الثلاثاء 19 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
المنطقة مأزومة.. والحلول مصرية

إلى أين تتجه كرة النار

المنطقة مأزومة.. والحلول مصرية

حدث ويحدث ما سبق وحذرت منه مصر مرارًا. 



كرة النار تتدحرج فى الإقليم. لا حلول إلا فى وقف الحرب ووقف النار.. لوقف تداعيات وتداعى الأمور.  الحلول مصرية.. والرؤية مصرية.. والأيام يوما بعد يوم تثبت هذا. 

فارق بين المقاومة والمغامرة. وفارق كبير بين إحياء القضية، وبين ما يميت العشرات من البشر الأبرياء والأطفال والنساء ويهدد القضية. 

تقوم المقاومة على حسابات المكسب والخسارة، وتقوم على دراسة نقاط القوة والضعف، بينما تندلع المغامرة من غياب الحسابات، وقلة القدرات وعدم الالتفات لما يمكن أن تسفر عنه الأحداث ليسقط مزيد من الضحايا والأبرياء فى عالم متوحش وفى مواجهة أنصار التوحش. 

المنطقة على المحك.. وكرة النار انتقلت إلى لبنان. 

 لا يعلم أحد ما الذي يمكن أن يضيفه أمراء الحروب إلى أجندتهم غدا، ولا يمكن التكهن بما يمكن أن يضاف على مائدتهم بعد ساعة. 

 

 

 

(1) 

فى لبنان هناك أمور لا تحتمل التأخير. 

وحدة الرؤية اللبنانية، واتحاد التيارات المختلفة أصبح الآن هو الأمر الأكثر إلحاحا قبل أى وقت آخر. 

لم يعد التوافق اللبنانى بين الفرقاء رفاهية، ولا يجوز أن يظل حتى الآن حلما مؤجلا. التوافق اللبنانى مطلوب الآن.. وحالا.. وفى التو واللحظة، فى محاولة أخيرة للإمساك بزمام الأمور وخلق مساحات مشتركة ممكنة ومهمة فى استعادة الدولة لنفسها ولمؤسساتها.. وبالتالى استعادة لبنان لقدراته ومقدراته. 

لماذا التوافق اللبنانى هو الأهم الآن؟ 

أولا: حتى تدير الدولة لا الميليشيا الصراع فى مواجهة شخصيات مأزومة فى إسرائيل تصدر الحرب كما تتنفس، وتصدر الإرهاب تحت مسميات عدة، وبحجج مختلفة، فتقتل بلا هوادة، وتذبح بلا رحمة.. وتنسف الأرض من تحت أقدام الأبرياء عندما تلوح الفرصة. 

ثانيا: لأن القادم لو استمرت الأمور على ما هى عليه فهو خطير. المنطقة كلها على شفير انحراف شديد إلى هاوية، لن يخرج منها أحد على المكسب، لأن الخسائر سوف تطول الجميع. 

التوافق اللبنانى هو الحل الأوحد لمنع اشتعال مزيد من النيران على أراضى البلاد. لا يصح الآن أن تترك الدولة فى يد بعضهم.. التشدق بالقدرة، والتلويح بالسلاح، بينما تسحقهم الخسائر فى اختبارات الزمن، وتسقطهم الاختبارات. 

لا يمكن ترك الدولة اللبنانية رهينة فى أيدى دول أخرى، تقول إنها سوف تقلب الطاولات على أدمغة الدول الكبرى.. ثم لا تفعل شيئا .

وتقول إنها تسعى لحلول القضية، بينما هى من الجانب الآخر، تعمل على تعقيدها، ومزيد من إشعالها، فيما يسقط تحت الأقدام أطفال ونساء وشيوخ، وتتهدم المنازل، وتسقط العمارات.. وتتهدم البنية التحتية، وتفتح القبور كل يوم لمزيد من الأجساد. 

التوافق اللبنانى هو الوحيد القادر الآن على إسكات غدد الدم لدى إسرائيل، وهو الأهم لحماية الشعب، ومنع كرة النار من مزيدٍ من التوغل فى الأرض. 

