الخميس 14 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
ماذا بعد أن عاد ترامب؟

ماذا بعد أن عاد ترامب؟

فى الجانب الآخر من الكوكب جاء ترامب. 



عاد إلى البيت الأبيض من جديد. هل يمكن أن يغير ترامب فى ولاية جديدة.. كثيرًا من القواعد كما قال؟ الإجابات متضاربة، كما أن التقييمات لشخصية الرئيس الأمريكى الجديد فى ولاية جديدة.. متناقضة هى الأخرى. 

بعضهم يقول إن ترامب جاء ليوقف الحروب.. ويقول «دعونا نبدأ من جديد». آخرون يرون أن المثالية فى التفكير أثبتت مع كل إدارة أمريكية أنها ليست ذات جدوى. 

لأنه إذا كانت الإدارة فى البيت الأبيض تغيرت، بتغيرات ضرورية فى السياسات بين الديمقراطيين والجمهوريين، فإن هذا لا يعنى بالضرورة أن من سوف يدخل البيت الأبيض سوف يكون فى إمكانه أن يضع حلولًا سحرية للقضية الفلسطينية.. فى ساعات. 

مهما كان الرأى.. فالحلول حسب الرؤية المصرية هى ضرورة قيام سلام عادل وشامل الآن.. وليس غدًا. 

السلام الشامل وفق الرؤية المصرية، هو سلام عادل، يمنح كل ذى حق حقه، ويمنع المواربات، ولا يعترف بالكلام والكلام المضاد.. ولا ينشئ أوضاعًا لا يمكن التوافق عليها أو قبولها.

(1) 

فى اتصال هاتفى بعد إعلان فوز ترامب، قال الرئيس الفلسطينى محمود عباس إن الشعب الفلسطينى لديه الحق فى التمتع بسلام عادل قائم على أسس الشرعية الدولية. 

رد ترامب كان متوازنًا كما وصفته الصحافة الأمريكية. 

هو قال إنه جاء ليعمل على وقف الحرب فى غزة. وقال إنه مستعد للعمل مع الرئيس الفلسطينى، وقال أيضًا إنه سوف يدفع الأطراف المعنية فى المنطقة والعالم من أجل صنع السلام.

قال ترامب أيضًا، إنه مستعد لتحقيق السلام العادل والشامل على أسس الشرعية الدولية. 

حتى الأيام الأخيرة فى إدارة بايدن، فإن الديمقراطيين يمنحون وفق مفهومهم للشرعية الدولة، مساحات للتجبر الإسرائيلى على الأرض بدعوى حماية النفس، لذلك مفترض أن يعيد ترامب، إذا صدق ترسيم حدود المفهوم والعمل مع الآخرين على إقرار السلام.

تعهد ترامب بإيقاف الحرب فى غزة. وتعهد بإيقافها فى لبنان، وفى أوكرانيا، وفى كل المناطق الملتهبة فى العالم.

على منصته على إكس.. كتب أنه يريد أن يعود السلام الحقيقى إلى الشرق الأوسط، وأنه سوف يفعل هذا بشكل صحيح. 

فى نفس التغريدة.. كتب أنه سيصلح المشاكل التى تسببت فيها كامالا هاريس نائبة بايدن.. وسيصلح ما فعله بايدن. 

مرة أخرى أفلح إن صدق. وغدًا لناظره قريب. 

العالم بذلك الشكل مهدد بالانفجار. الشرق الأوسط نفسه على كتلة من البارود والديناميت. 

لو لم يسع ترامب إلى ما تعهد به، فالحرب الشاملة على الأبواب. والحروب دمار، وقنابل لو انفجرت ستنفجر فى وجه الشمال والجنوب، والشرق والغرب. 

لن تكون أمريكا بعيدة عن مرمى نيران حرب شاملة فى الشرق الأوسط. فالحروب تغير الخرائط بعد أن تصبغها باللون الأحمر. وما كان ممكنًا اليوم، فإنه فى وقت الحرب سيتحول إلى أن يكون من المستحيلات. 

قبل الإعلان عن فوزه قال ترامب ما أضاف كثيرًا من علامات الاستفهام وأكثر من سؤال. 

هو قال إنه لو كان رئيسًا للولايات المتحدة لما كانت أحداث 7 أكتوبر لتحدث. وفى سياق آخر قال إنه إذا كان رئيس الولايات المتحدة الآن.. فإن الحروب فى المنطقة وفى أوكرانيا سوف تتوقف الآن أيضًا! 

لكن لا هو قال كيف يمكن لهذه الأمور أن تحدث، ولا قال كيف يمكن لإدارته بعد فوزه من إعادة تشكيل الحلول لقضايا فى حاجة ماسة الآن للملمة الخيوط كلها. 

فى الصحافة الأمريكية اتجه كثير من المحللين للاعتقاد فى أن إنهاء الحروب فى غزة ولبنان سوف تكون على رأس أجندة ترامب. 

لكن فى الواشنطن بوست كتب أحدهم جملة لابد أنها سوف تثير مزيدًا من تساؤلات إذ قال: «سوف يعمل ترامب فى الوقت نفسه على مزيد من دمج إسرائيل فى الشرق الأوسط». 

