الأربعاء 16 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
القرن الإفريقى.. أمان

القرن الإفريقى.. أمان

الوضع فى القرن الإفريقى كالتالى: إثيوبيا تسعى للتمسك ببقاء قواتها على الأراضى الصومالية بعد انتهاء مهمة قوات الاتحاد الإفريقى.



 ومن «صومالى لاند» غير المعترف بها دوليًا.. تسعى أديس أبابا للارتكاز على قاعدة عسكرية لها على باب المندب. 

صومالى لاند إقليم انفصالى عن الصومال. تهدد الأقاليم الانفصالية على هذا الشكل روح الدول، وتعمل على تقسيمها، مع ما يترتب على هذا التقسيم من مخاطر إقليمية.. ومخاطر فى الجوار. 

فى السودان وحولها، يتكلم خبراء عن تنامى تحركات حركة شباب الصومال الإرهابية مع مجموعات على الحدود الجنوبية الشرقية من السودان مع إريتريا. لا يستبعد الخبراء مساعدات إثيوبية من جانب أديس أبابا أو آخرين. 

المعنى أن هناك فرصًا جديدة للإرهاب، ومساحات جديدة لتنامى الميليشيات فى المنطقة، انطلاقًا من أطراف الأراضى الصومالية، متحدة مع حركات أخرى على الحدود السودانية، ومهددة للأمن القومى فى الصومال، وفى إريتريا وفى منطقة القرن الإفريقى ككل.

كل هذه العوامل لا تمهد أبدًا لاستقرار المنطقة، ولا استقرار باب المندب، بينما باب المندب هو مفتاح العبور إلى قناة السويس على البحر الأحمر. 

كل هذه العوامل، لا تمهد أبدًا إلى سلام فى منطقة القرن الإفريقى، ولا فى بلدان القرن الإفريقى. 

(1) 

لدى إثيوبيا طموحات موهومة فى هذه المنطقة من الإقليم. 

التعامل مع إقليم انفصالى إشارة أولية إلى النوايا السيئة، وإلى ما يعمل عليه البعض فى أديس أبابا للقفز بالأمور إلى نحو لا يفيد أحدًا، ولا يدعم شرعية ولا قانونًا.. ولا يستقيم مع معادلات التنمية والبناء.. ولا معادلات السلام. 

وصلت مصر فى القرن الإفريقى تمد يدها بالسلام.

مصر يدها ممدودة على الدوام بالسلام. لكن مصر السلام لديها فى الوقت نفسه ما يردع وما يمنع أى محاولة للمساس بأمنها القومى. 

لا تتعنت مصر، بينما آخرون يتعنتون، ويحاولون أن يمنعوا حقوقًا مشروعة، ويتلاعبون بالكلام ويتلاعبون بالألفاظ ويماطلون، ويلوكون الكلام بلا معنى.. ويدخلون المفاوضات كى يخرجوا منها كما دخلوا. 

إثيوبيا مقصودة بالتطويق المصرى الاستراتيجى للقرن الإفريقى. 

لكن التطويق المصرى رشيد. مصر الرشيدة تعمل على استعادة الحقوق، وتعمل أيضًا على الوقوف فى مواجهة أى من محاولة لدب عدم الاستقرار بالمنطقة، أو الاعتداء على وحدة الدول، أو على جيوش الدول أو على مقدرات الدول فى حماية نفسها أو حماية أقاليمها. 

صورة الرئيس عبدالفتاح السيسى والرئيسين الإريترى والصومالى فى أسمرة لها مليون إشارة ودلالة. 

يقف الرئيس المصرى فى المنتصف. عن يمينه وعن شماله وقف رئيسا الصومال وإريتريا.  هى مصر، التى تقف فى الموقف الأوسط بين يد المساعدة وأيادى الخطوط الحمراء. 

 

 

 

(2) 

يناير الماضى، كان الدعم المصرى للصومال واضحًا فى رفض اتفاق إثيوبيا مع أرض الصومال. 

