السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
روزاليوسف وسيطرة روحية على المجلة!

حكايات صحفية

روزاليوسف وسيطرة روحية على المجلة!

عاش الأستاذ «مصطفى أمين» معارك وحروب روزاليوسف طوال الفترة التى عملها بها تحت اسم «مصطفى محمد» وشاهد عن قرب المؤامرات التى حيكت ضدها لإسكات صوتها إلى الأبد، لكن روزاليوسف السيدة والمجلة قاومت ونجحت واستمرت.



ولم ينس مصطفى أمين أبدًا فترة شبابه التى قضاها فى المجلة وحرص على روايتها مرات كثيرة، ومنها كتابه الممتع «من عشرة لعشرين».

يقول مصطفى أمين: أصبح لمصطفى راتبا فى مجلة روزاليوسف، ابتداء من أول يناير سنة 1933 بعد أن مكث خمس سنوات يعمل فى الصحافة بغير أن يتقاضى مليمًا منها ثلاث سنوات فى مجلة روزاليوسف، وكان راتبه الأول ثمانية جنيهات يقبضه على دفعتين: الدفعة الأولى فى منتصف الشهر والدفعة الثانية فى أول الشهر التالى.

وأول مبلغ قبضه كان أربعة جنيهات، دفع منها جنيهًا عيدية لميمى ابنة السيدة روزاليوسف، وجنيهًا عيدية لإحسان ابن السيدة روزاليوسف وجنيهًا ثالثًا للسيدة روزاليوسف نفسها، وهكذا خرجت النقود من المجلة لتعود إلى المجلة.

••

ويكتب مصطفى أمين عن شخصية السيدة «روزاليوسف» فيقول:

كانت السيدة روزاليوسف فى شبابها من أجمل ممثلات المسرح المصرى، وكانت تمتاز بعينين واسعتين جدا تبين لها شخصية قوية وفيها ذكاء وقّاد ولها قدرة على اجتذاب الأصدقاء، مع أنها كانت لا تستطيع أن تكتب مقالا: إلا أنها كانت قارئة ممتازة ولها ذوق صحفى، وقادرة على أن تميز بين المقال الممتاز والمقال السخيف!

وكانت تشجع مصطفى وتؤيده فى وسط كان السمك الكبير فيه يأكل السمك الصغير، وكانت امرأة شجاعة، إذا أقدمت لا تخاف، وإذا حاربت استمرت فى المعركة حتى ولو سقطت على الأرض، لا تعرف المهادنة وتكره التراجع وتمقت الفرار، وكانت امرأة عصبية لا تتحمل أن يمس أحد جريدتها أو يقف فى طريق انطلاقها، كانت تنفجر فيه كالنمرة.

وكان الوزراء يحسبون حسابًا عنيفًا لثورتها، والصحفيون يحسبون حسابًا لغضبها، وعاشت أيامًا فى فقر مدقع، لا تجد ثمن طعامها، وعاشت أيامًا أخرى تربح ألوف الجنيهات كل شهر، فلم تتغير وهى غنية عما كانت وهى فقيرة، ترفض شراء المجوهرات وتشترى المطابع، وتأبى شراء الفساتين وتشترى الورق!

وكانت تجد لذة عجيبة فى أن تمشى فى الشوارع يوم صدور مجلتها وتسمع الباعة يصيحون: روزاليوسف.. روزاليوسف، كان نداء باعة الجرائد فى أذنها كالموسيقى، فتمشى أمام الباعة ذهابًا وجيئة لتسمع هذا النداء الحبيب إلى قلبها.

وكانت تضحك وتقول إنها عندما أرادت أن تصدر مجلة تسميها «روزاليوسف» اعترض أصدقاؤها عباس محمود العقاد وإبراهيم عبدالقادر المازنى ومحمد التابعى على تسمية المجلة باسم «روزاليوسف» وقالوا لها إن هذا اسم لن يقبله القراء!!

وعندما دخل «محمد التابعى» السجن بدأت السيدة روزاليوسف تدير لأول مرة مجلة روزاليوسف، فقد كان الأستاذ التابعى إلى ما قبل سجنه هو الذى يتولى وحده إدارة المجلة، وكانت السيدة «روزاليوسف» تجلس فى مكتبها كمتفرجة تبدى رأيها أحيانًا، ولكن الرأى الأخير للتابعى، وكان التابعى هو الذى يفتح بريد المجلة، وهو الذى يشرف على حساباتها، وهو الذى يقرر ما ينشر وما لا ينشر، ولم يكن للمحررين أى صلة بالسيدة روزاليوسف على الرغم من أنها كانت لها غرفة خاصة بإدارة المجلة، ومع ذلك كنت تشعر أن للسيدة «روزاليوسف» سيطرة روحية على المجلة.

