الأربعاء 2 أكتوبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
مع عبدالناصر والعالم أربع ساعات يوميًا لمدة ستة أشهر

مع عبدالناصر والعالم أربع ساعات يوميًا لمدة ستة أشهر

فوجئ قراء صحيفة الأهرام يوم الجمعة 17 سبتمبر سنة 1971 بعدم وجود مقال الأستاذ «محمد حسنين هيكل» بصراحة وفى نفس المكان من الصفحة الأولى مقال له بعنوان «فصول عن جمال عبدالناصر» يروى فيه ظروف وملابسات مطاردة الناشرين الأجانب له لكتابة قصة جمال عبدالناصر فى كتاب.



واعتذر هيكل أكثر من مرة لكنه استقر على فكرة محددة للكتابة فيها تعفيه من الوقوع فى محاذير كثيرة، وهى أن يكتب عن علاقة عبدالناصر بعمالقة عصره من زعماء العالم مثل ديجول وخروشوف وتيتو وشواين لاى وكيندى وغيرهم.

ويمضى الأستاذ هيكل فى رواية كواليس كتابته لكتاب «عبدالناصر والعالم» الذى صدر عن دار النهار البيروتية، وبدأت الأهرام فى نشر فصوله ابتداء من 17 سبتمبر 1971.

يقول هيكل: مثل هذه الفكرة تعرض لنواح إنسانية ولأفكار ولصراعات واسعة بين أمزجة ومبادئ ومصالح وطنية وقومية ودولية وهى فى نفس الوقت تعفى من إحراجات كثيرة!

وناقشت الفكرة مع بعض الأصدقاء ممن أعرف من صحفيى العالم وبينهم «دنيس هاملتون» الذى تصادف مروره فى القاهرة خلال شهر مارس من هذه السنة ذاهباً إلى مؤتمر فى مانيلا.

 

 

 

وفى ذلك الوقت ومع تسرب الفكرة إلى بعض الأوساط الصحفية فى لندن - وهى عاصمة النشر فى العالم حتى الآن - كانت هناك مجموعتان تحركتا بسرعة للاهتمام بما أنوى كتابته.

مجموعة «الصنداى تيمس» ومجموعة أخرى تضم «الصنداى تلجراف» وعدداً من دور نشر الكتب فى بريطانيا وفرنسا.

وكنت أقرب بروابط الصداقة إلى «الصنداى تيمس» ولكن وجدت نفسى أقرب بالتحدى من مجموعة «الصنداى تلجراف» التى قالت فى تقديمها لما نشرته مما كتبته هذا الأسبوع.

«إننا قلنا له - لى - إذا استطعت أن تقنع قارئ التلجراف التى كانت شديدة فى عدائها لجمال عبدالناصر بأنه كان صاحب قضية.. إذن فأنت تستطيع إقناع أى إنسان فى هذا العالم».

ولقد كان ما أسعدنى أن التلجراف قالت فى آخر إعلان لها قبل النشر وكان فى صفحة كاملة من صفحات الديلى تلجراف ما نصه:

«هذه لمحات من قصة الرجل الذى تجاسر على أن يجعل مصر عظيمة مرة أخرى».

وذلك يكفيني!

••

وبدأ هيكل يشرح منهجه وخطته فى الكتابة فيقول:

وبدأت فى نهاية شهر مارس أكتب فصول الكتاب، وكنت أريده بالدرجة الأولى موجهًا إلى مجتمع الغرب بأكثر مما هو موجه إلى الأمة العربية ذلك لأن الأمة العربية تعرف «لجمال عبدالناصر» دوره، وأما فى الغرب فإن الحملات على جمال عبدالناصر وتضارب المصالح بالطبيعة والضرورة إلى جانب الدعايات المغرضة - كل هذا قد أثار غباراً كثيفًا حجب الحقيقة جزئيا أو كلياً.

 

 

 

 

ولأن العالم الخارجى، كان وجهتى بالدرجة الأولى، فإنى تركت ترتيب النشر فى العالم للصنداى تلجراف.. لكى أضمن أوسع انتشار ممكن ولقد تحقق ذلك بأكثر مما أردت! أقول ذلك لكى أعتذر به عن مسألتين:

المسألة الأولى: إنه ليس من الطبيعى أن يقرأ قارئ الأهرام شيئا أكتبه نقلا عن «الصنداى تلجراف» وغيرها من الصحف التى نشرت بسبع عشرة لغة تقدمة مسبقة من فصول هذا الكتاب.