فى مؤتمر صحفي تحدث رئيس الدولة المصرية بكل حزم، مؤكدًا أن مصر لن تسمح أبدًا بتهديد الصومال أو النيل منه. 

لوحت مصر بتفعيل اتفاق الدفاع العربى المشترك باعتبار الصومال عضوًا فى جامعة الدول العربية.

اتفاق الدفاع المشترك يعتبر أن كل اعتداء مسلح يقع على أى دولة من الدول الأعضاء اعتداء عليها جميعًا. وأنه على كل دولة أن تبادر إلى معونة الدولة أو الدول المعتدى عليها، وبأن تتخذ جميع التدابير، وتستخدم ما لديها من وسائل بما فى ذلك استخدام القوة المسلحة لرد الاعتداء ولإعادة الأمن والسلام إلى نصابهما.

وصل الرئيس السيسى إلى إريتريا فى أول زيارة من نوعها منذ سنوات.

إريتريا من الدول المتضررة من التحركات الإثيوبية الأخيرة. متضررة أيضًا من الاتفاقية بين أديس أبابا وأرض الصومال. 

وعلى الرغم من الانشغال المصرى بالكثير من التوترات الإقليمية، وما يتسم بتفاعلات كبيرة، تظل التحركات المصرية المرتبطة بالقرن الإفريقى ذات أولوية. ولا يمكن الحديث عن أسباب الصراع فى القرن الإفريقى دون وضع مجموعة من الآليات لمواجهتها.

سياسات مصر فى التعامل مع الأزمات فى المنطقة والإقليم تنطلق دائمًا من عدم الرغبة فى التصعيد. ثوابت القاهرة فى التعاطى مع الأزمات ثابتة ومحددة. ترى القاهرة على الدوام أن الأساس فى حل القضايا الإقليمية هو الحوار مهما تعقدت تلك المشاكل ومهما تأزمت. 

وترى أيضًا أن الحلول فى حفظ سيادة الدول على أراضيها، ودعم الجيوش الوطنية باعتبارها الداعم لإرادة الشعوب. 

يد مصر ممدودة بالسلام، هذا صحيح وثابت ودائم، لكن فى الوقت نفسه، فإنه لدى مصر محدداتها.. وخطوطها الحمراء. 

تبقى لدى القاهرة، بالدوام، كل الآليات لحفظ الاستقرار فى دوائر أمنها القومى.. وأبعادها التى ترى وحدها.. أين تبدأ.. وأين تنتهى. 

 الأمن القومى المصرى خط أحمر. سبق وأكدت القاهرة كل ما يتعلق فى هذا الخصوص. والقرن الإفريقى امتداد أصيل للأمن القومى المصرى.

طلبت الصومال مساعدات مصرية، وتوافقت إريتريا فى الرؤى مع القاهرة. توافقت إريتريا على تعاون مع مصر، وطلبت الصومال الاستعانة بخبرات القاهرة فى تدريب جيشها، والاستفادة من التجربة المصرية فى الحرب على الإرهاب، إضافة إلى مطالب أخرى بمساعدات مختلفة فى قطاعات أخرى. 

من الصومال إلى إريتريا المعادلة على امتداد الخط تكتمل لحفظ الأمن فى القرن الإفريقى. 

مرة أخرى لا تعمل القاهرة على استعداء أحد. لا تعمل مصر إلا وفق سياسات رشيدة، ووفق أخلاقيات معروفة، لكن معادلات الرشد الأخلاقية لا تعنى من الأحوال التفريط فى حق، أو غض البصر عن أية محاولات للعبث فى المناطق المحيطة، وفق طموحات موهومة. 

كثيرًا ما يمنح الوهم ثقة لبعضهم، لكن لم يحدث أن تحول الوهم أبدًا إلى حقيقة. 