كانت تختفى من الجريدة فى الأيام العادية وتظهر فى أيامها العصيبة، وعقب سجن «التابعى» بدأت روزاليوسف السيدة تزاول لأول مرة شئون رياسة التحرير. وكان الفرق كبيرًا بين «التابعى» رئيس التحرير، و«روزاليوسف» رئيسة التحرير.

روزاليوسف تحب الحرب، والتابعى يحب المناورة، روزاليوسف تعلن الحرب ثم تحارب، والتابعى يحارب ثم يعلن الحرب!، روزاليوسف تقاتل لتقتل، والتابعى يقاتل ليناوش! روزاليوسف إذا خاصمت مضت إلى نهاية الطريق، والتابعى إذا خاصم يعود من منتصف الطريق!

روزاليوسف تندفع قبل أن تفكر، والتابعى يفكر طويلا قبل أن يندفع وإذا اندفع تراجع، روزاليوسف إذا اندفعت صمدت وفضلت أن تسقط شهيدة على أن تتراجع خطوة واحدة.

••

وكان التابعى يقول إنه قوى جدًا مع الرجال وضعيف جدًا مع النساء، وكانت السيدة روزاليوسف قوية مع الرجال والنساء معًا، وكان التابعى يذهب يوميًا إلى النادى السعدى ويمكث مع «محمود فهمى النقراشى» ساعتين، ويسأله مصطفى عن الأخبار التى حصل عليها فى هذا اللقاء مع أحد زعماء الوفد البارزين، ويجيب «التابعى» إنه لم يحصل على أى خبر ولم يتكلما فى السياسة!! ويسأله: وماذا كنتما تفعلان؟ ويجيب التابعى: كنا نلعب الطاولة!

وكان رجال السياسة فى بعض الأحيان يجرون وراء التابعى ليخبروه بأخبار مهمة فكان يهرب منهم. وكان «على ماهر» باشا وهو وزير المالية فى وزارة «محمد محمود» يقابل «التابعى» ويعطيه أخبارا ضد «محمد محمود» ينسى التابعى أغلبها، وعندما أصبح «على ماهر» وزيرًا للعدل فى وزارة «إسماعيل صدقى» حاول أن يعطى «التابعى» أخبارًا ضد «إسماعيل صدقى» ورأى التابعى أن هذه مهمة أقل من أن يقوم بها رئيس تحرير مجلة «روزاليوسف»، فكلف الصحفى الشاب مصطفى بأن يتردد هو على وزير العدل «على ماهر باشا» ويأخذ منه أخبارًا ضد رئيس الوزراء!

ويروى مصطفى أمين قصة مثيرة بطلها توأمه «على أمين» الذى كان يدرس فى لندن فى تلك الأيام فيقول:

أرسل على أمين من «شيفلد» تبويبًا لجريدة أسبوعية إلى مصطفى على غرار صحف الأحد فى إنجلترا واختار اسم الزعيم اسمًا للجريدة الجديدة وكتب على صفحتها الأولى «صاحبا الامتياز محمد التابعى ومصطفى أمين» ومسح «مصطفى اسمه وكتب على مشروع الجريدة «صاحبى الامتياز روزاليوسف ومحمد التابعى».. واعترضت السيدة «روزاليوسف» أن يكون «التابعى» أحد صاحبى الامتياز، وأصرت أن تكون صاحبة الامتياز وحدها!

وقالت إن رئيس التحرير سيكون «مصطفى يوسف» ومدير الإدارة «على يوسف» وتسمى دار يوسف للطبع والنشر، وعجب مصطفى لأن السيدة روزاليوسف حذفت اسم «التابعى» فقالت: يبقى رئيسًا لتحرير المجلة الأسبوعية فقط!!

أصبحت حياته كلها فى مجلة روزاليوسف شارع الأمير «قدار» المتفرع من شارع كوبرى قصر النيل، وعينه الأستاذ محمد التابعى نائبًا لرئيس التحرير وفوجئ مصطفى بهذا التعيين، وبدأت روزاليوسف تكلف مصطفى بموضوعات صحفية مهمة، كان يعيش وسط أحداث يومية وكان يجد نفسه دائما داخل الدوامة».

وللحكاية بقية