الأحد 22 ديسمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
هيكل وفصول عن جمال عبدالناصر!

هيكل وفصول عن جمال عبدالناصر!

صباح يوم الجمعة 17 سبتمبر سنة 1971 فوجئ قراء الأهرام بعدم كتابة الأستاذ «محمد حسنين هيكل» لمقاله الشهير، ولكن بدلا من ذلك بدأ «الأستاذ هيكل» فى الدعاية لكتابه الجديد واختار أن ينشر فصولا منه، وكانت المقدمة التى كتبها مهمة وخطيرة ولم يتضمنها كتابه الذى نشر متضمنا هذه الفصول بعنوان «عبدالناصر والعالم» - دار النهار بيروت - وقام بالترجمة عن الإنجليزية قسم الترجمة بجريدة النهار، وتصميم الغلاف للفنان عبدالسلام الشريف.



اختار هيكل عنوان «فصول عن جمال عبدالناصر» للمقدمة التى كتبها للحلقات مع مقال مترجم للصنداى تلجراف بعنوان «هذه مشاهد من أحداث الخمسينيات والستينيات عند القمة».

وكان الفصل الذى نشره الأهرام هو «عبدالناصر ودالاس: محاولات الولايات المتحدة لاحتواء الثورة المصرية».

••

بدأ هيكل مقدمته على النحو التالى على يسار الصفحة الأولى وباقى المقدمة على الصفحة الرابعة من الأهرام:

كتب هيكل يقول: فى عدد كبير من عواصم العالم وبسبع عشرة لغة مختلفة تنشر لى الآن فصول من كتاب لمست فيه ناحية واحدة من قصة الحياة الرحبة والحافلة لجمال عبدالناصر.

والفصول التى تنشر الآن مقدمة مسبقة للكتاب الذى سيظهر كاملا- فى سبع عشرة لغة أيضا- فى مطلع العام القادم بإذن الله، وكان مبعث اهتمامى بالتقدمة المسبقة بفصوله أن يتوافق نشرها فى شهر سبتمبر الحالى مع موعد الذكرى الأولى للرحيل، وعن تصور بأن هذه المحاولة قد تكون جهداً إضافياً يضم إلى جهود رئيسية أخرى فى تحية الذكرى العطرة لأشرف الرجال وأغلى الرجال فى التاريخ الحديث لأمة العرب.

وحين أمسك اليوم بكبريات الصحف البريطانية والفرنسية والأمريكية والإيطالية والإسبانية والألمانية واليابانية.. إلى آخره وأجد صورة «جمال عبدالناصر» ملء صفحات بأكملها.. وحين تجىء برقيات وكالات الأنباء بأن اسم «جمال عبدالناصر» يطل من كل الملصقات فى الشوارع الرئيسية بلندن- إعلانا عن النشر، وحين أعرف أنهم فى نيويورك قد وضعوا إشارة عن الكتاب وموضوعه فى كل قطار «مترو» تحت الأرض.

إزاء ذلك كله.. أشعر أننى كنت على خطأ كبير إذ ترددت أمام محاولة كتاب عن «عبدالناصر» وقد ترددت فى ذلك طويلا وطويلا جداً.

بعد ذلك راح الأستاذ هيكل يعدد محاولات كتابته عن عبدالناصر.. قائلا:

سنة 1957 وبعد حرب السويس كان أمامى أول اقتراح بوضع كتاب بالإنجليزية عن «جمال عبدالناصر» واعتذرت وقتها لأسباب متعددة وكررت الاعتذار بنفس الأسباب لاقتراحات ظلت تتوالى بإلحاح على مدى سنوات متصلة!

وبعد سبتمبر 1970 فإن الضغط ازداد حتى وجدت أمامى ذات يوم من شهر أكتوبر 1970 عشرات الاقتراحات من أشهر دور النشر فى العالم باستعدادها لنشر كتاب لى عن قصة حياة «جمال عبدالناصر».

وفكرت وقتها كثيراً، ووازنت بين اعتبارات متعددة، ثم كتبت للكل اعتذر بخطابات مسجلة وصلت للجميع فى الأسبوع الأول من شهر ديسمبر 1970 وبنيت اعتذارى على مجموعة أسباب:

1- إننى لا أستطيع أن أكتب عن قصة حياة «جمال عبدالناصر» لأنى ما زلت عاطفياً أعيش فى جوها وذلك لا يسمح لى بالتجرد الموضوعى اللازم لكتابة شىء يمكن أن تكون له قيمة باقية.

