رشاد كامل
مصطفى أمين يومًا بيوم فى روزاليوسف!
كانت خبطة روزاليوسف الصحفية حديث المدينة فى كل بيت، واندهش الناس من تفكير الحكومة بمشروع مد امتياز قناة السويس خمسين عاماً تنتهى فى 18 نوفمبر سنة 2028 بدلا من سنة 1968.
كان مصطفى أمين هو صاحب هذه الخبطة، ولم يكن أحد يعرف أنه هو من حصل على نص المشروع بالفرنسية وترجمه التابعى للعربية!
فشل مصطفى النحاس وغيره من قيادات حزب الوفد فى معرفة كيف حصلت روزاليوسف على هذه الخبطة ومن الذى حصل عليها!
وذهب «النحاس» باشا إلى السيدة روزاليوسف وسألها: كيف حصلت المجلة على هذا المشروع الخطير!
وحسب رواية الكاتب الصحفى «محمد السيد شوشة» فى كتابه «أسرار على أمين ومصطفى أمين»، فإن السيدة روزاليوسف قالت له إن مصطفى أمين هو الذى حصل لها على هذا النصر الصحفى!
وسر «النحاس» واستدعى مصطفى لمقابلته وهنأه على هذا النصر، وحدثه «مصطفى أمين» فى أمر الحركة التى يقوم بها «مكرم عبيد»- سكرتير الوفد- ضد التابعى وروزاليوسف، فكان أن طلب النحاس من مكرم أن يعمل على إزالة الخلاف بين روزاليوسف والصريح (وهى المجلة التى كان وراءها مكرم لمناوأة روزاليوسف!).
••
وفى كتاب الأستاذ «مصطفى أمين» من عشرة لعشرين، تفاصيل وأسرار وحكايات عاشها بنفسه فى روزاليوسف ويرويها:
«كانت الحياة فى مجلة روزاليوسف مليئة بالأحداث، فى كل يوم أزمة، وفى كل ساعة تحقيق فى النيابة، وكانت حياة الصحفى حياة شاقة، اضطهاد وسجن وتشرد، صحف تغلق وتصادر.
ولم تكن فى مجلة روزاليوسف خزانة تصرف المرتبات، بل كانت خزينة الجريدة هى محفظة التابعى أو حقيبة يد السيدة روزاليوسف ولم يكن المحررون يتقاضون مرتباتهم أول الشهر، بل كانوا يتقاضون المرتب على أقساط، بعض الأقساط يرتفع إلى جنيه وبعضها يهبط إلى نصف ريال!!
وكانت مالية الصحف مضطربة لأن «صدقى باشا» رئيس الوزراء كان ينتظر حتى تتم الجريدة المعارضة طبع نسخ العدد ثم يصادرها، فتخسر الجريدة ثمن الورق وأجرة الطبع، ويرفض أصحاب الإعلانات أن يسددوا ثمن إعلانات لم يرها الناس، وكان من الطبيعى أن تجد صحفيا لم يستطع أن يسدد إيجار بيته لعدة شهور، وكان أصحاب البيوت إذا عرفوا أن الذى يريد أن يستأجر الشقة من رجال الصحافة رفضوا أن يؤجروا له الشقة لأنهم يعلمون أن أغلب الصحفيين لا يتقاضون رواتبهم آخر الشهر!
وكان بعض الصحفيين يدينون الصحف بأربعة وخمسة شهور، ففى شهر يوليو يتقاضون مرتب فبراير، وفى شهر ديسمبر يتسلمون مرتب شهر أغسطس!!
وكانت مجلة روزاليوسف تصادف فى شهور أزمات طاحنة، وكانت السيدة روزاليوسف تحرص أن تدفع لكل محرر حقه وكثيراً ما كانت تحرم نفسها من الضروريات لتسدد الالتزامات المطلوبة منها، وفى شهور أخرى تعيش مجلة روزاليوسف فى رغد ورخاء ويتصادف ألا يصادر منها عدد ويتضاعف الإيراد وتنظيم مرتبات المحررين، وكان التابعى مسرفاً متلافاً، وكانت السيدة روزاليوسف مقتصدة مدبرة، استطاعت فى هذه الظروف الدقيقة أن تجمع مالاً يكفى لشراء مطبعة صغيرة بالتقسيط.
وكانت تجد لذة عجيبة أن تمشى فى الشوارع يوم صدور مجلتها وتسمع الباعة يصيحون: روزاليوسف.. روزاليوسف!