(2)

على مواقع التواصل، فى مثل هذه الظروف والأحداث غالبًا ما تتنامى المزايدات، ويتعاظم الكلام الفارغ، وتكثر الأسئلة فى غير محلها، مع كثير من محاولات الضرب تحت الحزام. 

بعضهم نسى الأحداث، أو تناسى مجريات الأمور فى أعوام سابقة، ونسى معها كيف تعرضت مصر فى 2011 إلى كتل متكتلة من محاولات الهدم والتثوير وهدم المؤسسات، ساهم فيها وحركها وحرض عليها ونفذها من رسموا أنفسهم فى بلاد أخرى أبطال المقاومة.. وأبطال الصمود. 

لا يجوز أن ننسى، ولا يمكن أن نتناسى من ساهم فى محاولات إسقاط مصر باستغلال أجندته الخاصة ولأغراضه الخاصة، بينما القدس لم تتحرر، وبينما الشعب الفلسطينى لم يحصل على حقوقه، وبينما الملايين من الفلسطينيين لا يجدون الماء ولا الدواء.. ولا أماكن للمبيت، ولا أسقف تقيهم أشعة الشمس الحارقة فى الصيف. 

فى كل العهود، لم يجد الفلسطينيون إلا مصر. 

تحملت مصر، ونادت ووقفت وقادت حملات ومفاوضات، ومعارك، ورسمت خطوطا وأقرت مبادئ لحماية الشعب الفلسطينى وحقه فى الأرض وحقه فى العودة وحقه فى دولته. 

إن جيت للحق.. المزايدات كثيرة، وتكثر تلك المزايدات فى المناسبات. الأحداث الجارية مناسبة لتداول الكلام الفارغ والكلام ابن عم الحديث. 

لكن.. ما علينا. 

المهم أن الشرق الأوسط تغير كثيرًا بعد 2011. كانت الأحداث مهيأة كى تنقلب المنطقة رأسًا على عقب. كان الغرض إحداث تغييرات مفصلية فى خرائط المنطقة. 

كانت مؤامرة؟ 

صحيح.. كانت مؤامرة، اقتضت أركانها أن تتغير دول، وتسقط دول أخرى، وتصعد تيارات لتقود حكومات، وتتعاظم ميليشيات لتواجه جيوشا، وتصبح للقوى المتطرفة قرارات الحروب.. وقرارات السلام.. وقرارات التعاطى مع الثوابت وفق الأهواء. 

نجت مصر من المؤامرة. كانت الدولة الوحيدة التي نجحت فى إقامة صلبها، واتقاء كرة النار التي تتدحرج كثيفة. 

تحملت مصر من 2011 للآن عبء حفظ الدولة، وفى الوقت نفسه عبء العمل على تهدئة نطاقات الالتهاب فى المنطقة. 

عملت مصر على إقرار السلام فى مناطق الحروب، وعملت على إرساء التنمية فى عالم محيط كان شديد الاضطراب.. ولا يزال. 

نظرة على الخريطة تكفى.. ونظرة على المنطقة من أعلى تشير. 

(3)

تنطلق مصر فى محاولات التوصل إلى حلول دائمة لتهدئة الإقليم من منطلق القدرة والرشد. حل القضية الفلسطينية الشامل والعادل، وفق المرجعيات الدولية.. وقرارات الأمم المتحدة أهم الثوابت المصرية.  فى المقابل، فإنه فى تل أبيب حكومة حرب ظهرها للحائط تحاول تصدير أزماتها وإحباطاتها ومعاناتها ومخاوفها للخارج. 

يحاول أمراء الحرب فى تل أبيب نقل أزماتهم وإحباطاتهم ومعاناتهم ومخاوفهم للآخرين. 

فى تل أبيب أطراف مأزومة، تترجم أزماتها فى السعى لتوسيع دائرة الصراع الإقليمى. 

الاغتيالات طريقة، والتجرؤ على الأبرياء بالسلاح طريقة أخرى.  تتصور تلك الشخصيات المأزومة، بأنها قد تغطى بالحرب أزمتها الداخلية أو تتغلب على مُعضلة الرأي العام لديها. 

