رشاد كامل
زوجة المندوب السامى البريطانى فى حفل زفاف مصرى!
لا تنتهى ذكريات وحكايات الأستاذ «مصطفى أمين» عن تلك الأيام التى أمضاها فى روزاليوسف وامتدت لعدة سنوات.
كان مصطفى يشرف على باب صحفى مهم فى روزاليوسف هو «لا يا شيخ» وكما تقول السيدة روزاليوسف فإن الأستاذ «محمد التابعى» عارض هذا فى أول الأمر، لكنها استطاعت أن تقنعه بالموافقة».
باب آخر كان يشرف عليه مصطفى أمين وهو «أخبار راقية وغير راقية عن الطبقة الراقية» وهى أخبار المجتمع وتكتب بأسلوب ساخر!
وكتب مصطفى فى 7 مارس سنة 1932 خبراً يقول فيه:
أقام صاحب السعادة «سراج الدين شاهين» فى الأسبوع الماضى حفلة زفاف نجله الأستاذ «فؤاد سراج الدين» عضو النيابة العمومية إلى الآنسة «زكية» كريمة البدراوى عاشور باشا، وكانت حفلة الزفاف حفلة حافلة، ولكن روعى فيها مزاج معالى وزير التقاليد ومنع اختلاط الجنسين فخصص يوم الأربعاء للسيدات، ويوم الخميس للرجال!
وأطربت المدعوات والمدعوين المطربة المشهورة الآنسة «أم كلثوم» وقد شرفت حفلة السيدات جناب اللادى «لورين» قرينة المندوب السامى البريطانى ومعها من سيدات دار المندوب السامى «مسز ستيفنز» و«مسز جرافتى سميث» لا لأن هناك صداقة قديمة بين أسرة «لورين» وأسرة سراج الدين، وإنما لأن جناب اللادى «لورين» كانت أظهرت رغبتها فى رؤية حفلة زفاف مصرية صميمة، ومن ثم أتيحت لها هذه الفرصة لتشهد قران «البدراوى - سراج الدين»!
••
وتمضى تفاصيل حفل القران كما وصفه مصطفى أمين كالتالي:
ولكن تصادف أن الحفلة كانت فى ليلة من ليالى البرد والتكتكة الذى طاف بالعاصمة فى الأيام الأخيرة، ومن ثم انتشرت على «أكتفة» السيدات المدعوات الشيلان الكشمير والقطيفة من أحمر وأصفر وأخضر مسخسخ المدعوات الشيلان الكشمير والقطيفة من أحمر وأصفر وأخضر مسخسخ وضاعت معالم الديكولتيه وهو أمر لا يأسف له كثيراً كل من يعرف سيداتنا المصريات، وحرصهن على بطولة الوزن الثقيل!
وأكبر الظن أن عين «اللادى لورين» لم تقع إلا على كل قوام من النوع المليان وصلى على النبى يزينه عشرة أو عشرون كيلوجراماً من «المصاغ» من «كردان وخلخال ودمالج»، ولقد انصرفت «اللادى لورين» بعد أن سمعت «وصلة» من أم كلثوم وهنأت العروس وتمنت لها السعادة وأبدت إعجابها بالحفلة، ولعلها انصرفت وهى تعجب كيف يشكو المصريون من الأزمة المالية، وقد رأت بعينها فى حفلة واحدة من المصاغ والمجوهرات ما يكفى للصرف على انتخابات جديدة غاية فى النزاهة والحياد!
وكان من بين المدعوين فى حفلة الرجال صاحب الدولة «إسماعيل صدقى باشا» ولكنه لم يجلس مع المدعوين بل جلس فى غرفة خاصة مع الوزراء، ثم انصرف بعد أن سمع وصلة واحدة من الآنسة «أم كلثوم»، وحضرت حفلة السيدات صاحبة العصمة السيدة قرينة رئيس الوزراء، وكانت ترتدى فستاناً أسود سواريه، وكان معها خطيبة ابنها الآنسة «خديجة العلايلى» فى فستان قطيفة لونه وردى فاتح جداً وله «كلوش» أخضر فاتح وسعر المتر إذا صدقت الرواية 120 قرشاً - مائة وعشرون - من محلات سمعان.
وحدث أثناء الزفاف أن وقع على فستان الآنسة «خديجة» بعض الشمع الذائب فامتضعت وقالت: قطيعة تقطع ده فرح!
واشتركت فرقة بديعة مصابنى فى إحياء الحفلة، ولكن «بديعة» رغم الإلحاح الشديد رفضت أن تغنى مونولوج: (جوزى اتجوز عليا وأنا لسه الحنة فى إيديا) لأنها رأت أنه مونولوج لا يناسب المقام!
