رشاد كامل
اليسار يتهم لطفى الخولى بتجميل شخصية السادات!
قوبلت مقالة «مدرسة السادات السياسية» التى كتبها الكاتب الصحفى الكبير «لطفى الخولى» فى جريدة الأهرام بعاصفة من الهجوم والنقد والتجريح أيضا فى يساريته وماركسيته!
العاصفة الأولى جاءت من النظام واتهمت لطفى بأن مقاله عمل عدائى موجه للنظام عامة والرئيس السادات شخصياً.
والعاصفة الثانية جاءت من عناصر يسارية فى مصر والعالم العربى اتهمت الدراسة بأنها من كاتب محسوب على اليسار لتجميل وجه السادات!!
ويروى لطفى الخولى ما جرى وقتها فى المقدمة التى كتبها فى كتابه «مدرسة السادات السياسية واليسار المصري» الذى صدر أولا فى باريس سنة 1982 ثم فى مصر ضمن كتاب الأهالى نوفمبر 1986 وكتب: لطفى الخولى يقول:
والحق أنه بقدر ما تفهمت دوافع واتهامات العاصفة الأولى بقدر ما عجزت عن فهم ودوافع واتهامات العاصفة الثانية، ولم أدر ما هو جرم كاتب يسارى فى أن يحاول أن يكشف بمنهاج علمى أصول ومنطلقات ومسار أفكار وسياسات معادية لالتزامه الفكرى ومواقفه السياسية، وما علاقة ذلك بتجميل وجه السادات أو تبييض صفحة نظامه، كأن الدراسة الموضوعية «لظاهرة سياسية اجتماعية» ما فى حالة نشاط خطير ومدمر هى تأييد لها، وذكرنى هذا الموقف من «بعض الرفاق» بما كان سائدا فى مجتمعاتنا العربية فى الخمسينيات وأوائل الستينيات من اعتبار الإقدام على دراسة العدو الإسرائيلى والكشف عن أصول ومنطلقات أفكاره وسياساته وأهدافه عملا من أعمال تجميل وتبييض وجه العدو والاستسلام له.
وكان لا بد من أن تقع هزيمة 1967 المعروفة بجميع أبعادها حتى ينهار ذلك النوع من التفكير الذى أسميه «بمرض البداوة اليساري» ويضيق العقل العربى إلى أن معرفة العدو معرفة موضوعية شاملة خارج دائرة التصورات والانطباعات والاتهامات اللفظية هى شرط ضرورى وحتمى لإدارة الصراع ضده بنجاح!
ويسترسل لطفى الخولى فى شرح كواليس المعركة مع اليسار بقوله:
وعندما أتيح لى أن أدخل فى حوار مع بعض هؤلاء الرفاق حول ما تيسر نشره من حلقات هذه الدراسة خلال حياة «السادات» شارحاً وجهة نظرى، كانوا ينتهون إلى الموافقة عليها، ولكن مع تسجيل «تحفظهم الشديد» على الخطأ الكبير الذى انزلقت إليه باستخدامى اصطلاح «المدرسة الساداتية» لما وصفوه.. «بهذا العبث وهذه الردة التى تمثلها أفكار وسياسات السادات» وأن إدراج ذلك تحت عنوان «مدرسة سياسية» يحمل معنى التفخيم والتضخيم من شخصية السادات العاجزة!
وكنت أرى أن هذا «الاعتراض من بعض الرفاق» تجسيد دقيق للنظرية التى تقول «بأن إزالة الخطر فى الواقع هو بتجاهل وجوده وعدم الانشغال به» وهو قد يندرج فى باب العواطف والحماسة الجياشة ضد «السادات» ولكنه مقطوع الصلة بالدراسة العلمية لماهية الخطر وكيفية مواجهته، وإلا كان معنى ذلك أن كل المفكرين والكتاب اليساريين فى العالم قد ساهموا فى التفخيم والتضخيم من شأن «النازية» عندما أطلقوا عليها «مدرسة هتلر السياسية» أو أن «كارل ماركس» - وأظن أنه لا خلاف على يساريته - كان مفخماً ومضخماً للظاهرة التى أطلق عليها اسم «البونابارتزم» عندما تحدث عن «مدرسة نابليون الثالث السياسية».