فى تل أبيب الشارع ثائر.. من أول أهالى الأسرى لدى حماس، إلى أحزاب وقطاعات وطلاب يرون أن نتنياهو يخنق إسرائيل، وينوع جبهات الحرب فى وجود جيش منهك، قضى يوم 7 أكتوبر على مزعومية قدراته، ومزعومية قواته. 

بلا شك ستحرق نيران الشرق الأوسط لو تفاقمت أكثر من أشعلها قبل غيره، وستمتد آثارها إلى خارج حدود الإقليم، لو استمرت على هذا الشكل وبتلك المنطلقات. 

يُخطئ من يعتقد أن هناك حلولاً أخرى لمُعضلة الشرق الأوسط غير العودة إلى مربع الحكمة، وإقرار مبادئ السلام، وإعلاء حق الشعوب في تقرير مصيرها وفقاً لمعايير واحدة عادلة.

ويظل صوت مصر يعلو بالحكمة والرُشد، وسط صراخ وضجيج لا يُسمن ولا يُغني من جوع هنا.. وصمت هناك. 

تبقى مصر هي الرقم الصحيح للمعادلة الإقليمية، وجملة الحل الناجز لهذا الصراع المقيت.

فى تل أبيب حكومة هاربة من المستقبل. وفى تل أبيب رجال يخشون الآتى. لذلك فإن كل ما يحاولون فعله هو تطبيق تصوراتهم فى أن عجلة الزمن ممكن أن تتوقف، فلا تتوالى الساعات.. ولا يأتى وقت الحساب. 

توسيع نطاق الحرب ومزيد من إجراءات إشعال الإقليم محاولة مكشوفة للهروب من التورط فى محاسبة أمراء الدم فى تل أبيب. 

مصر تعمل فى الملف وهى أدرى جيدًا بشعابه. 

ينطلق القرار المصري فى الأساس وقبل أى شىء من عدم السماح لإسرائيل بحل مشاكلها وأزماتها على حساب القضية، ولا على حساب القرار المصري ولا الأراضى المصرية. 

لن تسمح القاهرة على أى وجه من الوجوه ، بتمكين الحائرين فى تل أبيب من إلقاء حمولهم ومعاناتهم، وحل ورطاتهم فى غزة على حساب الدولة المصرية مهما كان الثمن. 

كشفت حرب ما بعد 7 أكتوبر هشاشة الكيان الإسرائيلى، وكشفت حمقه وعدم قدرته على الدفاع عن نفسه.  فى يوم 7 أكتوبر انهدمت نظرية التفوق العبرى، وظهر أن إسرائيل التي كانت تحلم بالتوسع أصبحت تقاتل فى الداخل والخارج، وبدا شعبها مرعوبا، ينزل الشوارع مع صفارات الإنذار، ويجهز فى النهار، ملاجئه لهجوم الليل بصواريخ من الشمال ومن الغرب. 

الثقة الدولية فى قدرة القاهرة على معالجة مخاطر وتعقيدات الموقف الإقليمى المشتعل واضحة. 

الثوابت المصرية، ومسارات الحل وفق رؤية القاهرة لم تتغير. حذرت مصر بوضوح قبل 7 أكتوبر، وما زالت تحذر بعده.. وحتى الآن. 

كل ما حذرت منه مصر يجرى. 

مصر بكافة المقاييس الدولة الأقوى حاليًا فى هذا الإقليم بلا منازع. الجيش المصري هو الأقوى بين جيوش المنطقة بفوارق ضخمة. سياسيًا واستراتيجيًا تتمتع مصر وتدير علاقات جيدة مع كافة الأطراف. سياسات مصر الرشيدة هى التي دائما ما تسمح للقاهرة بلعب دور الوسيط الذي لا غنى عنه. 

ما زالت الرؤية مصرية والحلول مصرية. يظل التأخير فى إقامة الدولة الفلسطينية هو الأساس فى وضع المنطقة وسط أخطار دائمة. 

ووسط هذه الأخطار الدائمة.. يظل السلام حلمًا بعيدا.