السبت 23 نوفمبر 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
وليد طوغان
حوارات بين الصحافة والسياسة.. ولكن!

حوارات بين الصحافة والسياسة.. ولكن!

أفرح بصدور كل كتاب جديد يضيف لى جديدا سواء على مستوى المعلومات وكشف المسكوت عنه أو حتى متعة عقلية ودهشة لا تنتهى!



لهذا كانت سعادتى بصدور كتاب الزميلة والأستاذة الكاتبة اللامعة «زينب عبدالرازق» كتابها «مسارات متقاطعة: حوارات بين الصحافة والسياسة » «312 صفحة» مع مقدمة مهمة ورائعة لسيدة الكتابة النبيلة  الأستاذة «سناء البيسى».

والكتاب يضم 11 حوارا مهما وكلها جديرة بالقراءة المتأنية فقد استطاعت زينب أن تسأل بذكاء ومعرفة مسبقة من حاورتهم وأجابوا هم ببساطة وصراحة أيضا.

فى كتاب زينب عبدالرازق ما يستحق التوقف أمامه وهى الكاتبة المحترفة والبارعة والصادقة، فقد تابعت هذه الحوارات فى مجلة نصف الدنيا وهى بالمناسبة أحد مؤسسيها بقيادة الرائعة النادرة «سناء البيسى»، كما تابعتها فى المطبوعة الصحفية النادرة «ديوان الأهرام» التى رأست تحريرها، وكان كل عدد من أعدادها بمثابة كتاب كامل ومهم فى تحريره وموضوعاته.

••

ما كتبته الأستاذة سناء البيسى عن كتاب «زينب» يقع فى خمسة صفحات من الكتاب وهى تقول: زينب من يومها ولديها الموهبة المتأججة المتميزة فى بلاط صاحبة الجلالة ويتمثل عطاؤها المرموق بالذات فى عالم الحوار والأخذ والرد، زينب بتوليفتها الخاصة الشاملة الاطلاع والدماثة وحسن الاستماع والصبر على المراوغة ودراسة الشخصية والتوقيت المثالى لتسديد السؤال المنبثق عنه السؤال الذى لم يسأل من قبل لتلقى إجابات لم تعرف من قبل يمنحها لها محدثها عن طيب خاطر واثقاً من الإطار اللائق الآمن الذى ستحيط به زينب كل ما جاء على لسانه من آراء واعترافات».!

وما أكثر الكواليس والدهاليز والأسرار التى نجحت فى الحصول عليها ممن حاورتهم، وسوف أتوقف هنا أمام أهم هذه الحكايات فقد كانت إضافة حقيقية للتاريخ!

فى حوارها مع الأستاذ خالد محيى الدين أحد نجوم ثورة 23 يوليو 1952، ومؤسس حزب التجمع فيما بعد ومؤسس جريدة المساء قال:

- عندما حوصر الملك فاروق فى حادث 4 فبراير 1942 بكيت أنا وزملائى الضباط، لأن ما حدث كان إهانة مريرة لمصر وللملك وللجيش وأنا أعتبر هذا الحادث نقطة تحول فى حياتى!

عبدالناصر ليس يسارياً هو قائد وطنى، ومسئول عن اتجاهات مختلفة، علاقتى بعبدالناصر علاقة متينة قبل وبعد الثورة، صحيح اختلفنا لكن ظلت العلاقة الشخصية متينة حتى وفاته.

كمال الدين حسين كان يكتب محاضر مجلس قيادة الثورة وكان سكرتير المجلس، وأنا أعلم أنه سلم هذه المحاضر إلى الرئيس عبدالناصر ولا أحد يعلم مصير هذه المحاضر بعد أن كانت فى حوزة «عبدالناصر» وقال البعض - واعفينى من ذكر الأسماء - أن هذه المحاضر دخلت «مفرمة الورق» وأعتقد لو كانت موجودة وقرأها الباحثون كنا سنعرف كيف كان يدور الحوار داخل مجلس  قيادة الثورة وأشياء أخرى نجهلها!

وعندما سألته الأستاذة «زينب عبدالرازق» عن احتكار «هيكل» للأخبار وأنه الوحيد الذى حاز ثقة عبدالناصر؟! قال خالد محيى الدين:

كان هناك صحفيون يسألون عبدالناصر: يا ريس عندك خبر مهم لنشره؟

و«هيكل» لم يكن يسأل ولذلك ارتاح عبدالناصر فى علاقته مع «هيكل»، وهيكل صحفى مثقف وأفاد عبدالناصر وكان يقدم له الآراء التى تأتى الأيام لتؤكد صحتها. كأنه يقرأ الغيب ولذلك أحبه عبدالناصر ومنحه ثقته!

ويحكى الأستاذ خالد عن تجربته فى جريدة المساء كرئيس للتحرير فيقول:

- أنا شخصيا لم يتدخل عبدالناصر فى عملى إلا إذا اصطدم بالسياسة العامة، وعن جريدة «المساء» كانت له ملاحظات على بعض «الكُتاب» وأنهم يكتبون فى موضوعات شديدة الحساسية بالنسبة للوطن العربى!