كان نداء باعة الجرائد فى أذنها كالموسيقى، فتمشى أمام الباعة ذهاباً وجيئة لتسمع هذا النداء الحبيب إلى قلبها.
وكانت تقول لمصطفى: إن سر تسميتها مجلتها روزاليوسف أن «يوسف وهبى» صاحب فرقة رمسيس كان يقول: إذا خرجت الممثلة الأولى روزاليوسف من مسرح رمسيس فسوف ينسى الناس اسمها بعد شهر واحد، وبقى اسم روزاليوسف يدوى سنوات طويلة!
••
وعاش مصطفى أمين- كما يقول فى مذكراته- جو الصحافة الوفدية ورأى كيف يحاول زعماء الوفد تعيين أنصارهم صحفيين، وحدث أن تكلم «فخرى عبدالنور بك» مع «التابعى» تليفونياً وطلبا إليه أن يعين أحد «الهتافة» - الهتيفة - واسمه «أحمد أبوصلاح» محرراً فى روزاليوسف، فقال التابعى إنه سيفكر فى الموضوع.
وإذا بأبوصلاح يطبع بطاقة باسم «أحمد أبوصلاح المحرر فى روزاليوسف وقبل أن يقرر التابعى تعيينه، وهاج «التابعى» واتصل به زعماء الوفد وطلبوا منه أن يجرب «أبوصلاح»، وجاء أبوصلاح وقال إنه سيفتح باباً للألعاب الرياضية، فطلب منه التابعى أن يكتب باباً على سبيل التجربة!
وفى اليوم التالى جاء «أبوصلاح» ومعه مقال عن الألعاب الرياضية يبدأ بمقدمة عمودين ونصف عمود جاء فيها: «بسم الله الرحمن الرحيم والحمدلله رب العالمين، إننا بهمة السيدة الجليلة «روزاليوسف» صاحبة الأيادى البيضاء على الصحافة، ثم خمسة أسطر على مكانة السيدة روزاليوسف فى عالم الصحافة ومكانتها فى المسرح، ثم بهمة الأستاذ الكبير «محمد التابعى» الكاتب الفحل والصحفى العبقرى، ثم عشرة أسطر مدح وثناء فى التابعى العظيم، ثم بهمة «فخرى بك عبدالنور» الوفدى الشهير وعضو الوفد ونائب مديرية جرجا وصاحب الأيادى البيضاء على أهل الصعيد، ثم بهمة «عبدالقادر مختار بك» الوفدى الكبير وعشرة أسطر من تنقلات «مختار بك» من منصب مدير القسم المالى إلى مدير الشرقية إلى مدير بنى سويف إلى مدير البحيرة، ثم برعاية الرئيس الجليل «مصطفى النحاس باشا» رئيس الوفد وزعيم الأمة، وثلاثين سطراً فى الإشادة بالنحاس باشا ثم بعناية المجاهد الكبير الأستاذ «مكرم عبيد» سكرتير الوفد والخطيب المفوه والمحامى الرائع وبطل سيشل وعشرين سطراً فى مدح «مكرم عبيد».
بهمة كل هؤلاء فتحنا باباً للألعاب الرياضية ثم ثلاثة أسطر عن الشمس والهواء وضرورتهما للرياضة ثم يتبع والإمضاء «أحمد أبوصلاح» محرر القسم الرياضى بجريدة روزاليوسف الغراء والموظف المستقيل من مصلحة المبانى سابقاً(!!)
لم ينتظر الكاتب العظيم نشر مقاله بل نشر إعلاناً فى جريدة «كوكب الشرق» يقول: اقرأوا يوم الأحد القادم مجلة روزاليوسف لأن فيها باباً للألعاب الرياضية».
وما كاد التابعى يرى الإعلان حتى جن جنونه وأمر عم «محمد» البواب بعدم إدخال الكاتب العظيم إلى إدارة روزاليوسف!!
ويقول مصطفى أمين إنه كان يخرج من أزمة ليدخل فى أزمة، وقد تعلم فى تلك الأيام متاعب أن يكون الصحفى محرراً فى جريدة حزبية، الحزب لا يدفع لها مليمًا واحداً، ولا يعوضها إذا صودرت ولا يقف بجوارها إذا أغلقت، ولا يكلف محاميه بالمرافعة عنها إذا حوكمت، ولكن الحزب يتدخل فى كل كلمة تنشر ويدس أنفه فى كل خبر يُكتب!!
ووقع مصطفى فى أزمة غريبة لم تخطر له على بال!!
وللذكريات بقية!