
رشاد كامل
مدرسة السادات السياسية بقلم لطفى الخولى!
«مدرسة السادات السياسية»، هو المصطلح والتعبير الذى أطلقه الكاتب الكبير «لطفى الخولى» على سلسلة المقالات الصحفية التى كان ينشرها فى جريدة الأهرام على مدَى عدة أسابيع ابتداءً من يوليو سنة 1975.
كان عنوان السلسلة هو «مدرسة السادات السياسية واليسار المصرى»، كان المقال الأول بعنوان «فتح القناة بداية الممارسة»، وكل مَن قرأ المقال سواء فى مصر أو العالم العربى- وكنت أحد هؤلاء القراء- أصابته الدهشة والحيرة والاستنكار مما طرحه الأستاذ لطفى الخولى بشكل صريح وصادم، لم يكن متوقعًا من كاتب يسارى ماركسى مثله وهو أيضًا رئيس تحرير مجلة «الطليعة» اليسارية!

فى هذا المقال يقول لطفى الخولى: «ينطلق الرئيس السادات فى وضوح من مفهوم أساسى هو أن الصراع العربى الإسرائيلى صراع أجيال وليس فى مقدور جيل واحد- خصوصًا بعد العديد من التجارب- أن يتحمل بمفرده مهمات كل الأجيال، ومن هنا فلا بُدَّ من أن تتحدد لكل جيل مهام وأهداف معينة فى هذا الصراع.
وفى إطار الواقع الراهن وظروفه المميزة تنحصر مهمات الجيل العربى المعاصر بدقة- فى مفهوم الرئيس السادات- فى إزالة آثار عدوان 1967 بتحرير الأرض العربية المحتلة، وفى الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى من خلال إقامته لدولته الوطنية فى «غزة والضفة الغربية» (!!)
ويعلق لطفى الخولى قائلاً: وتحقيق مهام هذا الجيل يعنى بلا غموض منهاج السادات أن تظل إسرائيل حقيقة قائمة فى حدود ما قبل الخامس من يونيو- حزيران 1967، وهذه حقيقة لا مفر أمام الجيل من ترويض نفسه على الاعتراف بها، ولكن فى صورة لا تصادر حق الأجيال القادمة فى الصراع أو تستلب مهماتها!!
وتمضى أفكار لطفى الخولى واضحة حاسمة قاطعة بقوله فى تحليله:
من هنا ترى مدرسة السادات السياسية أن يكون الوضع إذا ما تم إنجاز مهمات الجيل المعاصر فى حدود خطوط سياسية ثلاثة:
أولاً: إنهاء حالة الحرب مع إسرائيل فى هذا الجيل.
ثانياً: الاعتراف بإسرائيل كأمر واقع على الأقل.
ثالثًا: عدم تبادل التمثيل الدبلوماسى أو التجارى مع إسرائيل باعتبار أن هذا خارج عن إطار مهام الجيل الراهن ومتروك أمر تقريره للأجيال القادمة.
وما يزيد عن هذه المهام يبقى خارج إطار مسئولية جيل حرب أكتوبر تشرين وتتحمل عبأه الأجيال القادمة. وفوق هذا وذاك فإن المدرسة السياسية للسادات تقدر أن عبء التضحيات المادية والبشرية للجيل العربى عمومًا وللجيل المصرى؛ خصوصًا فى الصراع مع إسرائيل بلغ حدًا يفوق طاقة الاحتمال ويهدد قضية التطور الاجتماعى فى الصميم.
وفى كلمات لا ينقصها الوضوح صارح الرئيس «السادات»- عن عمد- الشعب المصرى والأمة العربية بقوله أكثر من مرة:
- إن الاقتصاد المصرى وصل إلى حافة الصفر قبيل حرب أكتوبر 1973.
- إن مصر بعد ما كانت من أغنى البلدان العربية صارت من أفقرها نتيجة استنزاف طاقتها فى الصدام المسلح مع إسرائيل.