وعلى سبيل المثال عندما قامت ثورة فى العراق كان لعبدالناصر ملحوظات على المقالات التى تناولت هذه الثورة، ورأى أن فيها مبالغة، وأن هؤلاء الصحفيين يتعمدون إثارة موضوع «الصراع الطبقى» وكان كثيراً ما يتدخل ويقول:

فلان ده من المفروض ألا يكتب فى الجريدة بعد ذلك، وطلب منى ألا يكتب «د.عبدالعظيم أنيس» بعد أن قرأ له مقالة عن ثورة العراق اعتبرها «عبدالناصر» تتضمن تأييدا لخط يتعارض مع خطه السياسى، وبعد ذلك كتب د.أنيس باسم مستعار وعبدالناصر اكتشف الأمر وطلب منى ألا يكتب د.أنيس لا باسمه الحقيقى ولا باسم مستعار!!

وعبدالناصر كان يتصل يومياً برؤساء تحرير الصحف ويسأل عن المانشيت الرئيسى!!

••

من الحوارات المهمة ذات الدلالة المهنية حوار الأستاذة «زينب» مع الكاتب الصحفى الكبير الأستاذ «سلامة أحمد سلامة» أحد نجوم صحيفة الأهرام وصاحب الباب الشهير «من قريب» ومدير تحرير الأهرام.

كان «سلامة أحمد سلامة» بعد أن تخرج فى  الجامعة بامتياز - وحصل على دبلوم فى التربية والتعليم وتم تعيينه فى مدرسة للمعلمين، وكان يحضر لنيل رسالة الماجستير ويقول: كان وقتى مشغولا  تماماً بين التدريس والعمل والدراسة، ومساء فى جريدة أخبار اليوم وكانت فى ذلك الوقت فى عز مجدها، وكان كامل الشناوى رئيس التحرير، ولم يمض وقت طويل حتى أصدر الأستاذ «مصطفى أمين» قراراً بتعيينى محرراً فى أخبار اليوم، وكان أول راتب أحصل عليه فى هذا الوقت هو 18 - ثمانية عشر - جنيها  ووجدت أن هذا الراتب أفضل من راتب المدرس 12 جنيها!!

فى هذه الفترة عام 1955 بدأ نوع من تنظيم الصحافة وكان يتمثل فى أن يكون الصحفى حاصلا على شهادة عليا وأن يتفرغ للعمل الصحفى، ولا يصح الجمع بين عملين، ووجدت أن هذه فرصة جيدة لاستكمال دراستى الأكاديمية وبعد ذلك اختار العمل الصحفى أو سلك الجامعة، وبالفعل حدث هنا التغيير، فقد جاءت لى منحة دراسية لمساعدتى فى تحضير رسالة الماجستير فى ألمانيا، منحة لمدة سنتين - لدراسة اللغة وجمع المادة العلمية، وهنا وقعت فى حيرة لأن هذه المنحة ستخرجنى من سلك العمل الصحفى أو تضعنى فى طريق لا أعرف كيف يكون مصيره، لأننى غير معين بالجامعة.

فذهبت لمصطفى أمين وشرحت له الموقف، وكان عنده حل عظيم وهو أن أسافر للمنحة فى ألمانيا وأن أكون مراسلاً للأخبار فى ألمانيا، وفى هذا الوقت لم تكن الصحف المصرية لديها مراسلون ومكاتب فى الخارج باستثناء «زغلول السيد» فى لندن وآخر فى أمريكا!

وكان هذا الموقف رائعا لى وأثبت لى إلى مدى يشجع «مصطفى وعلى أمين» الشباب ويفتحان لهم آفاقاَ جديدة فى الصحافة!

مصطفى أمين مدرسة فى العمل الصحفى والمطبخ الصحفى وتعلمت منه أشياء كثيرة عن «قيم الصحافة الحقيقية وكيفية الحصول على على الخبر وكتابته وكيف تحرص عليه، وهذه هى الميزة التى كانت تميز مدرسة مصطفى أمين، أن الخبر يصل إلى الناس وأن يكتب بطريقة بسيطة وسهلة وبجمل قصيرة بحيث تصل للمثقف ونصف المثقف ونصف الأمى، وهذه مدرسة عظيمة لأنها جاءت فى وقت عصيب، حيث وضعت السدود والجسور بين الصحافة وبين الأغلبية العظمى من الشعب.

أكثر ما تعلمت من مصطفى أمين هو حرية الرأى وأن الإنسان يعبر عن رأيه ونفسه وأن يدافع عن وجهة نظره. وأنا فى كتاباتى التزم بقواعد وأصول الكتابة ولا أوجه لأى إنسان شتائم أو تجريحاً وأراعى القيم العامة التى تحكم هذا المجتمع سواء موافقًا على هذا الإطار أم لا».

كتاب زينب عبدالرازق درس فى فن الحوار الصحفى إنها «اللحوحة» كما وصفها الأستاذ «هيكل» أو «الموهبة المتأججة» كما وصفتها «سناء البيسى»، ويا عزيزتى «زينب» أهنئك على كتابك وعلى كل ما ورد فيه من حكايات وأسرار.