانا يخطئ وينسبها إلى نفسه، وإذا ما تنبه أو اعتراه الشك سارع إلى القول: والله، لم أعد أعرف من الذى قال هذا؟ أنا وكيسنجر، لقد أصبحنا نتكلم لغة واحدة تماما، انطق بعبارة ما تصف حدثا أو شخصا فيبادرنى كيسنجر بأنها كانت على طرف لسانه ويحدث لى نفس الشىء».

لكن ماذا كان رأى السادات فى مقالات لطفى الخولى؟.. انتظرونى!