وليد طوغان
تنمية البشرية فى مشروع قومى
المبادرة الرئاسية «بداية».. فى وقتها.
تتغير المجتمعات من آن لآخر. أو قل إن المجتمعات فى حاجة إلى ما يغيرها من وقت للثانى. مع تطورات الزمن السريعة فى عصور باتت فيها الساعات «ثواني».. والثوانى تقلصت إلى لحظات.. وفى مساحات من الزمن قلصت فيها التكنولوجيا الوقت.. وقفت المجتمعات الحديثة.. فى مواجهة أبواب «الحداثة» بحلوها ومرها.
صحيح.. للحداثة مرارة أحيانًا.
وفى المجتمعات الحديثة، تنعكس التطورات السريعة أحيانًا على القيم، وعلى المفاهيم الأصيلة للشعوب.
أحيانًا ما يتصدى التقدم، والتقدم التكنولوجى بالذات للأخلاق الأولية.. وللقيم الأصيلة.
تعانى شعوب الحضارات القديمة.. أول ما تعانى من اختلاط المفاهيم أحيانًا، بحكم تدفق هائل من المعلومات نقلاً عن ثقافات أخرى، وعن موضات أخرى، وعن صراعات يقال إنها عصرية، مع أن اختبارات الزمن أشارت فى أحوال كثيرة إلى أن ليس كل ما هو عصرى مفيد.. ولا كل ما هو جديد.. لابد من اتباعه.
لا تؤثر الحداثة فقط على أساليب التفكير، إنما تؤثر أنماط ما بعد التكنولوجيا فى شكل الوظائف، وفرص العمل، وشكل الأنظمة التعليمية.. وما يجب أن يكون متبعًا فى أنظمة الرعاية الصحية.
تؤثر أنماط ما بعد التكنولوجيا فى ثقافات المجتمعات أيضًا.
بعض التأثير لأنماط ما بعد التكنولوجيا سلبى.. وبعضها يخالفه المنطق، وتخالفه أصول حضارات.. نشأت قبل أن تنشأ مجتمعات ابتكار التكنولوجيا بألوف السنين.
حاجة المجتمعات فى العصر الحديث إلى التغيير ملحة.. وسريعة.
فى الأزمنة القديمة، كان التغيير يأتى من الداخل.. يعنى من داخل المجتمعات.. عبر فترات طويلة من الزمن.
انتقلت أوروبا من عصر الذبح والقتل والتشريد.. وتقطيع الأجساد على المذهب الدينى إلى عصور النهضة خلال أكثر من 500 عام.
نظريات التغيير فى علوم الاجتماع.. تقول إن التغيير فى العصور الحديثة تبدؤه الدولة. السبب أن للدول الحديثة مقومات لم تكن موجودة فى مجتمعات ما قبل عصور النهضة.. وما قبل عصور التكنولوجيا.
لذلك فإن مبادرات الدول بإحداث التغيير أسرع.. وأقرب إلى الأهداف. خصوصًا أن الدول الحديثة هى الأكثر تضررًا من توقف المجتمع وتصلبه.. ومقاومته أى محاولات لتغيير سماته بما يتوافق مع سرعة عجلة التطور فى العصر الحديث.
لكل ما سبق.. فإن مبادرة «بداية» الرئاسية مبادرة طموحة، فى وقتها، وعلى مقياس زمنى يظهر فيه بوضوح حاجة المجتمع إليها.. لضمان استمرار الاستقرار فى الطريق للمستقبل.. بمقومات المستقبل.. وبما يحتاجه المستقبل.. وبما يجب أن يكون عليه المواطن فى المستقبل.
تعمل المبادرات الرئاسية على التدخل فى صلب المجتمع، والعمل على الاحتفاظ بما يجب الاحتفاظ به من عوامل انتماء وثقافة وطنية على سبيل المثال، ومحاولة استئصال كل جديد دخيل على الثقافة.. ودخيل على أصول اجتماعية تفرد بها المجتمع المصرى قبل أن يبدأ الزمن.
فى مبادرة بداية، تنعكس شدة الاهتمام بالعنصر البشرى. أحيانًا ما تكون المجتمعات فى حاجة إلى الاهتمام بالحجر. أحيانًا أخرى يكون الاهتمام بالبشر أولى.
بعد 2014 بدأت الدولة العمل على رفع كفاءة الحجر والبشر.
