
وليد طوغان
نظام الأمر الواقع فى دمشق
مصطلح «حكومة الأمر الواقع فى سوريا» هو الأنسب وهو الأقرب للواقع.. حتى الآن.
للمصطلح من الدلالات ما يشير للشواغل المصرية فى سوريا بعد سقوط الأسد.
الرؤية المصرية مشروعة.. وواقعية.. وعملية.
تنطلق تلك الرؤية من ضرورة الحفاظ على الدولة السورية. تتعاطى تلك الرؤية فى المقام الأول «بفكرة الدولة» والمفهوم الطبيعى لـ «فكرة الدولة».
لا تدار الدول بأساليب إدارة الميليشيات، ولا تحاصص الحكومات فى الأنظمة الحديثة على أساس الانتماءات المذهبية أو العقائدية.
تنطلق الرؤية المصرية فى أحكامها على تعاطى الإدارة الجديدة فى سوريا مع مؤسسات الدولة، ومدى حياد تلك المؤسسات إلا من مفهوم المصلحة الوطنية.
فى مكالمته التليفونية لوزير الخارجية فى الحكومة السورية الجديدة، أكد الدكتور بدر عبدالعاطى على تلك المسائل.. وأشار إلى تلك الشواغل.
كلها كانت شواغل فى محلها.
لكن على الجانب الآخر، فإن الأمور يبدو أنها لا تسير على منوال يسر الخاطر.

(1)
لا يرهب مصر فيديو يحرض على الفوضى، ولا صورة لثلاثة، بدا واحدٌ منهم بلا لثام محرضًا على الدولة المصرية.
سبق وتعرضت مصر لمحاولات تحريض أكبر وعلى نطاق أوسع، واستطاعت مصر ليس فقط التصدى، لكن سحقت كل من رفع السلاح.
تكفى العملية الشاملة فى سيناء إشارة.
لم تكن حرب الإرهاب فى سيناء سهلة، لأن على شبه الجزيرة المصرية، تجمع ألوف من الأجانب المرتزقة، بأعلى درجات التدريب، وأعلى طواقم الأسلحة حداثة لتهديد الدولة.
لم يكن الوضع فى سيناء، مجرد فيديو أو صورة يظهر فيها مسدس موضوعًا على ترابيزة.
كانت اللعبة أكبر وأخطر.
مدت أجهزة استخبارات كثيرة أياديها فى سيناء، دفعت دول ملايين الدولارات فى محاولة إنجاح التهديد الميليشياوى للدولة المصرية.
فيديو متداول لإرهابى محرضًا على مصر، لا يمكن أن يثير أى مشاعر تخوف مقارنة بقوة وقدرة الجيش المصرى.
لكن ما يثير فى الفيديو الذى ظهر فيه الإرهابى أحمد المنصور، كان بثه من الأراضى السورية.. حيث يتواجد عدد من قادة الإرهاب داخل الأراضى السورية.
يثير التحريض على الدولة المصرية، من داخل سوريا عديدًا من الأسئلة وعلامات الاستفهام.
نفس علامات الاستفهام التى أثارتها تشكيلة الحكومة الجديدة هناك، بوزراء كان لأغلبهم ماض دينى متشدد، وسوابق فى الحرق والقتل والتدمير على أساس المذهب وعلى أساس الدين.
الجواب يبان من عنوانه، ويظهر «العنوان» من إعلان نظام الأمر الواقع فى سوريا حزمة رتب عسكرية منحت لكثيرين من الموضوعين على قوائم الإرهاب فى العالم.
(2)
الأجانب فى الجيش السورى الجديد.. أزمة أخرى، وتعيين قادة من غير السوريين فى رتبٍ عالية بالجيش مسألة لها هى الأخرى عظيم الدلالة والإشارات.
مفترض أن الدول لا تدار بفكر الميليشيات، والجيوش الوطنية لا تتكون بفكر المحاصصة والولاءات أو الترضيات.
سبق وحذرت مصر من هدم الجيوش الوطنية، وسبق وحذرت من سيطرة الفكر الميليشياوى، كما سبق وحذرت من المرتزقة والأجانب على عدد من المسارح فى الإقليم.
لكن فى سوريا، كما هو واضح للآن، فإن الأمور تسير كلها فى اتجاه «أفكار الميليشيا» بسيطرة واضحة لمرتزقة.