وينهى الأستاذ «لطفى الخولى» مقاله المهم بالقول:
فى مقابل هذه المدرسة الساداتية المحددة الأبعاد والوسائل والأهداف والفعل، لا وجود- بعد- فى الوطن العربى لمدرسة أخرى على مستوى الدول تطرح سياسة بديلة قادرة على الفعل والمبادرة».
ويروى لطفى الخولى كواليس نشر هذه السلسلة من المقالات بقوله:
وهكذا دفعت إلى النشر فى حياة «السادات» بعض حلقات القسم الأول من الدراسة تحت عنوان «مدرسة السادات السياسية»، وقد اخترت عن قصد هذا العنوان لأنه- من ناحية- تعبير علمى دقيق عن النسق الفكرى والحركى المتكامل لسياسة السادات، وقد أثبتت حركة الأحداث صحة هذا التعبير.
ولأنه- من ناحية أخرى- يسهل تمرير الحلقات من تحت أنف الرقيب إلى النشر، ذلك إنه كان من الصعب على الرقيب أن يبدأ بمصادرة مقالات تخلع على «السادات» الذى كان مغرمًا بالتحلى بالأوصاف والألقاب ذات الطنين العالى مثل «رب العائلة» «بطل الحرب والسلام».. إلخ، لقبًا جديدًا- وبالحق هذه المرة يتجسّد فى أنه َ«صاحب مدرسة سياسية» مميزة وغير مسبوقة فى تاريخ العرب الحديث بغض النظر عن طبيعة ومضمون هذه المدرسة وأهدافها.

ويمضى لطفى الخولى يروى فى مقدمة كتابه الذى صدرت طبعته الأولى فى باريس عام 1982 عن منشورات العالم العربى فيقول:
وبالفعل نشرت الأهرام دونما أى اعتراض الحلقة الأولى من الدراسة كاملة تحت عنوان «فتح القناة بداية الممارسة لمدرسة السادات السياسية» ووقع ما لم يكن فى حسابى على الإطلاق!
تفجرت على نطاق واسع ردود فعل مباشرة وسريعة فور نشر الحلقة الأولى، والتى لم تكن سوى مدخل تمهيدى عام إلى أغوار المدرسة الساداتية، وتبلورت ردود الفعل حول سؤالين سادا المناقشات: كيف سمح الرقيب سواءً أكان المرحوم الأستاذ «على حمدى الجمال» رئيس التحرير أمْ الأستاذ «طلعت خالد» الرقيب العام والذى أصبح بعد إعلان إلغاء الرقابة رئيس مكتب الصحافة بوزارة الإعلام، بنشر هذه الحلقة؟ وهل من الممكن الاستمرار فى نشر حلقات هذه الدراسة؟!
وعلى الرغم من أنى سعدت لهذه المفاجأة التى أكدت لى ثقتى بقدرة المواطن المصرى على إجادة قراءة هذا النوع من الكتابات؛ فإنه سرعان ما تحولت هذه السعادة إلى مشاعر من القلق والخشية من أن لا ترى بقية الحلقات طريقها إلى النشر أو على الأقل تخضع لرقابة شديدة، ذلك أنه بعد يومين من النشر وجدتنى فى مواجهة عاصفتين عنيفتين من موقعين متناقضين:
العاصفة الأولى من مواقع السُّلطة فى النظام الساداتى وبالذات من قيادة الاتحاد الاشتراكى العربى وجهاز الأمن القومى تصنف الحلقة على أنها «عمل عدائى موجه للنظام عامة والرئيس السادات شخصيًا، مُصاغ - كما جاء فى أحد التقارير التى أتيح لى الاطلاع عليها - «فى أسلوب يتخذ قالب البحث العلمى الموضوعى المحايد من كاتب معروف باتجاهاته الأيديولوجية التى تتنافى مع أيديولوجية ثورة مايو ودولة العلم والإيمان».
أمّا العاصفة الثانية فقد صدرت عن بعض عناصر يسارية فى مصر والوطن العربى اتهمت الدراسة فى مقالات وتعليقات متعددة بأنها «تجمل» و«تبيض» وجه «السادات» و«تنظر وتؤصّل» أفكار السادات وسياساته، وذلك من كاتب محسوب على اليسار»!!
وتفاصيل الحكاية لها بقية!