(3) 

رحب مجلس السلم والأمن الإفريقى بعرض مصر وجيبوتى إرسال قوات خاصة لحفظ السلام فى الصومال.

من جانبها، تعمل الصومال على تعويض خروج بعثة الاتحاد الإفريقى لحفظ السلام التى ستنسحب من أراضيها يناير 2025.

بطبيعة الأمور، فإن قوات إثيوبية كانت ضمن قوات تلك البعثة. 

المنتظر بعثة أخرى تحت إشراف الأمم المتحدة. خبراء فى تلك المرحلة الزمنية ينتظرون ألا توافق مقديشيو على مشاركة إثيوبيا فى تلك القوات، بينما القوات الإثيوبية متواجدة بالفعل على الأراضى الصومالية، طبقًا للاتفاق القديم.

فى المقابل، يبدو أن إثيوبيا تنوى أن تعمل على بقاء قواتها، بمبررات مختلفة وبحجج هى الأخرى مختلفة. 

لكن الرفض الصومالى لبقاء القوات الإثيوبية واضح. ورفض الصومال إذا استمر فإنه مستحق وطبيعى وعادى. حق الصومال فى سيادتها على أراضيها أصيل. وحقها فى اختيار من يتواجد على أرضها هو الآخر أصيل. 

لم تعد تثق الصومال فى إثيوبيا، خصوصًا بعد أزمة اتفاق أديس أبابا مع «أرض الصومال». 

أرض الصومال إقليم غير قانونى. الاتفاق الإثيوبى مع الإقليم، وصولًا لقاعدة إثيوبية على البحر الأحمر كان هو الآخر غير قانونى وغير شرعى.

والاتفاق بالتالى لم يعد مجرد اتفاق غير شرعى، إنما هو بتلك الطريقة يصبح اعتداء على سيادة دولة الصومال، وتهديدًا واضحًا لوحدة أراضيه. 

طلبت الصومال المساعدات المصرية. 

لم يحدث أن طلب أحد مساعدة القاهرة دون أن تمد أيديها بالسلام والتعاون. الدور المصرى معروف والخبرة المصرية فى محاربة الإرهاب معتبرة. وهى التجارب التى يمكن للصومال الاستعانة بها، والاستفادة منها. 

لدى مصر الكثير مما تمنحه لإريتريا فى أمور السلم وفى أمور الحرب. 

ضمان أمن البحر الأحمر أولوية. وباب المندب مفتاح المرور إلى قناة السويس. 

التوافق بين إريتريا والقاهرة ضمانة أولى. الاتفاقيات مع الصومال ضمانة ثانية تليها ما تراه القاهرة لإقرار المصالح، دون التدخل فى شئون دول أخرى.. ودون أى رغبة فى ممارسة أى مما هو غير قانونى.. أو غير أخلاقى. 

فى الصحافة الصومالية، رحب الخبراء باتفاق الدفاع مع مصر. فى الصومال رأوا فى الاتفاق ضمانًا لسيادة الصومال على كامل أراضيه، وضمانًا لوحدة التراب ضد استقواء بعض الجيران. 

الأطماع الإثيوبية واضحة نحو الصومال، ونحو إريتريا. 

فى المقابل، فإن الأجواء داخل الصومال مشوبة ببعض قلاقل يغذيها بعض جيران الصومال بتوزيع السلاح على الفرقاء، ومنهم حركة الشباب الصومالية المتحالفة مع تنظيم القاعدة. من القرن الإفريقى، تعزز القاهرة حماية أمنها القومى. ضمان حرية الملاحة وسهولتها فى باب المندب رقم واحد. رقم اثنين القضاء على أية محاولة غير قانونية للنفاذ من موانئ غير شرعية فيما بين الأراضى الصومالية أو الإريترية على البحر الأحمر. 

أمنت القاهرة القرن الإفريقى ولن يستطيع أحد الاقتراب.. لأن مصر هناك.