بداية واحدة من مبادرات شاملة لإبراز استثمارات الدولة فى البشر، بمزيد من الضوء على ترفيع تقديم الخدمات للمواطن، بشمولية، وبتكامل وهرمونية تتعاون فيها مختلف الجهات الحكومية فى وقت واحد.
الهدف رفع العبء الاقتصادى والاجتماعى، وتقديم خدمات ومزايا تُشعر المواطن المصرى بأنه يعيش «بداية» جديدة فى مختلف نواحى الحياة.
(2)
فى المجتمعات الحديثة، مبادرات الدولة للتغيير أسرع. هذا متفق عليه.
التغيرات الاجتماعية عادة ما تتصف بالشمول. المجتمعات الحديثة دائمًا ما تكون فى حاجة إلى عوامل تغيير شاملة.
حققت المبادرات الرئاسية المصرية مصطلح الشمول كما يجب أن يكون. مبادرة حياة كريمة مثال.
فى أزمنة سابقة، كانت الخدمات تقدم على مستويات أحادية.
وفى المستويات الأحادية، لا تحقق عوامل الشمول.. وبالتالى لا يكون التغيير كما يجب أن يكون.
انطلقت مبادرة «حياة كريمة» من ركائز غير مسبوقة. استهدفت الكم الأكبر من المصريين. واستهدفت المساحات الأكبر من مساحات الجغرافيا على الخريطة.
تعددت الخدمات، على تكاملها، وتناغمت المنظمات والهيئات والوزارات فى توفير الخدمة التى أحدثت تغييرًا واضحًا فى فترة زمنية قصيرة.
مبادرة بداية.. جاءت على نفس المنوال.
مساحات جغرافية شاملة، وخدمات موجهة متكاملة، ومستهدفات عميقة تخص كل مواطن مصرى.. بصرف النظر عن العمر.. والفئة.. والموقع.. والمكان.
ممكن توصيف «بداية» كإحدى مبادرات التغيير الاجتماعى الوظيفى.
فى علم الاجتماع، يظهر مصطلح «التغير الاجتماعى الوظيفى» باعتبار المجتمع أشبه بجسم الإنسان.
ووفقًا لتلك النظرية، فإن تكامل الخدمات المقدمة وشمولها لكل عضو تحفظ صحة الجسم البشرى.. كله.. وتعمل على صحته كله.. وتعمل على جودة حياته كله.
وفق نظرية التغيير الوظيفى، فإن كل فرد فى المجتمع يشبه عضوًا فى جسم الإنسان.
لا يمكن للأجزاء الفردية فى المجتمع أن تعيش بمفردها. لا يمكن للأفراد فى مجتمع ما أن تعيش وحدها.. أو بلا علاقة ما بالآخرين.
المجتمعات متجانسة، فى العلاقات، لذلك لابد لها أيضًا أن تكون متجانسة فى شكل التواصل وردود الأفعال التى تسفر عنها تلك العلاقات.
المجتمع كاملًا يتأثر بشكل وكفاءة منظومة التعليم. يتأثر أيضًا بشكل وكفاءة منظومة الصحة والطريقة التى تعمل بها.
الطفل المصرى هو رائد المستقبل. ومن خلال دعم الطفل المصرى فى الصحة والتعليم والثقافة والرياضة والذوق والأخلاق، فإنك تتحكم فى كل تلك العوامل فى المستقبل.. وعلى المدى البعيد.
ضمن مستهدفاتها، عملت «بداية» على ضمان حق الطفل فى أن يبدأ بداية جديدة.. من الآن، ضمانًا للمستقبل.
أبرز ما استهدفته المبادرة، كان الشمول والتكامل فى الخدمة، ومستويات تقديمها.
كما لو أن المبادرة رسمت خطوطاً عريضة، استوعبت كل مدخلاتها من فئات اجتماعية .
عودة لنظريات التغيير الاجتماعى مرة أخرى.
لا تسير المجتمعات نحو المستقبل بخدمات صحة وحدها، ولا منظومة تعليم متكاملة فقط. لا تسير المجتمعات نحو المستقبل، بلا معايير للذوق متعارف عليها، أو مفاهيم ثقافية تتوافق مع شعب له حضارة وتاريخ.
لا تتكامل الخدمات المادية إلا بالتوافق مع خدمات أخرى معنوية.