والمسألة الثانية: إنه ليس من الطبيعى أن يقرأ قارئ الأهرام شيئا أكتبه مترجماً عن الإنجليزية، والحقيقة إننى آثرت أن أكتب الكتاب بالإنجليزية مباشرة ليكون توجيهه - حتى الآن فى الأسلوب - إلى الغرب مباشرة.

ولقد فكرت أن أقوم بترجمة هذه الفصول بنفسى وبأسلوبى إلى اللغة العربية ولكنى عدلت عن ذلك لأن ذلك قد يكون معناه إعادة كتابته من جديد.

ولقد أرجو بعد الاعتذار عن هاتين المسألتين - أن تكون فى الاعتبار أشياء أخرى:

• أن الكتاب فى 12 فصلا والتقدمة المسبقة بالنشر الآن هى ملخصات لأربعة فصول فقط، ومن هنا فإنى ألتمس تأجيل الحكم على ما كتبت حتى يظهر كله.

• ثم إن ما كتبت ينبغى أن ينظر له فى حدود ما قصدت منه، فهو ليس قصة حياة جمال عبدالناصر، كما أنه ليس قصة أية معركة بالتحديد من معاركه كالسويس مثلا أو غيرها، وإنما ما كتبته محدد بلمحات من علاقة جمال عبدالناصر بعدد من عمالقة عصره الذين التقى معهم بالوفاق أو بالخلاف!

وكان عبدالناصر عملاقاً وسط عصر عمالقة، وربما كان رجل الدولة العربى الوحيد فى زماننا المعاصر الذى تخطى الحدود المحلية والإقليمية وخرج إلى العالم الواسع كبيرا فى وسط الكبار.

وينهى الأستاذ «هيكل» تلك المقدمة بقوله:

 

 

 

وأخيرًا فلقد يشفع لى إننى كتبت فى ظروف بالغة الصعوبة والحرج.. كان الجو السياسى فى مصر كله معبأ، وكأنما بعض المتفجرات فيه من حولى، وفوق ذلك فقد كنت أمارس عملى العادى فى الأهرام، وأكتب مقالى الأسبوعى، ولكن برغم ذلك كنت حريصا أن احتجز أربع ساعات كل يوم لمدة ستة شهور متصلة خصصتها لهذه المحاولة فى لمس ناحية واحدة من قصة الحياة الرحبة والحافلة لجمال عبدالناصر».

••

وفى نفس العدد من الأهرام حرص هيكل على نشر المقدمة التى قدمت بها الصنداى تلجراف للفصول بقلم «جوردون بروك شبرد» المساعد الخاص للورد هارتويل.. رئيس مجلس إدارة مجموعة صحف التلجراف مقدمة قال فيها:

إن ما تقدمه الصنداى تلجراف هذا الأسبوع وعلى امتداد الأسابيع القادمة، ليس جانبًا من سيرة الرئيس المصرى الراحل بقلم إنسان غريب عنه، كما أنه ليس واحداً من هذه الكتب التى تطلق عليها عبارة القصة الداخلية التى تنسج وتبنى حول قصاصات الصحف والاعتماد على الأحاديث التى تجرى مع أشخاص يدعون أنهم يعرفونه، إن رواية «هيكل» تعتمد على قصة «ناصر» الأصلية يحكى فيها بعض تجارب السنوات السبع عشرة العاصفة التى قضاها على مسرح السياسة الدولية.

وكواحد من أقرب أصدقائه بالإضافة إلى كونه المؤرخ الطبيعى لسيرته وحياته، كان هيكل يقف دائما إلى جوار ناصر فى مصر وفى الخارج، وفى شتى لحظات حياته الحرجة، كيف ناضل ناصر؟! كيف كان ينفعل بالأحداث وماذا كان رد فعله إزاءها؟ ماذا قال ونطق وبماذا علق؟ كل هذه سجلها «هيكل» فى حينها وها هى اليوم تخرج كما جرت!

ولكن ذلك ليس هو كل ما فى الأمر، فقد استطاع هيكل أن يطلع على أهم الوثائق فى السياسة المصرية وبينها بعض مكاتبات عبدالناصر ورسائله مع عدد من زعماء العالم.

وسوف تنشر بعض النصوص الأصلية من هذه المكاتبات - التى نذكر منها على سبيل المثال تلك التى جرت بينه وبين الزعيم خروشوف والرئيس كيندى والرئيس جونسون وشواين لاى رئيس وزراء الصين، كجزء من هذه المقتطفات الخاصة جداً التى ننفرد بنشرها من كتاب هيكل القادم.

وللحكاية بقية!