وبح صوتى مع هؤلاء الرفاق وأنا أحاول أن أوضح أن «اصطلاح «المدرسة» ليس وصفا أخلاقيا نخلعه على ما نحترمه أو نتبناه من أفكار وسياسات، وإنما هو اصطلاح علمى يعبر عن مجموعة أفكار أو سياسات تكوّن بناءً متميزا أيديولوجيا أو حركيًا وذلك بالقياس إلى مجموعات أفكار وسياسات أخرى تجسد بالمقابل مدارس خاصة بها.
ومضت السنوات بأحداثها الجسام المتلاحقة والتى تنبأت بها الدراسة قبل وقوعها، وإذا باصطلاح «الساداتية» أو «مدرسة السادات السياسية» قد بات شائعاً ومتداولاً ومعترفًا به حتى من هذا البعض من الرفاق الذى كان يرفضه ويتهم من يستخدمه بأنه يبيبض «ويجمل» وجه السادات.
ويعترف لطفى الخولى قائلا: هددت هاتان العاصفتان استمرار نشر حلقات الدراسة وعلى الأخص قسمها المتعلق بمدرسة السادات السياسية».. وتنمر الرقيب شارعاً قلمه الأحمر فى مواجهة بقية الحلقات، واضطرنى هذا الوضع إلى أن أصدر الحلقة الثانية بمقدمة تحمل رسالة واضحة إلى كل من يهمه الأمر قلت فيها:
مقال اليوم هو الحلقة الثانية من سلسلة مقالات أحاول خلالها رصد وتحديد سمات وملامح منهج الرئيس السادات فى معالجة ما يسمى بأزمة الشرق الأوسط بعد حرب أكتوبر والتى أصبحت تكون بترابطها وحركتها مدرسة سياسية خاصة بل غير مسبوقة -من مناح عديدة- فى تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى، ذلك أنها تختلف مع المدارس السياسية الأخرى فى الساحة فيما تلتزم به من مفاهيم وتكتيكات بل وأهداف فى بعض الأحيان».
ولعل أخطر ما تكشف عنه مقدمة لطفى الخولى هو تلك السطور:
«كتبت هذه الدراسة خلال حياة الرئيس «أنور السادات» إلا أنه لم يتيسر إصدارها كاملة فى كتاب إلا بعد موته فى مشهد تراجيدى عنيف، وكل ما أمكن نشره منها والسادات على قيد الحياة هو بعض الحلقات فى «الأهرام» القاهرية و«النهار» البيروتية و«الوطن» الكويتية وذلك فى وقت واحد من عام 1975.
ومع ذلك كان ثمة اختلاف بين ما نشر من هذه الحلقات فى القاهرة، وبين ما نشر فى بيروت والكويت من نفس الحلقات، ويرجع ذلك إلى أن الرقيب المصرى تنبه إلى مغزى هذه الدراسة بعد ظهور الحلقة الأولى منها، فراح يصادر بقلمه الأحمر فقرات مما يدفع به إلى النشر، وأحياناً حلقات بكاملها، على الرغم من ادعاء النظام العالى الصوت وقتذاك بتوفير الحرية للصحافة وإلغاء الرقابة عليها!
وكانت مفارقة شاذة وطبيعية فى نفس الوقت، أن القراء المصريين باتوا يتابعون الحلقات فى النهار والوطن التى كان يسمح لهما بالتوزيع فى مصر بدلا من جريدة «الأهرام» التى تصدر كل صباح فى عاصمتيهما، والمراقبة - على حد التعبير الذى شاع وقتها - من قبل مكتب حرية الصحافة بوزارة الإعلام». ومن خلال المقارنة تمكنوا بسهولة من أن يقرأوا ما كان يصادره مكتب حرية الصحافة المصرية من الحلقات، وهو الأمر الذى كان مصدر مناقشات واسعة فى المجتمع حول هذه الدراسة، فجّرت العديد من الأسئلة!
والواقع أن الإقدام على كتابة هذه الدراسة فى ذلك الوقت بالذات كان على حد رأى عدد من زملائى فى أسرة تحرير «الطليعة» مغامرة محفوفة بالمخاطر على أكثر من صعيد ولأكثر من سبب. وإذا لم تخنى الذاكرة فإن الفكرة نبتت خلال لقاء تم بين الرئيس السادات وبينى فى أوائل عام 1974 بناء على طلب مفاجئ منه!!.