وقد لاحظت الكثيرات من سيداتنا المحافظات أن فتيات اليوم كن يشربن السجائر وغير السجائر على عينك يا تاجر! وفى صحة العروسين، أما سواقو سيارات المدعوين فقد امتدت «أبوازهم» لأن أصحاب الفرح نسوا فيما يظهر أن يخرجوا لهم طعام العشاء».
••
ظهر عدد «روزاليوسف» فى الصباح، وفى الظهر طلب «النحاس باشا» مجلة روزاليوسف وسأل المحرر الموجود من الذى يكتب باب الطبقة الراقية، ولم يستطع المحرر أن ينكر فقال إنه «مصطفى»!
وفى المساء طلبه النحاس تلفونياً وسأله: هل تعرف أن «سراج الدين باشا شاهين» هو عضو فى برلمان «إسماعيل صدقى» المزيف؟!
قال مصطفي: نعم!
قال النحاس: كيف تخرج مجلة وفدية على قرار الوفد؟ قال مصطفى هذا خبر اجتماعى!
قال النحاس: هذه دعاية لوكيل حزب الشعب (حزب صدقى باشا) هذا إعلان عنه! هذا كلام فارغ! هذا هدم! قال مصطفي: هذا فرح الموسم!
قال النحاس ثائراً: ثلاثة أعمدة فى جريدة وفدية تشيد بسراج الدين وكيل حزب «إسماعيل صدقى»، كان يجب بدلا من ذلك أن تكتبوا ثلاثة أعمدة تهاجمون فيها الفرح وتقولون ما هذا البذخ والأفراح والليالى الملاح والفلاح المصرى المطحون يموت بالجوع، والأزمة المالية تدق باب كل بيت وتحول الأغنياء إلى فقراء!! قال مصطفى: أن هذا خبر عادى من فرح!
قال النحاس: لا نريد أفراحهم ولا مآتمهم، كيف نشارك فى أفراحهم ونحن الآن فى مأتم الأمة!
واستمر النحاس نصف ساعة يوبخ ويعنف مصطفى لأنه نشر خبرًا عن زفاف سراج الدين!
وتشاء سخرية القدر - كما يقول الأستاذ «مصطفى أمين» فى كتابه الممتع والمهم «من عشرة لعشرين»: وتشاء سخرية القدر أنه بعد هذا الفرح بأربع سنوات فقط - أى فى سنة 1936 يرشح النحاس فؤاد سراج الدين نفسه وفديًا، وبعد عشر سنوات أى فى سنة 1942 يعينه وزيراً للزراعة ثم وزيراً للشئون الاجتماعية ثم وزيراً للداخلية والمالية ثم سكرتيراً عاماً للوفد المصرى!».
وحكاية طريفة أخرى يرويها مصطفى أمين قائلا:
وقعت مجلة روزاليوسف فى أزمة غريبة لم تخطر لها على بال، فقد حدث فى شهر يوليو سنة 1932 أن أقيمت فى كازينو سان استفانو برمل الإسكندرية مسابقة لاختيار أجمل فتاة لتكون ملكة الجمال وأجمل شاب ليكون ملك الجمال!
ونشرت مجلة «روزاليوسف» أن الأستاذ «إبراهيم رشيد» سكرتير دولة «صدقى باشا» انتخب ملكاً للجمال، وما كان يصدر العدد حتى اتصل النحاس باشا تليفونياً من الإسكندرية بالسيدة روزاليوسف فى القاهرة غاضبًا ثائرًا وكان التابعى مسافرًا فى أوروبا فى ذلك الوقت.
وقال النحاس باشا أن روزاليوسف خرجت على مبادئ الوفد لأنها نشرت أن سكرتير الخائن «إسماعيل صدقى» هو ملك الجمال!
هل خلت مصر من الجمال حتى لو لم تجدوا إلا سكرتير رئيس الوزارة الذى ألغى الدستور واعتدى على الحريات لتجعلوه ملك جمال؟
وقالت السيدة روزاليوسف إنها ليست هى التى اختارت «إبراهيم رشيد» وأن لجنة الانتخاب هى التى اختارته، وأن كل ما فعلته المجلة أنها نشرت الخبر كما حدث!
وصاح النحاس باشا: ما كان يجب نشر مثل هذا الخبر!
وأنهى المحادثة غاضبًا!
وكانت الصحافة الوفدية كلها تضيق بسوء معاملة الحزب لها، قيادة الحزب تطلب منها أن تضرب الحكومة بشدة، فإذا سقطت الجريدة صرعى فى المعركة تركتها قيادة الحزب ملقاة على الأرض ولم تشترك فى حمل جثتها أو تشييع جنازتها، والصحف التى أفلست لم يتقدم أحد لمساعدتها، الصحف التى صودرت لم يفكر أحد فى تعويضها!.
ولا تنتهى الذكريات والحكايات!