ضمن التعيينات الجديدة، منحت الإدارة فى سوريا ستة مقاتلين أجانب على الأقل رتبًا عالية فى الجيش الجديد.
من بين تلك الرتب، صينيون وإيجور وأوزبك وشيشان من آسيا الوسطى، إضافة إلى أتراك وأفغان وباكستان ومصريين وأردنيين.
ثلاثة أجانب، بينهم إيجورى صينى، حصلوا على رتبة العميد فى الجيش السورى، بينما حصل ثلاثة آخرون على رتبة العقيد.
تضم «هيئة تحرير الشام» مع الجماعات المتحالفة، مئات المقاتلين الأجانب فى صفوفها، حيث قدم هؤلاء وتسلحوا وتدربوا خلال الحرب ضد بشار الأسد وأغلبهم من المتشددين الجهاديين.
النظرة الأوروبية لإمكانيات التعامل مع الإدارة الجديدة فى سوريا، وقدرة هذه الإدارة على «التغيير» من فكر الجماعات إلى فكر الدولة غير واقعية.
ففى الواقع، لا تكفى الشعارات ولا يكفى مجرد تغيير شكل الملابس، وأسماء القيادات فى هيئة تحرير الشام.
لذلك، فالتحذيرات الغربية من الأجانب فى الجيش السورى أتت متأخرة.
قبل ساعات، بدأت أوروبا فى الالتفات إلى أن علاقة المقاتلين الأجانب بالإدارة فى دمشق لا بد أن تكون محل قلق.
لكن المسئولين فى الإدارة السورية، احتجوا بأن المقاتلين الأجانب سبق وقدّموا تضحيات فى الإطاحة بالأسد، لذلك لا بد أن يكون لهم مكان فى سوريا!
تقول سوريا، إن هؤلاء لا يمكن ببساطة إعادتهم إلى أوطانهم أو إبعادهم إلى الخارج حيث قد يواجهون الاضطهاد.. وإنه من الأفضل الاحتفاظ بهم فى سوريا.
قالت الإدارة الجديدة فى سوريا، إن هؤلاء المقاتلين الأجانب، لديهم الاستعداد للعمل فى مؤسسات سورية، وفق القوانين والدستور، وأن لديهم ما لديهم من الانفتاح على الجميع فى سوريا جديدة. ليس هذا، فيما يبدو، أيضًا حتى الآن صحيحًا.
ففى حماة، كان الذى حرق شجرة الميلاد قبل العيد هم مسلحون أوزبك منضمون لإحدى الفصائل التابعة لهيئة تحرير الشام.
فى حادثة أثارت استياءً واسعًا، قام مسلحون أوزبك بإشعال النار فى شجرة عيد الميلاد فى مدينة السقيلبية بريف حماة، وهى منطقة يقطنها سوريون من أتباع الديانة المسيحية.
وقعت الحادثة، تحت تهديد السلاح، وفى مواجهة بين السكان المسيحيين وبين المسلحين الذين منعوا السكان وقوات الإطفاء من الاقتراب بعد إشعال النيران، وظلوا يراقبون اللهب إلى أن أتى على الشجرة بالكامل.. قبل أن ينسحبوا.
أثار الاعتداء مزيدًا من الغضب المسيحى وشكوكًا حول هؤلاء الأجانب، وما فى حوزتهم من سلاح. والمسلحون الأوزبك مقاتلون أجانب، انخرطوا فى الصراع السورى منذ بداياته، وينحدرون من دول آسيا الوسطى، مثل أوزبكستان وطاجيكستان وقرغيزستان.
يتمركز هؤلاء المسلحون فى فصائل مختلفة، أبرزها «كتائب الإمام البخارى»، التى تُعتبر إحدى أقوى الفصائل الأوزبكية فى سوريا، وهى واحدة من الفصائل الموالية لـ«هيئة تحرير الشام».
بعض هؤلاء المسلحين، انضموا أولًا لداعش، قبل أن يتحولوا إلى القاعدة، التى كانت هيئة تحرير الشام جناحها فى سوريا.
لعب الأوزبك والشيشان أدوارًا قيادية فى ميليشيات القاعدة، كما شغل كثيرون منهم مناصب ميدانية فى فصائل داعش المسلحة.
فى سوريا.. ما زال هناك الكثير مما على نظام الأمر الواقع فعله.