 

 

 

2- إن قصة جمال عبدالناصر لا تزال مستمرة باستمرار النضال الذى عاش ومات فى سبيله ولا يمكن لأحد أن يكتب عن قصة لم تتم فصولها.

3- إنه بسبب أوضاع المعركة، فإن هناك فى قصة «جمال عبدالناصر» ما تحول اعتبارات الأمن القومى دون المساس به، وهذا يجرد القصة من أحد أبعادها أو عقدها الكبرى».

••

ويمضى الأستاذ «هيكل» فى مقدمته التى نشرها الأهرام فيقول:

وأذكر أننى كنت فى لندن مع بداية الأسبوع الثانى من شهر ديسمبر 1970 وحاولت بعض دور النشر وبينها دار «ماكميلان» أن تراجعنى فى اعتذارى عن الكتابة ولكنى كنت مقتنعاً بما قررت.

ثم طلب إلى واحد من أقرب الأصدقاء وهو «دنيس هاملتون» رئيس التحرير العام لمجموعة صحف «التيمس»- أن أعاود التفكير ولمساعدتى على معاودة التفكير فإن مجموعة من الأصدقاء فى لندن وضعوا أمامى فى ذلك الوقت عدة اقتراحات بديلة.

إذا كنت لا تريد أن تكتب عن «قصة جمال عبدالناصر» للأسباب التى أبديتها، فلتكتب «قصة الصراع على الشرق الأوسط» أو فلتكتب «قصة أزمة الشرق الأوسط».

وكان ردى لحظتها أن «الصراع على الشرق الأوسط ما زال قائماً، وأن أزمة الشرق الأوسط ما زالت معلقة!

وعدت إلى القاهرة واستغرقتنى شواغلها وكانت فترة عصيبة من أخطر ما مر بمصر من فترات القلق، كان هناك كثيرون قد دخلوا الصراع لكى يرثوا سلطة عبدالناصر «دون اهتمام بتراثه، وكانت هناك وقفات طويلة بالخشوع على ضريحه أمام عدسات التصوير لكى يكون من ذلك سبيل إلى دعاوى أو ادعاءات عريضة وجريئة على تاريخه!

ومن ناحية ثانية فقد جاءنى عدد من كُتاب العالم الذين بدأوا يؤلفون كتبًا عن «جمال عبدالناصر» فى طلب معلومات عن بعض وقائع حياته ووجدتنى أعود إلى أوراقى القديمة، أتحقق واستوثق وإن راودتنى فى بعض المرات تساؤلات عن الطريقة التى سوف يستخدم بها هؤلاء ما أقدمه لهم مما أعرف!

ومن ناحية ثالثة، فلقد رحت أفكر فيما سوف نفعله - أو على الأقل ما يمكن أن أفعله- فى مناسبة الذكرى الأولى للرحيل.

ومن هذه النواحى كلها بدأت فى تفكيرى «خمائر» أن أحاول الكتابة ولكن المعضلة كانت:

كيف يمكن أن أكتب وفى نفس الوقت أتفادى جميع المحاذير؟

ما زلت غير مقتنع بأن الوقت قد حان لكتابة قصة حياة جمال عبدالناصر!

ما زلت غير مقتنع بأن الوقت قد حان لكتابة قصة «عبدالناصر» فى مصر، وقصة مصر فى عبدالناصر!

ما زلت غير مقتنع بأن الوقت قد حان لكتابة قصة عبدالناصر والأمة العربية أو الأمة العربية وعبدالناصر!

ما زلت غير مقتنع بأن الوقت قد حان لكتابة قصة الصراع على الشرق الأوسط أو قصة أزمة الشرق الأوسط.

كل ذلك.. كله دونه محاذير.. وإذن ماذا أكتب!

••

ومضى الأستاذ «هيكل» يروى قصته مع الكتاب فيقول:

وفى شهر مارس من هذه السنة- 1971- لمعت فى الخاطر فكرة تناول للموضوع فى ناحية من نواحيه مع تفادى جميع المحاذير!

كانت الفكرة أن أكتب عن جمال عبدالناصر وعمالقة عصره ممن التقى معهم بالوفاق أو بالخلاف، عبدالناصر وخروشوف مثلا عبدالناصر وإيدن مثلا عبدالناصر وتيتو مثلا أو عبدالناصر وكيندى وجونسون وشواين لاى وهمر شولد وغيرهم... و..

وللحكاية بقية الأسبوع القادم!