مسألة الدمج هذه غريبة، أولًا: إسرائيل ليست فى حاجة إلى مزيد من الدمج، لأنها لم تدخل من الأساس، وهى لا يمكن أن تدخل فى ظل أنهار الدماء التى أريقت لألوف على الأرض فى غزة.

(2) 

عودة للصحافة الأمريكية، حيث قال بعضها إنه من المتوقع أن يواجه نتنياهو رئيسًا أمريكيًا أشد صرامة من بايدن مع دخول ترامب البيت الأبيض.

هل يعنى هذا أن ترامب يمكن ألا يتسامح مع ما يجرى من حروب بالشكل التى تجرى عليه؟ 

النيويوركر الأمريكية كتبت أن الرئيس الأمريكى الجديد لا يريد أن تكون حروب غزة ولبنان وأوكرانيا ملفًا مثقلًا على مكتبه فى البيت الأبيض. لكن فى النيويوركر لم يقولوا كيف يمكن أن يحقق ترامب هذا، ولا كيف يمكن أن يعيد ترامب تشكيل تلك القضايا بحيث تأتى الحلول؟. 

على كل.. فإن ترامب طوال حملته الانتخابية، لم يحدد كيف سيتعامل مع الحرب بين إسرائيل وحماس إذا أُعيد انتخابه. 

ولم يحدد أيضًا كيف يمكن لسياساته أن تختلف فى مواجهة تلك القضايا من سياسات جو بايدن.

منذ فترة قال ترامب إن إسرائيل فى حاجة إلى إنهاء ما بدأته فورًا فى غزة، مشيرًا إلى أن تل أبيب باستمرارها فى الحرب تخسر ما أسماه حرب العلاقات العامة. 

علاقات عامة؟! 

التعبير كان غريبًا ومثيرًا.. ويقترب من المأساة.. فالحرب والدمار والهدم والإخلاء والآلاف من الأطفال والنساء موتى تحت أنقاض العمارات والأحياء السكنية التى خرجت بطونها، والبشر الذين استقروا جرحى تحت أنقاضها لا يمكن أن يسمى مجرد حرب علاقات عامة! 

فى الجانب الآخر، هناك من يرى أن ترامب لا يهتم بالقضية الفلسطينية، والدليل أنه في ولايته الأولى، لم يلق بثقله لدعم طويل الأمد لدولة فلسطينية مستقلة، وفى ولايته الأولى قال أكثر من مرة أنه يرغب فى الحلول للقضية التى يرغبها الطرفان، بينما هو يعرف أن إسرائيل لا ترغب فى حلول.. ولا تبحث عنها. 

هناك من يقول فى الولايات المتحدة وفى أوروبا أن ولاية ترامب الأولى غير ولايته الثانية. 

وهناك من يقول إن الولاية الأولى لا يمكن القياس عليها، أولًا لأن ترامب عرف أكثر بعد مغادرته البيت الأبيض قبل أربع سنوات، وثانيًا لأن الوضع فى الشرق الأوسط تغير تمامًا عما كان عليه وقت أن كان ترامب رئيسًا للولايات المتحدة أول مرة.

(3)

فترة ولايته الأولى، اتخذ ترامب عدة خطوات لصالح إسرائيل. فهو الذى اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل.. فى واحدة من أكبر أخطاء الإدارة الأمريكية.

الاعتراف بالقدس كان خطيئة كبرى وجريمة خالفت عقودًا من توجهات السياسة الأمريكية والإجماع الدولى. 

مع ذلك هناك من ما زال يتمسك بأن المقارنة بين ولايته الأولى وولايته الثانية فيها شىء من الاختلاف.

 مرة ثالثة.. أفلح إن صدق. 

خروجًا من الشرق الأوسط وعودة إليه.. فإن خبراء يرون أن السنوات الأربع المقبلة فى ولاية ترامب، سوف تكون أكبر اختبار لإيران منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية.

ترامب سوف يمارس مزيدًا مما يسميه الضغط على طهران، فى عودة لحملة الضغط التى كان قد فرضها عليها فى ولايته الأولى، مما زاد من عزلة طهران وشل بالفعل اقتصادياتها. 

ما الذى يمكن أن يؤدى إليه المزيد من الضغط على إيران؟

السؤال مهم.. وفى محله، خصوصًا أن ترامب الذى يفخر بأن يصف نفسه برجل الأعمال الماهر، هو نفسه الذى فشل فى احتواء نفوذ طهران فى الشرق الأوسط رغم انسحابه من الاتفاق النووى، وإعادة فرض العقوبات على طهران، ورغم الخلاص من قاسم سليمانى مشرف العلاقات الإيرانية الأول على وكلاء طهران فى المنطقة!

منذ غادر ترامب البيت الأبيض، وإيران سائرة فيما كانت الولايات المتحدة ثائرة عليه، فهى قد كثفت تخصيب اليورانيوم، وزادت صادراتها من النفط، وكثفت أيضًا دعمها لوكلائها فى المنطقة، من جنوب البحر الأحمر حتى الشمال فى لبنان، والجديد أن منحت نفسها فى سابقة أولى من نوعها الحق فى الهجوم المباشر على إسرائيل مرتين!