عملت «بداية»، على الخلط فى الخدمة بين الماديات والمعنويات. عملت المبادرة، ضمن محاورها، على كل ما من شأنه ترسيخ الذوق المصرى الأصيل، وتنقيته من أفكار دخيلة، فرضها واقع التكنولوجيا العالية، والعولمة، وتقريب المسافات التى أتاحتها وسائل الاتصالات.. فاختصرت الجغرافيا.. وأرادت أن تختصر أحيانًا التاريخ.
(3)
الرائد فى علم الاجتماع دور كايم، يرى أن ضمان الوصول إلى استقرار اجتماعى، وفق مصطلح تنمية بشرية حقيقى.. يبدأ من جميع أجزاء المجتمع (أو أفراده) التى يجب أن تتشارك وتتناغم مع بعضها البعض، لأن أى تغيير اجتماعى لا تتوحد فيه عوامل التغيير لن يجدى.. وربما ينعكس على المجتمعات سلبًا.
لذلك ارتبطت فكرة التغيير الاجتماعى فى العصر الحديث بمصطلح التنمية البشرية.
وأصبحت الدولة هى الأقوى فى إحداث ذلك التغيير، باعتماد برامج ومشاريع تستهدف التنمية الشاملة.
مبادرة «بداية» مثال.
وفى المبادرة عدد من مكاسب اجتماعية مهولة، أولها مزيد من إجراءات ترسيخ الهوية المصرية.
تعزيز الهوية، يعنى مزيدًا من الوعى.. والوعى الاجتماعى أساس لبناء مجتمع قوى متماسك.
المجتمعات المتماسكة، صلبة، صعب اختراقها، أو تلويثها بأفكار أفعوانية، أو التغرير بها لتدمير نفسها.. أو تعليق رقبتها على مشانق تجار الأوطان.
ضمن المكتسبات ما تستهدفه المبادرة الوصول بالخدمة الصحية إلى الجميع، وإتاحة منظومة تعليم أفضل تُسهم فى توفير وظائف المستقبل.
لا يتوفر العمل اللائق إلا وفق مفاهيم الفرصة والكفاءة. الفرصة فى الوظيفة، والكفاءة فى القدرة على أداء الوظيفة. لا تتأتى الكفاءة على أداء الوظيفة إلا بالتمكين والتدريب.. والتأهيل.
التعادل بين وجود العمل والقدرة على القيام به.. هو ما يمكن تسميته فى الأسواق الحديثة بالعمل اللائق.
تعمل «بداية» على إيجاد تلك المعادلة، وتعزيزها بعد إجراءات الدولة سنوات فى هذا المجال.. وتعزيزًا لهذا التوازن.
فى عهود سابقة، كان سوق العمل فى واد.. والعامل فى واد. لم يكن العامل وحده فى واد مختلف، إنما كانت المهن أيضًا، وريادات الأعمال وحتى أرباب الحرف.. إذ أن التوافق فى معادلة العمل اللائق كان غائبًا.
ضمن مكاسبها، رفعت مبادرة «بداية» شعار التنمية العمرانية المتكاملة والمستدامة. يظل مصطلح الاستدامة.. هو المصطلح الأهم.
الاستدامة تعنى التركيز على عوامل مقاومة الزمن.. فى البشر وفى الحجر أيضًا. والتغييرات الاجتماعية الشاملة فى العصور الحديثة، تؤتى ثمارها بالتركيز على بناء الإنسان وتزويده بالمهارات والمعارف، وتعزيز الهوية، ودعم الانتماء الحضارى والوطنى.
لكل ما سبق، فإن «بداية» مشروع قومى آخر جديد، وممثل حقيقى لاحتياجات المجتمع.
الاستدامة مبدأ من مبادئ حقوق الإنسان. حقوق الإنسان فى مفهومها الحقيقى هى إجراءات لضمان جودة الحياة.
ليست حقوق الإنسان مجرد «كلام فارغ» على فيس بوك. حقوق الإنسان تبدأ من سكن لائق، ومساحة للعلاج، وفرصة فى تعليم جيد، ونصيب فى رعاية صحية شاملة.
حقوق الإنسان فى تلبية احتياجات المجتمع لتطوره ودفعه للأمام. وحقوق الإنسان فى تعزيز قدرة المواطن على تحقيق نفسه.. والمشاركة الفعّالة في بناء مجتمعه.
هذا ما تستهدفه «مبادرة بداية» .. فى تجسيد حقيقى لمفهوم «التنمية البشرية».